Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 48-50)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } . قوله : { بِٱلْحَقِّ } قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } . قد ذكرناه ، أيضاً . وقوله - عز وجل - : { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : مؤتمنا عليه . والكسائي قال : المهيمن : الشهيد ، وقيل : الرقيب على الشيء ، قال : هيمن فلان على هذا الأمر ؛ فهو مهيمن ، إذا كان كالحافظ له والرقيب عليه . وعن الحسن قال : { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } مصدقاً بهذه الكتب ، وأميناً عليها . والقتبي قال : أميناً عليه . وأبو عوسجة قال : مسلطاً عليه . وقيل : مفسراً يفسر التفسير . وقال أبو بكر الكيساني : قوله : { وَمُهَيْمِناً } هي كلمة مأخوذة من كتبهم معربة ، غير مأخوذة من لسان العرب . وفيه إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم ، وتأويله : هو شاهد وحافظ على غيره من الكتب ، ومصدقاً لها أنها من عند الله نزلت سوى ما غيروا فيها وحرفوا ؛ ليميز المغير منها والمحرف من غير المغير والمحرف . قال ابن عباس - رضي الله عنه - { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } ، يعني : القرآن شاهد على الكتب كلها . وقوله - عز وجل - : { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } . يحتمل قوله : { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } من الرجم في الزاني الثيب ، على ما ذكر في بعض القصة : أنهم رفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزاني والزانية منهم ، فطلبوا منه الجلد ، وكان في كتبهم الرجم . { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } قولهم : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } . أو أن يقال : احكم بينهم بما أنزل الله من القتل ؛ لأنه ذكر في بعض القصة أن بني قريظة كانوا يرون لأنفسهم فضيلة على بني النضير ، وكانوا إذا قتلوا منهم أحداً لم يعطوهم القود ولكن يعطوهم الدية ، وإذا قتلوا هم أحداً منهم لم يرضوا إلا القود ؛ فأنزل الله - تعالى - : { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } وهو القتل ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } في تركهم القود ، وإعطائهم الدية ، والله أعلم بالقصة أن كيف كانت ، وليس بنا إلى معرفة القصة ومائيتها حاجة ، بعد أن نعرف ما أودع فيه وأدرج من المعاني . وقوله - عز وجل - : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً … } [ الآية ] . فإن قيل : كيف نهاه عن اتباع أهوائهم ، وقد أخبر - عز وجل - : أنه جعل لكل شرعة ومنهاجا ، وقد يجوز أن يكون ما هو هواهم شريعة لهم ؟ ! : قيل : يحتمل النهي عن اتباع هواهم ؛ لما يجوز أن يهووا الحكم بشريعة قد نسخ الحكم بها لما اعتادوا العمل بها ؛ فالعمل بالمعتاد من الحكم أيسر فهووا ذلك . أو كان ما نسخ أخف ؛ فيهوون ذلك ؛ فنهاه عن اتباع هواهم ؛ لأنه العمل بالمنسوخ والعمل بالمنسوخ حرام . أو أن هووا في بعضٍ على غير ما شرع ، وفي بعضٍ : ما شرع ، فإنما نهي عن اتباع هواهم بما لم يشرع ، والله أعلم . وقوله - تعالى - : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } ، وليس في نسخ شريعة بشريعة خروج عن الحكمة [ عند ] من عرف النسخ ؛ لأن النسخ بيان منتهي الحكم إلى وقت ليس على ما فهمت اليهود من البداء والرجوع عما كان ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم ما فيه مقنع بحمد الله تعالى وَمَنِّهِ . [ وقوله - عز وجل - : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } ] . