Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 87-88)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } . [ الآية ترد على المتقشفة ؛ لأنه نهانا ألا نأكل طيبات ما أحل الله لنا ] وهم يحرمون ذلك ، وقال الله - عز وجل - : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] ، ثم لا فرق بين تحريم ما أحل الله لنا من الطيبات ، وتحليل ما حرم الله علينا من الخبائث ، ثم يلزمهم أن يحرموا على أنفسهم التناول من الخبز والماء ، وهما من أطيب الطيبات ؛ ألا ترى أن المرء قد يمل ويسأم من غيرهما من الطيبات إذا كثر ذلك ، ولا يمل ألبتة من الخبز والماء ؛ دل أنهما من أطيب الطيبات ، إلا أن يمتنعوا من التناول من غيرهما ؛ إيثاراً منهم غيرهم على أنفسهم ؛ لما يلحق القوم من المئونة في غيرهما من الطيبات ولا يلحق في الخبز والماء ؛ لأنهما موجودان ، يجدهما كل أحد ولا يجد غيرهما من الطيبات ، إلا من تحمل مؤنة عظيمة ، فإن كان تركهم التناول منها لهذا الوجه ، فإنه لا بأس . وبعد : فإن الله - تعالى - جعل الأطعمة والأشربة والفواكة للبشر في الوقت والحال التي تطيب أنفسهم بها وتلذ ؛ لأنه لم يحل لهم في أول خروجها من الأرض والنخيل ، إنما أحل لهم بعد نضجها وينعها واتخاذها خبزاً ، وبلوغها في الطيب نهايته ، وجعل للبهائم ذلك في أول ما يخرج ، فإذا كان البشر خصوا بذلك لم يجب أن يحرم ذلك ، ويبطل ذلك التخصيص والتفضيل ، والله أعلم . فإن قيل : إنما لم يتناول منها لما يعجز عن شكر الله ؛ لذلك يقتصر على ما يُقيم الرمقَ منه . قيل له : فيجب ألا يتزوج من النساء إلا أدونهن جمالا وأكبرهن سنّاً ؛ لأنها تصونه عن الفجور ، فإن لم يكن في تزويج العجائز والقبائح وترك الشبان الحسان زهادة ، فليس في أكل خبز الشعير وترك المحور والميدة زهادة ، ولكن لما خاف أن يدخله الرغبة في طيب الطعام في شبهة مكسبه ، فواجب عليه ألا يدخل في ذلك المكسب ، وينزه نفسه عنه ، ويقتصر على القوت الذي لا بد له منه . وقيل : الآية نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : عمر وعلي وابن مسعود وعثمان ابن مظعون والمقداد وسالم ، رضوان الله عليهم أجمعين . وهولاء حرموا على أنفسهم الطعام والنساء ، وهموا أن يقطعوا مذاكيرهم ، وأن يلبسوا المسوح ويدخلوا الصوامع ؛ فيترهبوا فيها ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتى منزل عثمان فلم يجدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة عثمان : " " أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْ عُثْمَانَ وَأَصْحَابِهِ ؟ " قالت : ما هو يا رسول الله ؟ فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بالذي بلغه ، فكرهت أن تكذب النبي صلى الله عليه وسلم أو تبدي على زوجها ؛ فقالت : إن كان عثمان أخبرك فقد صدقك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قُولي لِزَوْجِكِ إِذَا جَاءَ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَنَّ بِسُنَّتِنَا وَيَأْكُلْ ذَبِيحَتَنَا " ، فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرته امرأته بقول النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال عثمان : والله لقد بلغ النبي أَمْرُنا فما أعجبه ؛ فذروا الذي كره ؛ فأنزل الله : { لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ … } الآية ، فلا ندري كيف كانت القصة ؟ ولكن فيه بيان ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } : يحتمل أن يكون الحلال هو الطيب ، والطيب هو الحلال ؛ سماهم باسمين وهما واحد . ويحتمل : أن يكون قوله : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً } : بالشريعة والدين ، [ والله أعلم ] . { طَيِّباً } : بالطبيعة ؛ لأن الحل والحرمة معرفتهما بالشريعة ، والطيب ما تستطيب به الطبائع . وفي الآية [ دليل ] أنه قد يرزق ما هو خبيث ليس بطيب ؛ لأنه لو لم يرزق لم يكن لشرط الحلال والطيب معنى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } . في الآية دلالة أن الخطاب للمؤمنين ؛ لأنه قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } ولم يقل : " إن كنتم مؤمنين " ونحو هذا ، قد سماهم مؤمنين مطلقاً ؛ دل أنه يجوز أن يسمى . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تحرموا ما أحل الله لكم ، { ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } أنه لا يحل ولا يحرم إلا هو ، وليس إلى من دونه تحليل وتحريم .