Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن هذه الآية فقال : { وَٱلذَّارِيَاتِ } هي الرياح ، { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } هي السحاب ، { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } هن السفن ، { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } هي الملائكة . وعلى هذا خرج تأويل عامة أهل التأويل ، إلا ابن مسعود - رضي الله عنه - فإنه قال : { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } هي الملائكة . ثم يحتمل أن تصرف هذه الأحرف كلها من { وَٱلذَّارِيَاتِ } وغيرها إلى الرياح خاصة ؛ فالذاريات من تذرى الأشياء ذروا { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } هن يحملن السحاب وغيره في الآفاق . وجائز أن يصرف كل حرف من ذلك إلى نوع وجنس ، على ما حمله أهل التأويل ، وصرفوه إليه . قال القتبي : ذرت الريح تذرو ذروا ، ومنه قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } [ الكهف : 45 ] ، ومنه ذريت البر ؛ لأن التذرية لا تكون إلا بالريح ، وتذريت أي : أشرفت من الذروة ، وذرى الرجل يذرى ذرى ، فهو أذرى أي : أشمط ، وشاة ذرا : إذا كان في ذنبها بياض . { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي : سهلا ، أي : تجري السفن في الماء جريا سهلا . وقال أبو عوسجة ، أي : هينا . ثم المقسمات أمرا هم الملائكة ، واختلفوا في التقسيم : قال بعضهم : أربعة أملاك يقسمون الأمور ؛ فجبريل - عليه السلام - ينزل في إنزال العذاب والشدائد ، وميكائيل ينزل في إنزال النعمة والرخاء والرحمة ، وإسرافيل في نفخ الصور ، وملك الموت في قبض الأرواح ؛ فكل واحد من هؤلاء موكل في أمر على حدة . وقال بعضهم : هم الملائكة الذين ينزلون بالوحي ، يأخذ هذا من هذا ؛ إذ لله تعالى أن يرسل الوحي على يدي من يشاء من ملائكته ، والله أعلم ثم اختلف في ذكر هذه الأشياء من الرياح والسفن ، والسحاب والملائكة ، لماذا ؟ قال عامة أهل التأويل : إنما ذكرها على القسم بها . وقال بعضهم : إنما ذكرها على سبيل تعداد النعم والمنافع التي جعلها الله لهم . واحتج هؤلاء وقالوا : إن الله تعالى نهانا عن القسم بغيره ، فكيف [ يقسم ] بغيره فيكون ذكر هذه الأشياء على الامتنان ، لا على القسم . والقائلون بالقسم اختلفوا : فمنهم من يقول : القسم بأعيان هذه الأشياء ؛ لعظم منافع [ هذه ] الأشياء عند الخلق . ومنهم من يقول : إن القسم بالله تعالى لا بعين هذه الأشياء ؛ على الإضمار ؛ كأنه قال : والذي ذرا الذاريات ذروا ، والذي خلق الحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، والمقسمات أمرا ، وهو كقوله تعالى : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الذاريات : 23 ] ؛ فيكون القسم بخالق هذه الأشياء لا بأنفسها ، وكل واحد من الوجهين [ محتمل ] ؛ لأن القسم خرج لرفع شبهة الكفرة في البعث وارتيابهم فيه بعدما أقام عليهم حجج البعث وبراهينه على أنه كائن لا محالة ، ونظروا فيها لزوال ذلك الارتياب والشبهة عنهم ، والقسم ؛ لتأكيد ما وقع عليه بما يكون عندهم له حرمة وقدر وعظمة ، قيد لهم ذلك على تأكيد الخبر المقرون بالقسم ، فالقسم من الله تعالى بأنه خالق هذه الأشياء المذكورة مما يجل ويعظم عند الكفرة ، لما كانوا يقسمون بالله تعالى عند عظم الأمور ، كما أخبر تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ } [ الأنعام : 109 ] ، فيصلح لتأكيد ما وقع عليه القسم ، وكذلك القسم بهذه الأشياء يصلح مؤكدا لعظم خطر