Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-32)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ } أي : فرغ من قراءته { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } . قال بعضهم : إن النفر من الجن والإنس ، والنذر من الإنس ، فإن كان ما ذكر فجائز على هذا أن يكون النفر الذي ذكر أنه صرفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستمعوا القرآن منه هم النذر ، يدل على ذلك قوله : { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } . وفي ظاهر قوله - تعالى - : { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [ الأنعام : 130 ] أن قد يكون من الجن الرسل كما يكون من البشر ، إلا أن يقال بأنه قد يذكر الاثنان والمراد به أحدهما ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله - تعالى - : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . ثم يحتمل { صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } أي : ألهمناهم وقذفنا في قلوبهم حتى صاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجهوا إليه ؛ ليستمعوا القرآن منه . ويحتمل أنه أمرهم في الكتب التي أعطوا معرفتها بالتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستمعوا منه القرآن ؛ لأنه قال - عز وجل - على إثره خبراً عنهم : { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } هذا يدل على أنهم قد عرفوا الكتب قبل هذا الكتاب ؛ حيث قالوا : { سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } فجائز أن يكونوا أمروا بتلك الكتب استماع هذا الكتاب والعمل به . ويحتمل أن يكونوا عرفوا بذلك لما كانوا يسترقون السمع إلى السماء فيستمعون أخبار السماء ، ثم ينزلون فيخبرون أهل الأرض بذلك ؛ ليكون العلم لهم بذلك من الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ } . فيه دلالة لزوم العمل بخبر الواحد ؛ لأن النفر الذين حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجن سمعوا القرآن منه وصدقوه كانوا قليلي العدد لما رجعوا إلى قومهم فإنما يرجع كل إلى قومه ، وقد يحتمل الاجتماع والتواصل على ذلك ، ودعا كل قومه إلى إجابة داعي الله - تعالى - وحذرهم مخالفته ، وأنه يحتمل ما ذكرنا من الأفراد والآحاد ، دل أن خبر الواحد حجة في حق العمل ، وهو ما قال - عز وجل - : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } [ التوبة : 122 ] فكان العمل بخبر الآحاد والأفراد ظاهراً مشهوراً في الإنس والجن ؛ حيث ذكر ما ذكرنا وألزمهم الإجابة والحذر ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - : { أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } يحتمل الإجابة له في الاعتقاد والإيمان به . ويحتمل في المعاملة في كل أمر ، وفي كل شيء ، فكذلك قوله : { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } فيما دعاه { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي : ليس بسابق ولا هارب من عذابه ؛ يقول - والله أعلم - : أن ليس يقدر أحد التخلص من عذابه بهربه منه والفرار عنه كما يقدر الفرار والهرب بعض من عذاب بعض في الدنيا ربما ؛ ولذلك ما قال : { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } أي : ليس لهم من دونه أولياء ينفعونه ويدفعون العذاب عنهم كما يقوم بعض في دفع ما يلحقهم من البلايا والشدائد في الدنيا ؛ إذ ليس قوله : { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } أن لا ولاية لهم ؛ إذ قال في موضع آخر : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ المائدة : 51 ] ولكن لا تنفع ولايتهم يومئذ كما لا تنفع في الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : من لم يجب داعي الله فهم في ضلال مبين .