Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 41-45)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، كأن هذا صلة قوله - عز وجل - : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ طه : 130 ] ، وانتظر { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، ولا تكافئهم ، ولا تنتقم منهم ، ولكن اصبر وانتظر ذلك اليوم . ثم قوله : { يَوْمَ يُنَادِ } يخرج على وجهين : أحدهما : كقوله تعالى : { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } [ القمر : 6 ] ، { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، أي : يوم يدعوهم الداعي إلى شيء أنكروه . والثاني : ما ذكر من نداء بعض لبعض ؛ كقوله : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } الآية [ الأعراف : 44 ] ، وقوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 50 ] ، يقول - عز وجل - : انتظر يوم ينادون ويدعون إلى ما أنكروا ، ويوم يناد بعضهم بعضا . وقوله - عز وجل - : { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي : من مكان يسمعون ما ينادون ويدعون ، ويعرفون ما يراد بالدعاء ، ومن يراد به ، ينتهي ذلك الدعاء والنداء إلى كلٍّ في نفسه حتى يعرفه . وذكر أهل التأويل : أن المنادي هو جبريل - عليه السلام - ينادي عند بيت المقدس بنداء يسمعه كل أحد ، وبيت المقدس أرفع مكان في الأرض ، وهو يقرب من السماء بكذا كذا ذراعاً ، فهو المكان القريب . ولكن هذا لا معنى له ؛ فإنه يسمع صوته جميع الخلائق وإن لم يقم في ذلك المكان ، وليس المراد من القرب ما ذكروه ، ولكن على الإسماع في أي موضع كانوا ، ومن يسمع شيئا فذلك منه قريب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ } الصيحة : النفخة ، أو النداء الذي ذكر . ثم قوله تعالى : { بِٱلْحَقِّ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : أي : يستمعون الصيحة بما أوعدهم الرسل من المواعيد ؛ فيتحقق لهم ذلك في ذلك اليوم . و [ الثاني ] : يحتمل : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : تحقق ذلك اليوم ؛ لأن الرسل - عليهم السلام - قد أخبروهم بذلك اليوم ، وهم أنكروه . أو بالحق الذي لبعضهم على بعض ، أي : يستوفي بعض من بعض ما لهم من الحق في ذلك اليوم ، وأمروا بأداء الحقوق في ذلك اليوم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } قيل : يوم الخروج من قبورهم . وقيل : يوم الخروج والبروز إلى الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } ، أي : نحيي الموتى ، ونميت الأحياء ؛ أي : نحن نملك ذلك ، لا يملك أحد ذلك غيرنا . وقوله - عز وجل - : { وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } ، خص ذلك اليوم بالمصير إليه ، وإن كانوا في الأوقات كلها صائرين إليه ؛ لما ذكرنا من الوجوه في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً } . يحتمل أن يكون ما ذكر من السراع هو صفة تشقق الأرض ، كأنه يقول : يوم تشقق الأرض سراعا ، لا تنتظر طرفة عين ، ولكن تتشقق أسرع من لمحة البصر . ويحتمل أن يكون وصف سرعة خروجهم من الأرض ، يقول : يوم يسرعون الخروج من الأرض . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } ، وغير الحشر يسير على الله تعالى - أيضاً - ليس شيء أيسر عليه من شيء ، أو أصعب من شيء ، لكن خص ذلك بالذكر ؛ لأن أولئك الكفرة استبعدوا ذلك اليوم ، واستعظموا كونه ؛ فخص ذلك اليوم باليسير لهذا ؛ إذ وجود الأشياء كلها بالتكوين الأزلي ، وعبر عن ذلك بحرف { كُنْ } [ البقرة : 117 ] لمعرفة العباد ، لا أن التكوين الذي به وجود المكونات مما يوصف بالحرف ، وفي ذلك يستوي ابتداء الخلق وإعادته ، والحشر ، وكل شيء ، ولا قوة إلا بالله . وهو كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } يقول - والله أعلم - : اصبر على ما يقولون ؛ فنحن أعلم بما يقولون ؛ فنكافئهم . أو يقول : عن علم بذلك نتركهم على ذلك ، ونمهلهم ؛ يصبر رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك ؛ ليتسلى به بعض ما يحزن عليه . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } قال بعضهم : من الجبر والقهر ، أي : ما أنت بقاهر عليهم ، وجبار يجبرهم على التوحيد . وقال بعضهم : من التجبر والتكبر ، والجبار : هو الذي يقتل بلا ذنب ولا حق . وقيل : أي : وما أنت عليهم بمسلط ، وهو كقوله - عز وجل - : { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [ الأنعام : 107 ] أي : مسلطا . وقوله - عز وجل - : { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } ، أي : بلغ ما أنزل إليك ، فعليك التبليغ وأنا المجازي لهم والمكافئ بما يفعلون . ثم ليس يخص بالتذكير من يخاف الوعيد ، لكن أمر بتذكير الكل ، إلا أن منفعة الذكرى تكون لمن يخاف الوعيد ، لا لمن لا يخاف الوعيد ؛ فلذلك خصه بالذكر ، لكن التخصيص بالذكر لا يكون تخصيصا بالحكم ونفيا عن غيره ؛ فيبطل بهذا مذهب من ادعى ذلك ، والله أعلم بحقيقة ما أراد ، والله الموفق .