Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 33-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ … } الآية . والإشكال : ما معنى قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } ، وهم لم يشاهدوا خلقهما ، ولم يروا ، لكن قال بعضهم : أي : أولم يخبروا ؟ وقال بعضهم : أولم يعلموا ؟ أي : قد أخبروا وعلموا ؛ ذكر هذا لأنهم كانوا مقرين جميعاً أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض . ثم قوله - عز وجل - : { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } يقول - والله أعلم - أي : لما علموا أن الله - سبحانه وتعالى - هو خلق السماوات والأرض ، ولم يضعفه خلق ما ذكر ، ولم يعجزه ذلك عن تدبير ما يحتاج ذلك إليه من الإمساك والقيام بما به قوام ما خلق فيهن من الخلائق وإصلاحهم ، فإذ لم يعجز عما ذكره لا يحتمل أن يكون عاجزاً عن إحياء الموتى ، أو عن شيء ألبتة . أو يقول : حيث لم يعي ؛ ولم يظهر فيه الضعف في خلق ما ذكر ، ثم لا أحد يملك أن يعمل عملا إلا ويظهر فيه الضعف ، فإذا لم يعجز ولم يضعف في خلق ما ذكر ؛ دل ذلك على أنه إنما لم يضعفه ؛ لأن قدرته ذاتية ، ومن كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء ، فأما غيره إنما يعمل بأسباب فيقدر على العمل على قدر الأسباب ويعجز ربما عنه ، والله أعلم . أو يقول : إذ قد عرفتم أن الله - تعالى - هو خلق السماوات والأرض ، ثم لا يحتمل أن يخلقهما عبثاً باطلا ؛ إذ لو لم يكن بعث كان خلقهما باطلا عبثاً ، وأصله ما ذكرنا بدءاً : أن من قدر على إنشاء ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما بلا احتذاء تقدم ولا استعانة بغير ، ثم الإمساك والقوام على التدبير الذي دبر إلى آخر الدهر ، لا يحتمل أن يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ؛ لأنه قادر بذاته ، لا بقدرة مستفادة . قال أبو عوسجة والقتبي : قوله : { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } يقال : عييت بهذا : أي : لم أحسنه ، ولم أقو عليه . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } مرة قيل لهم : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ } [ الزمر : 71 ] ومرة قيل لهم : { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } يقص هذا عليهم يومئذ ليعترفوا بالذي كانوا ينكرون في الدنيا ؛ لأنهم كانوا ينكرون في الدنيا الرسل والآيات ، وكانوا ينكرون كون البعث وعذابه ، فيعرضون على النار ، فيقال لهم : هذا الذي وعدتم في الدنيا ، أليس هو حقا ؟ فيعترفون ويقولون : { بَلَىٰ وَرَبِّنَا } فيقال لهم : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } في الدنيا ، والله أعلم . وقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } يلزم الرسل الصبر من وجوه ستة : ثلاثة مما خصوا هم بها ، لا يشركهم غيرهم فيها ، وثلاثة مما يشترك غيرهم فيها ؛ فأما الثلاثة التي خصوا بها : أحدها : هم بعثوا لتبليغ الرسالة إلى الفراعنة والأكابر والجبابرة الذين كانت عادتهم وهمتهم القتل ، وإهلاك من خالفهم وعصى أمرهم ومذهبهم ، فلم يعذروا في ترك تبليغ الرسالة إليهم مع ما ذكرنا من خوف الهلاك والقتل ، فأمّا غيرهم من الناس قد أبيح لهم كتمان الدين الحق منهم حتى لا يهلكوا . والثاني : ألزمهم الصبر بالمقام بين أظهر قومهم واحتمال ما كان يلحقهم منهم من الاستهزاء بهم ، والافتراء عليهم ، والتكذيب لهم ، وأنواع الأذى الذي كان منهم إلى الرسل ، لم يؤذن لهم بمفارقتهم لذلك ؛ ولذلك قال : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [ القلم : 48 ] ، لم يكن منه سوى الخروج من بين قومه لسلامة دينه لو لم يسلموا ، ثم أصابه ما أصاب بذلك الخروج لما لم يؤذن له بالخروج ، والله أعلم . والثالث : لم يجعل لهم الدعاء على قومهم بالهلاك والعذاب وإن كان منهم من التمرد والتعنت ما كان . فهذه الثلاثة من المعاملة مما خص الرسل - عليهم السلام - بها من بين سائر الناس . وأما الثلاثة التي يشترك فيها غيرهم : أحدها : أمروا بالصبر على ما يصيبهم وينزل من البلايا والشدائد . والثاني : أمروا بالمحافظة على العبادات [ التي ] جعلت عليهم ، ومحافظة حدودها ، والصبر على القيام بها . والثالث : أمروا بالصبر على ترك قضاء الشهوة ، وترك إعطاء النفس هواها [ و ] مناها . فهذه الثلاثة لهم فيما بينهم وبين ربهم ، وهي مما يشترك فيها غيرهم ، والثلاثة الأولى لهم فيما بينهم وبين الخلق ، وهم قد خصّوا بتلك الثلاثة دون غيرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } . قال بعضهم : أولو العزم من الرسل هم : نوح ، وإبراهيم ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء عدوا نفراً منهم . وقال بعضهم : هم الرسل جميعاً . وجائز أن يكون أولو العزم من الرسل هم الذين كان منهم الصبر على ما ذكرنا من المعاملة مع قومهم . وقيل : أولو العزم هم الذين كانوا أبداً المتيقظين ، القائمين بأمر الله ، الحافظين لحدوده ، وقال في آدم - عليه السلام - : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي : لا تستعجل عليهم بالهلاك والنقمة . وقوله - عز وجل - : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يقول - والله أعلم - : كأنك لا توعدهم بالعذاب إلا ساعة من النهار ، وعذاب ساعة من النهار مما لا يحملهم على ترك قضاء شهواتهم ، ومنع ما هم فيه من الأحوال . والثاني : كأنهم إذا عاينوا عذاب الآخرة وشاهدوه استقصروا المقام في الدنيا ، كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، وهو كقوله - عز وجل - : { كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ الكهف : 19 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } [ الروم : 55 ] استقصروا المقام في الدنيا إذا عاينوا يوم القيامة وأهوالها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلاَغٌ } قال بعضهم : الإبلاغ . وقيل : البلاغ من البلغة ؛ أي : زاد يبلغ به السفر حيث يريد ، والله [ أعلم ] . وقوله - عز وجل - : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } كأنه يقول : لا يهلك الهلاك الدائم المؤبد إلا القوم الفاسقون ، وإلا الهلاك الذي ليس هو بالهلاك الدائم المؤبد مما يهلك الفاسق وغير الفاسق إذ يكون حقّاً على الكل . أو يقول : لا يهلك هلاك العذاب إلا الفاسق ، فأما الهلاك الذي هو هلاك النجاة والفوز عن شدائد الدنيا فمما يهلك به الصالح ، والله أعلم .