Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 12-18)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ذكر هذه الأنباء لوجهين : أحدهما : يصبّر رسوله على أذى قومه وتكذيبهم إياه كما صبر أولئك يقول : إنك لست بأول رسول كذبه قومه ، بل كان قبلك رسل كذبهم قومهم ، فصبروا على ذلك ؛ فاصبر أنت - أيضاً - وهو كقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] . والثاني : يحذر قومه أن ينزل بتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم به كما نزل بمن ذكر من الأقوام بتكذيبهم وسوء معاملتهم . وعلى هذين المعنيين جميع ما ذكر في القرآن من الأنباء ، والله أعلم . ثم أصحاب الرس اختلف في الرس : [ قيل ] : هو بئر دون اليمامة ، وكان عندها أقوام كذبوا رسلهم ، فأهلكهم الله تعالى . وقيل : الرس : هو الوادي . وقال بعضهم : الرس : هو خد خدوه وجعلوا فيه الناس ، وأحرقوا فيها نبيهم ، عليه السلام . وقال بعضهم : سموا بذلك لأنهم رسوا نبيهم - عليه السلام - في البئر . وقال بعضهم : هم قوم الرسل الذين ذكرهم في سورة يس بقوله - تعالى - : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 14 ] . وعن الأصم أنه قال : الرس : كل موضع خدّ فيه ؛ ولذلك سمي الخد : خدّاً ؛ لجري الدمع عليه ، والله أعلم . وقوله : { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } أي : قوم لوط . وقوله : { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } قيل : إنه كان رجلا مسلماً صالحاً ، مدحه الله - تعالى - وذم قومه ، سمي : تبعاً ؛ لكثرة أتباعه . ولا حاجة بنا إلى تفسيره بأنه من كان ؟ وما اسمه ؟ كما ذكر بعض أهل التأويل ؛ لما لم يذكر في القرآن ، ولم يثبت بالتواتر ، فلا نزيد على ذلك القدر ؛ احترازاً عن الكذب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } يخوف أهل مكة أن أولئك الذين ذكرهم جميعاً قد أهلكوا بتكذيبهم الرسل ، فحق عليهم الوعيد بذلك ؛ فعلى ذلك يحق عليكم ذلك الوعيد بتكذيب الرسول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } هو يخرج على وجهين : أحدهما : { أَفَعَيِينَا } أي : أعجزنا عن الخلق ؛ أي : حيث لم نعجز عن الخلق الأول ، فكيف نسبونا إلى العجز عن الخلق الثاني ؟ ! والثاني : { أَفَعَيِينَا } أي : أجهلنا وخفي علينا تدبير الخلق الثاني ، وابتداء تدبير الخلق الأول وإنشاؤه أشد عندكم من إعادته ، والإعادة عندكم أهون ، فإذا لم نعجز عن ابتداء إنشائه ، ولم نجهل ، ولم يخف علينا الابتداء ، فأنّى نعجز عن الإعادة ؟ ! ثم قال بعضهم : الخلق الأول هو آدم ، عليه السلام . وقال عامتهم : هو ابتداء خلقهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي : هم في شك واختلاط من خلق جديد ؛ لما تركوا النظر في سبب المعرفة ؛ ليقع لهم العلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } هو يخرج على وجهين : أحدهما : يقول : على علم منا بما تحدث به نفسه وتوسوس من أنواع الحديث والوسوسة ، لا عن جهل وخفاء فعلنا ذلك ، فإن هو كفها وحبسها عما تدعو به إليه نفسه وتهواه ويصرفها إلى ما يدعوه عقله وذهنه نجا وفاز ؛ لقوله - تعالى - { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] وقال : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 40 - 41 ] ، وإن تركها حتى تمادى في هواها هلك ؛ قال الله - تعالى - : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 37 - 39 ] ، وقال في آية أخرى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الفرقان : 43 ] ونحوه كثير من القرآن . والثاني : يذكر { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } أي : نحن مطلعون على ذلك ، ليس علم ذلك إلى الحفظة وهم يتولون كتابته ؛ أي : لم يجعل ذلك إلى أحد ، إنما ذلك إلى الله - تعالى - هو العالم بذلك ، وهو المطلع عليه دون الملائكة ، وإنما إلى الملائكة ما يلفظه ويفعل بالجوارح ؛ لقوله : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقال في آية أخرى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 10 - 12 ] أخبر أن الحفظة إنما يعلمون ما يفعلون ظاهراً ، أما ما يسرون في قلوبهم فالله هو المطلع على ذلك العالم ؛ ليكونوا أبداً