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " الشرعة : هي السبيل ، وهي الشريعة ، وجمعها : شرائع ، وبها سميت شرائع الإسلام ، وكل شيء شرعت فيه فهو شريعة . وقال : " المنهاج : السنة ، [ والشرعة : هي السبيل " ] . وقيل : الشرعة : السنة ، والمنهاج : السبيل ، يعني : الطريق الواضح الذي يتضح لكل سالك فيه إلا المعاند والمكابر ؛ فإنه يترك السلوك فيه مكابرة ، يخبر - عز وجل ، والله أعلم - أنه لم يترك الناس حيارى لم يبين لهم الطريق الواضح يسلكون فيه ؛ بل بيَّن لهم ما يتضح لهم إن لم يعاندوا ؛ ليقطع عليهم العذر والحجاج ، وإن لم يكن لهم حجاج ، وبالله التوفيق . وقوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } . اختلف فيه ، قيل : لو شاء الله ، لجعلكم جميعا على شريعة واحدة ، لا تنسخ بشريعة أخرى ، لكن نسخ شريعة بشريعة أخرى ؛ لفضل امتحان ، ولله أن يمتحن عباده بمحن مختلفة ، كيف شاء بما شاء . وقيل : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ، أي : على دين واحد ، وهو دين الإسلام ، لم يجعل كافراً ولا مشركاً ، ولكن امتحنكم بأديان مختلفة على ما تختارون وتؤثرون ، ثم اختلف في المشيئة : قالت المعتزلة : هي مشيئة الجبر والقسر . وقال أصحابنا : المشيئة مشيئة الاختيار ، وقد ذكرناها في غير موضع . وقوله : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } . قيل : سابقوا يا أمة محمد الأمم كلها بالخيرات . ويحتمل قوله : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } . أي : سابقوا إلى ما به تستوجبون المغفرة ؛ كقوله : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الحديد : 21 ] . وأصل قوله : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } ، أي : اعملوا الخيرات ؛ كقوله : { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً … } الآية [ سبأ : 11 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } . نهى رسوله - عليه السلام - أن يتبع أهواءهم - على العلم : أنه لا يتبع أهواءهم - والوجه فيما ما ذكرنا : أن العصمة لا تمنع النهي ؛ بل تؤيد ، وقد ذكرنا فيما تقدم . ويحتمل أن يرجع النهي إلى غيره ، ويراد بالنهي والأمر : غير المخاطب به ؛ على ما ذكرنا من عادة الملوك : أنهم إذا خاطبوا ، خاطبوا من هو أجل عندهم وأعظم قدراً ، وأرفع منزلة ؛ فعلى ذلك هذا . وقوله : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } فيما غيروا وبدلوا ؛ هذا يحتمل . ويحتمل ألا تتبع أهواءهم : فيما طلبوا منك من الجلد مكان الرجم ، أو الدية مكان القصاص ؛ لما رأى بنو النضير لأنفسهم من الفضل على بني قريظة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } . قوله : { أَن يَفْتِنُوكَ } ، أي : يصدوك عن الحكم ببعض ما أنزل الله إليك ، والفتنة هي المحنة ، وهي تتوجه إلى وجوه ، وقد ذكرنا الوجوه فيه فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } . [ قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } : فإن أعرضوا ] عن الحكم الذي تحكم بما أنزل الله ؛ { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } ، اختلف فيه : قال بعضهم : إنما يعذبهم الله ببعض ذنوبهم ، لا يعذبهم بجميع ذنوبهم . وقال آخرون : عذاب الدنيا عذاب ببعض الذنوب ، ليس هو عذاباً بكل الذنوب ؛ لأنه لا يدوم ، وأما في الآخرة : فإنهم يعذبون بجميع ذنوبهم ؛ لأن عذاب الآخرة دائم ؛ فهو عذاب بجميع الذنوب ، وعذاب الدنيا زائل ؛ فهو عذاب ببعض الذنوب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } . قال بعضهم : هذا صلة قوله : { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } ؛ فقال الله - عز وجل - : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } . وقال آخرون : روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول : فحكمهم في الجاهلية يبغون عندك يا محمد في القرآن . يعني : بني النضير . وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } [ المائدة : 50 ] . أي : لا أحد أحسن من الله حكماً ، على إقرارهم أن الله إذا حكم لا يحكم إلا بالعدل .