Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 78-86)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } . قال بعضهم : لعنوا بكل لسان ؛ لعنوا على عهد موسى - عليه السلام - في التوراة ، وعلى عهد داود في الزبور ، وعلى عهد عيسى في الإنجيل ، وعلى عهد [ رسولنا ] محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن ؛ وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وقيل : مسخوا بدعائهم بما اعتدوا ، فصاروا قردة وخنازير . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا " . وقال الحسن : " انقطع ذلك النسل " . وأصل اللعن : هو الطرد ؛ كأنهم طردوا عن رحمة الله . ويحتمل تخصيص اللعن على لسان داود ؛ لأن داود - عليه السلام - كان به غلظة وخشونة ، وهو الذي كان اتخذ الأسلحة وآلات الحرب ، وعيسى كان به لين ورفق ؛ ليعلم أن اللعن الذي كان منهما كان لتعديهم الحدود - حدود الله - وعصيانهم ربهم ، وكانوا مستوجبين لذلك محقين ؛ ولذلك استجيب دعاؤهم عليهم باللعن [ أعني : دعاء الرسل ، عليهم السلام ] . وقوله - عز وجل - : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } . ذكر في بعض القصة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لمَّا وَقَعَتْ بَنُوا إِسْرَائِيلَ في المَعَاصِي نَهَاهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا ، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهِمْ وَآكَلُوهُم وَشَارَبُوهُمْ ، فَضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؛ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال : " لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ [ عَلَى الحقِّ ] أطْراً " قال أبو عبيد : يعني تعطفوهم عطفا ، وقال غيره : حتى تكسروهم كسرا . وقوله - عز وجل - : { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . قيل : قوله : { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } يعني : المنافقين ، { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : اليهود يتولون الذين كفروا ويعاندون رسول الله وأصحابه . وقيل : { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } : يعني : من اليهود : { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من مشركي العرب وغيرهم ، كانوا يظاهرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ويعاونون عليهم ، وقد كان من الفريقين جميعاً ذلك . ويحتمل وجهاً آخر : قوله : { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } من هؤلاء الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتولون الذين كفروا ، يعني : أسلافهم ورؤساءهم ؛ كقوله : { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً … } الآية [ المائدة : 77 ] ، تولى هؤلاء أولئك واتبعوا أهواءهم . وقوله - عز وجل - : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } : أي : ما قدمت أنفسهم سخط الله عليهم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ } . يعني : المنافقين ، في أحد التأويلين . وفي تأويل آخر : اليهود ، أي : لو صدق هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وصدقوا ما أنزل إليه من القرآن - ما اتخذوا أولئك أولياء . ثم يحتمل قوله - تعالى - : { مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ } في الدين أو في النصر والمعونة والنصرة ، { وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . وقوله - عز وجل - : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } تحتمل الآية وجوهاً : تحتمل : أن يكون ما ذكر من شدة عداوة اليهود للذين آمنوا قوماً مخصوصين منهم . , وتحتمل : اليهود الذين كانوا بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم أشد عداوة لهم . وتحتمل : اليهود جملة ، فهو - والله أعلم - على ما كان منهم من قتل الأنبياء وتكذيبهم إياهم ، ونصب القتال والحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وما كان منهم من قول الوخش في الله - سبحانه - ما لم يسبقهم أحد بمثل ذلك ما وصفوا الله - عز وجل - بالبخل والفقر ، وهو قوله - تعالى - : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ] وقالوا : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] ، وغير ذلك من القول ؛ وذلك لشدة بغضهم وعداوتهم وقساوة قلوبهم ؛ فعلى ذلك كل من دعاهم إلى دين الله تعالى ، فهم له أشد عداوة ، وأقسى قلباً . وأمَّا النصارى : فلم يكن منهم واحد مما كان من اليهود : من قتل الأنبياء ، ونصب الحروب والقتال معهم ، ولم يروا في مذهبهم القتال ولا الحرب ، ولا كان منهم من القول الوخش ما كان من اليهود ، بل كان فيهم اللين والرفق ؛ حتى حملهم ذلك على القول في عيسى ما قالوا ، وذلك منهم له تعظيم فوق القدر الذي جعل الله له ، حتى رفعوه من قدر العبودية إلى قدر الربوبية ؛ لذلك كفروا ، وإلا كانوا يؤمنون بالكتب والأنبياء - عليهم السلام - من قبل ؛ ألا ترى أنه قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } أخبر - عز وجل - أن منهم قسيسين ورهباناً ، والرهبان : هم العباد . وقيل : القسيسون : [ هم ] الصديقون ، ولم يكن من اليهود رهبان ولا قسيسين ؛ لذلك كان النصارى أقرب مودة وألين قلباً من اليهود ، والله أعلم . فإن كان ذلك في قوم مخصوصين مشار إليهم ، وهو ما ذكر في القصة أن بني قريظة وبني النضير كانوا يعاونون ويظاهرون مشركي العرب على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرونهم بذلك ، ظاهروا وأعانوا لمن لم يؤمن بنبي ولا كتاب قط على من قد آمن بالأنبياء والكتب جميعاً ؛ وذلك لسفههم وشدة تعنتهم ؛ حتى قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم من بلادهم إلى أرض الشام . وإن كان ذلك عن قوم بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وهو ما كان من يهود المدينة ؛ حيث بايعوا أهل مكة على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا عيوناً لهم عليهم وطلائع ، ولم يذكر في قصة من القصص أنه كان من النصارى شيء من ذلك ، كان أقرب مودة للمؤمنين ، والله أعلم . وما قال بعضه أهل التأويل بأن من أسلم منهم كان أقرب مودة للمؤمنين من اليهود فحاصل هذا الكلام أن المؤمن أقرب مودة للمؤمنين من الكافر ، وذلك كلام لا يفيد معنى . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } . سرورا على أنفسهم مما ظفروا مما كانوا يسمعون من نعته صلى الله عليه وسلم وصفته ويطمعون خروجه ، وقد يعمل السرور هذا العمل إذا اشتد به وفرح القلب فاضت عيناه سروراً . ويحتمل قوله - تعالى - : { تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } ؛ حزناً على قومهم ؛ حيث لم يؤمنوا بعد أن بلغهم ما بلغ هؤلاء من أعلام النبوة وآثار الرسالة ؛ إشفاقاً عليهم أن كيف لم يؤمنوا ؛ كقوله - تعالى - : { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } [ التوبة : 92 ] : قد فاضت أعينهم حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ، والله أعلم . وقوله : { يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا } بما أنزلت واتبعنا الرسول { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ الآية ] : قيل : مع الأنبياء والرسل . وقيل : مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو واحد . ثم ذكر في القصة : أنها نزلت في النجاشي وأصحابه . وقيل : نزلت في أربعين رجلا من مسلمي أهل الإنجيل : بعضهم قدموا من أرض الحبشة ، وبعضهم قدموا من أرض الشام ، فسمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما أشبه هذا [ بالذي ] نُحَدَّثُ من حديث عيسى ! ! فبكوا وصدقوا ؛ فنزلت الآية فيهم ، فلا ندري كيف كانت القصة ؟ وفيمن نزلت ؟ إذ ليس في الآية بيانه ، وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما فيه من شدة رغبتهم في القرآن ، وسرورهم على ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ } . [ الحق ] يحتمل : الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل : القرآن ، ويحتمل : كليهما . وقوله - عز وجل - : { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } . قال الحسن : قوله - تعالى - : { وَنَطْمَعُ } : أي : نعلم أن يدخلنا ربنا الجنة إذا آمنا بالله وما جاءنا من الحق . قيل : نطمع : هو الطمع والرجاء ، أي : نطمع ونرجو أن يدخلنا ربنا في دين قوم صالحين . و { ٱلصَّالِحِينَ } : يحتمل : ما ذكرنا من الأنبياء والرسل . ويحتمل : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } : الثناء الحسن في الدنيا ؛ حيث ذكرهم في القرآن ؛ فيذكرون إلى يوم القيامة ، ويثني عليهم ، وفي الآخرة : الجنة ونعيمها . { وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } . المحسن : كأنه هو الذي يتقي المعاصي ، ويأتي بالخيرات والحسنات جميعاً ، يعمل عملين جميعاً . والتقي : هو الذي يتقي المعاصي والمكاره خاصة . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ } : قال بعضهم : " الجحيم " : هو اسم معظم النار . وقال غيرهم : هو اسم درك من دركات النار ؛ وكذلك " السعير " .