على اليقظة والحذر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ لا ] يفهم من قرب الرب - تعالى - إلى العبيد ما يفهم من قرب العبد إلى الله - تعالى - وإنما يكون قرب العبد إلى الله - تعالى - بالطاعة له ، والقيام بأمره ، والانقياد والخضوع له ؛ هذا هو المفهوم من قرب العبد إلى الله - تعالى - لا قرب شيء [ من شيء ] آخر ؛ فعلى ذلك يفهم من قرب الله - تعالى - إلى العبد الإجابة له ، والنصرة ، والمعونة ، والتوفيق على الطاعات ، وعلى ذلك ما يقال : فلان قريب إلى فلان ، لا يعنون قرب نفسه من نفسه والمكان ، ولكن يعنون نصره له ، ومعونته إياه ، وإجابته . ويحتمل أن يذكر القرب منه كناية عن العلم بأحواله ظاهراً وباطناً ، والله أعلم . وأصله أن تعتبر الأحوال فيما ذكر من القرب ، فإن كان في السؤال فالمراد أنه قريب منه بالإجابة له ؛ أي : يجيبه ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186 ] وإن كان فيما يسرون ويضمرون فيفهم من القرب في تلك الحالة العلم به ؛ كقوله - تعالى - : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ … } الآية [ المجادلة : 7 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ، وقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 85 ] يفهم منه النصر والمعونة ، أو العلم ؛ فيكون قوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } أي : أعلم وأولى به وأحق من غيره في النصر والمعونة ، وأولى به في الإجابة ، والله أعلم . وعلى ذلك يخرج ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من تقرب إلى [ الله ] شبراً تقرب منه شبرين " على ما ذكرنا من قرب الطاعة له , وقرب الرب إليه : بالنصر والمعونة ، لا قرب المكان ، ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } قال بعضهم : عرق العنق ، والوريد : العنق . وقال بعضهم : هو عرق بين القلب والحلقوم . وقال بعضهم : هو عرق القلب معلق به ، فإذا قطع ذلك العرق يموت الإنسان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } أي : اذكر تلقي المتلقيين ، أو احفظ تلقي المتلقيين ، أو احذر تلقي المتلقيين ، وهما الملكان المسلطان على أعمالك وأقوالك ؛ إذ يتلقيان منك أعمالك وأقوالك ، ويحفظان عليك ، ويكتبان ؛ يذكر هذا ويخبرهم أن عليهم حافظاً ورقيباً ، وإن كان هو - تعالى - حافظاً لجميع أفعالهم وأقوالهم ، عالماً بها فحفظ الملائكة وكتابتهم ، وعدم ذلك بمنزلة [ واحدة ] في حق الله - تعالى - لكن يخرج الأمر للملائكة بحفظ أعمالهم وكتابة ذلك على وجوه من الحكمة : أحدها : ليكونوا على حذر أبداً مما يقولون ويفعلون ؛ على ما يكون في الشاهد من علم أن عليه حافظاً ورقيباً في أمر يكون أبداً على حذر وخوف من ذلك الأمر ، وذلك أذكر له وأدعى إلى الانتهاء عن ذلك ، فعلى ذلك إذا علم العبد أن عليه حفيظاً ويكتب ذلك عليه ، وأنه يكلف تلاوة ذلك المكتوب بين يدي الله - تعالى - فيستحي من ذلك أشد الاستحياء - يكون ذلك أزجر له ، وأبلغ في المنع ، وإلا كان إحصاء ذلك على الله - تعالى - مع الكتاب وغير الكتاب سواء ؛ إذ هو عالم بذاته ، لا بالأسباب ، وهو تأويل { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] ، والله أعلم . والثاني : من الحكمة امتحان الملائكة بحفظ أعمال بني آدم وأقوالهم ، وكتابة ذلك ، فيمتحنهم بذلك وأمرهم به ، ولله أن يمتحن الملائكة من شاء منهم بالتسبيح والتعظيم ، ومن شاء منهم بالركوع ، ومن شاء بالسجود ، ومن شاء بحمل العرش والكرسي ، ومن شاء بحفظ بني آدم ، ومن شاء منهم بسوق السحاب وإنزال المطر ، مما في ذلك منافع بني آدم ، ويكون ذلك كله بحق العبادة ؛ ليعلم أن من امتحن منهم بالركوع ، والسجود ، والتسبيح ، والتكبير ، والتهليل ، لم يمتحنهم بذلك لمنافع ترجع إليه في ذلك ، ولكن يمتحنهم بمحن بما شاء ؟ وفيم شاء ؟ ويكون ذلك كله عبادة ، وإن اختلفت أنواعه ، فعلى ذلك أمره إياهم بحفظ أعمالهم وأقوالهم وكتابتها ، والله أعلم . والمحنة بحفظ تلك الأعمال والأصوات وكتابتها أشد من محنة غيرهم من الملائكة بالركوع أو السجود ، أو القيام ، أو التكبير ، أو التهليل ، ونحو ذلك ، ومن محنة بني آدم من إقامة العبادات ، والامتناع من المحرمات ، ونحوها إذ لو اجتمع الخلائق على معرفة كيفية عمل واحد ما قدروا عليه ؛ فدل أن هذا التأويل محتمل . والثالث : وهو أن الله - تعالى - أخبرهم بكتابة الملكين لأعمالهم ، وبقعودهم عن اليمين والشمال من غير أن رأى أحد من البشر إياهم ، ولا رأى كتابهم ، ولا سمع صوت كتابتهم ، وقد أقدرهم على العلم بما في ضمائرهم وكتابة ذلك كله ، وأقدرهم على رؤيتنا ، ولم يقدرنا على رؤيتهم ، وهم أجسام مرئية ؛ ليعلموا بذلك قدرة الله - تعالى - على ما شاء من الفعل ، وألا يقدروا قوة كل خلق الله - تعالى - بقوة أنفسهم ، ولا رؤية غيرهم برؤية أنفسهم ، وأن قوة الرؤية تختلف باختلاف الأوقات والأشخاص ، فإن الملائكة يروننا ولا نراهم في الدنيا ، وإن كانوا أجساماً مرئية ؛ حيث يرى بعضهم بعضاً . ثم أخبر وقال : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] أخبر أنه يرى ذلك الكتاب في الآخرة ، وإن كان لا يراه في الدنيا ، وكذا يرى الملائكة في الآخرة ؛ وهذا لأن هذه البنية لا تحتمل أشياء لضعف فيها ، وبحجاب يكون في ذلك في الدنيا ، ثم يحتمل أن تكون في الآخرة أقوى في احتمال ذلك ؛ فتبصر في الآخرة . وفي هذا ردّ قول المعتزلة في إنكارهم رؤية الله - تعالى - أنه لو كان يرى في كل مكان على ما يرى الملائكة في الآخرة دون الدنيا ونحو ذلك ، فعلى ذلك رؤية الله . ثم قراءة العامة : { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } ، وقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال } فعلى قراءته يخرج تأويل الآية على وجه واحد ؛ أي : يأخذ الملكان عن بني آدم ما فعلوا وقالوا . [ و ] على قراءة العامة يخرج على وجهين : أحدهما : أن يأخذ الملكان عنه ما أدى إليهما من قول أو فعل . والثاني : أن يتلقى أحد الملكين عن الآخر ما ألقى عليه ذلك الملك ؛ على ما روي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صاحب اليمين [ أمير ] على صاحب الشمال ، وإذا عمل العبد سيئة ، قال له صاحب اليمين : أمسك ، فيمسك عنه سبع ساعات ، فإن استغفر الله - تعالى - لم يكتبها عليه ، وإن لم يستغفر كتبها سيئة واحدة " . ويجوز أن يكون أحدهما كاتباً دون الآخر ، وإن كانا يتلقيان ويأخذان منه ذلك ؛ لما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد } [ ق : 23 ] ، ولم يقرأ : قال : قريناه . ويجوز أن يكون المتلقيان جميعاً يكتبان ؛ على ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : كاتبان : كاتب عن يمينه ، وكاتب عن يساره ، فيكتبان الحسنات والسيئات ، ثم يرفعان إلى من فوقهما كل اثنين وخميس ، فيثبتون من ذلك من ثواب أو عقاب ، ويلقون ما سوى ذلك . وروي - أيضاً - عنه وعن غيره من أهل التأويل أنهما يكتبان ما كان من خير وشرّ ، وما سوى ذلك فلا . ولكن ظاهر الكتاب يدل على أنه يكتب كل شيء ، وهو قوله - تعالى - : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } إلا أن يقال : المراد هو قول هو سبب الثواب والمأثم ، كما قال في آية أخرى : { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] أي : لا يغادر صغيرة من المأثم ولا كبيرة منها ، لا مطلق صغائر الأشياء وكبائرها ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . ثم جعل المتلقيين اثنين يحتمل على ما جعل في الشهادة اثنين فيما بينهم في الأحكام والحقوق يشهدان عليه في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . في ظاهر الآية أن الملائكة إنما يكتبون ظاهر الأقوال والأفعال ، لا [ ما ] في الضمائر ، لكنه غير مستنكر في العقول أن يكون الله - تعالى - أقدرهم على العلم بما في ضمائرهم ، فيعرفون ذلك ويكتبونه ، ولكن ظاهر الآية يشير إلى ما قلنا ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } قال القتبي : أراد { قَعِيدٌ } من كل جانب منهما ، إلا أنه اكتفى بذكر الواحد إذا كان دليلا على الآخر ، و { قَعِيدٌ } بمعنى قاعد ؛ كما يقال : قدير وقادر ، أو يكون بمنزلة أكيل وشريب ، أي : مؤاكل ومشارب ، { قَعِيدٌ } ؛ أي : مقاعد ؛ وبه قال أبو عوسجة : { قَعِيدٌ } من المقاعدة ؛ كما يقال : قعيدي وجليسي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَقِيبٌ عَتِيدٌ } الرقيب : الحفيظ ، والعتيد ، الحاضر ، أي : ليس بغائب حتى يغيب عنه شيء ، والله أعلم .