Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-3)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال عامة أهل التأويل : هم أهل مكة . والأشبه أن تكون الآية في كفار المدينة وهم أهل الكتاب ؛ لأن السورة مدنية ؛ على ما قال بعض أهل التأويل ، لكن جائز أن يكون كما قال أهل التأويل بأنها نزلت في كفار [ مكة ] ؛ لأن هذه السورة ذكرت على أثر خبرهم وعقيب نبئهم في سورة الأحقاف . ثم إن كانت الآية في كفار المدينة وأهل الكتاب فيكون يحتمل : الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم - وما أنزل عليه { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي : أبطل إيمانهم الذي كان لهم بسائر الأنبياء وبمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم كانوا مؤمنين به قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا به ؛ يقول - والله أعلم - : قد أبطل إيمانهم الذي كان منهم قبل ذلك بما كفروا بعدما بعث . وإن كانت الآية في كفار مكة على ما قال أكثرهم ؛ فيكون قوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بوحدانية الله - تعالى - أو كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه ، أو كفروا بالبعث ، ونحو ذلك { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي : أبطل حسناتهم التي كانت لهم في حال كفرهم ؛ من نحو الصدقات ، وصلة الأرحام ، وفك الرقاب ، وغير ذلك من الأعمال التي كانوا يتقربون بها - والله أعلم - قد أبطل أعمالهم التي كانوا يتقربون بها ويرونها قربة عند الله . أو يقول : قد أبطل عبادتهم التي كانوا يعبدون من الأصنام وغيرها لتقربهم عبادتهم إلى الله زلفى ؛ لقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] يقول : قد أبطل ذلك ولم يكن على ما رجوا وطمعوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يحتمل أن صدوا بأنفسهم ؛ أي : أعرضوا عن سبيل الله ؛ على ما ذكر عنهم . ويحتمل : { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : صدوا الناس عن سبيل الله ، وقد كان منهم الأمران جميعاً { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي : أبطل ؛ يقال : ضل الماء في اللبن : إذا غلب فلم يتبين . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } يقول : والذين آمنوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، وآمنوا بما نزل عليه ، وثبتوا على ذلك - لم يضل أعمالهم ، ولم يبطل إيمانهم الذي كان منهم ؛ بل يكفر سيئاتهم التي كانت منهم من الكفر وغيره من السيئات . أو يقول : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } صلى الله عليه وسلم { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } وهو الكفر والمساوي التي كانت لهم من الكفر ؛ كقوله - تعالى - : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] إن كانت الآية في مؤمني ومشركي العرب وأهل مكة فيكون قوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } : الشرك والمساوي التي كانت لهم في حال الكفر ، وإن كان في مؤمني أهل الكتاب ، فيكون قوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } في حال إيمانهم ، والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : آمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم نزل ، وكل شيء من الله فهو الحق . والثاني : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } أي : وهو الصدق من ربهم . وقوله - عز وجل - : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي : حالهم وشأنهم فيما كان من قبل وفيما بعده . ثم أخبر أن الذي أبطل أعمالهم لأولئك الكفرة وما ذكر ، وثبت الذين آمنوا ولم يبطل أعمالهم وما ذكر من إصلاح حالهم هو ما قال { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } يحتمل : الباطل : الشيطان ، أو هوى النفس ، أو كل باطل ، وهو الذي يذمّ عليه فاعله ومتبعه . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } يقول : لهؤلاء ما ذكر لاتباعهم الباطل ، ولهؤلاء ما ذكر لاتباعهم الحق . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } أي : مثل الذي بين ما لهؤلاء وما لهؤلاء ، يبين ما لكل متبع الباطل ومتبع الحق ، وضرب المثل هو أن يبين لهم ما خفي وأثبته عليهم بالذي ظهر عندهم وتقرر وتجلى لهم ؛ ليصير الذي خفي عليهم وأثبته ظاهراً متجلياً .