هذه الأشياء عندهم ؛ لما تجل منافع هذه الأشياء ، والعرف في الناس أنهم إنما يقسمون بالذي عظم خطره ، وجل قدره عندهم ؛ فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء ؛ لما عرف عظم خطرها وجليل قدرها عندهم ، فمنافع الرياح مما يكثر عدها : قد أهلك بها أقواما ، وبها استأصلهم ، وبها تلقح الأشجار المثمرة وغيرها ، وبها يساق السحاب في الآفاق للإمطار ، وبها تجري السفن في البحار ، وغيرها من المنافع ، وبها سبب حياة الحيوانات بالتنفس ، ودخول الريح فيهم ، ونحوها في تذرية الطعام بحيث لولاها لتحرج الناس في التذرية . وفيها آيات ؛ فإن الريح جسم لطيف يرى ولا يدرك ؛ ليعلم أن الرؤية لا توجب الإحاطة والإدراك ، وغير ذلك من جهة الآيات ؛ على ما تقدم . وكذلك أقسم بالحاملات وقرا ، وهي السحاب الذي فيه منافع الخلق من حمل الأمطار ، والتظليل في الحر ، ونحو ذلك مع ما فيه من الآيات ؛ إذ هو يمسكه في الهواء حيث لا يقع بسوق الرياح مع ما فيه من الحمل والوقر ، ثم يرسل المطر حيث أمر ؛ إذ قد يوجد السحاب ولا مطر ؛ دل أنه لم يرسل بنفسه ، بل بالأمر يرفع ويمسك ويرسل ، وهو في نفسه مُسَخَّر لا بد له من مُسَخِّر ؛ إذ لو كان عمله بالطبع لم يختلف باختلاف الأحوال . وفيه آيات البعث ؛ إذ خلق مثله لا يكون إلا لعاقبة ، وكذلك أقسم بالجاريات يسرا ، وهي السفن ؛ لما فيها من منافع الخلق ؛ إذ لولاها لانقطع بعض المنافع عن الخلق ؛ إذ ما يحتاج المرء من المنافع لا يوجد في مكان واحد ؛ بل خلقها متفرقة في أماكن ، فطريق تحصيل هذه المنافع والحوائج شيئان : الحمل على ظهور الدواب في البر ، وفي السفن في البحار ، مع ما فيها من الآية العظيمة بما جعلها بحيث لا تتسفل في الماء مع ثقل الأحمال بل تجري بها الريح حيثما شاءوا بأمر الله تعالى . والملائكة منافعهم عظيمة ظاهرة ، وعظم قدرهم وجلالة خطرهم واضح . وإذا كان كذلك ، فكان القسم بهذه الأشياء ؛ لتأكيد الخبر المقسم عليه مما يعقل ، وهو متعارف ، ولا معنى لقول أولئك : إنه نهى عباده عن القسم بغيره ، فكيف يقسم بنفسه ؛ إذ يجوز أن يقسم هو بشيء ينهانا عن القسم به ؛ إذ القسم بالشيء تبجيل لتلك الأشياء وتعظيمها ، وأنها لا تستحق التعظيم بأنفسها ، بل بالله تعالى ، فأمرنا بالقسم بالله تعالى ؛ إذ هو المستحق للتعظيم بنفسه في الحقيقة ؛ إذ هو خالق الأشياء كلها ، فأما القسم من الله تعالى بشيء ليس لتعظيم ذلك في نفسه ، بل بيان منه قدر منافعه التي للخلق فيه ، [ و ] التي عظمت ، وجلت عندهم ؛ فيكون لذكرها خطر عندهم ، والله أعلم . ثم ذكر أفعال هذه الأشياء التي أقسم بها ، ولم يذكر أنفسها ، والقسم إنما يكون بالأنفس ، لا بالأفعال ، فأما إن عرف أولئك الكفرة أنفس هذه الأشياء بذكر أفعالها وقت قرع ذكر هذه الأفعال سمعهم ، وإذا لم يعرفوا يسألون عنها ، وما أريد بها ، والله أعلم . وقوله عز وجل : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } هذا موضع القسم ، والصدق إنما يستعمل في الخبر ، فكأنه قال : إن ما أخبركم الرسول بالبعث ، أو وعدكم به ، لصادق في خبره ووعده ؛ إذ الوعد في الجملة مما قد يكون صدقا أو كذبا ، فأكد هذا الوعد من الرسول بالقسم : إنه لصادق فيما وعد من البعث وغيره ، وكذلك قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } موضع القسم : أن الجزاء لواقع كائن . وقيل : إن المراد من الدين الحساب ، أي : إن الحساب لكائن لا محالة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، أقسم - أيضا - بالسماء ذات الحبك ، وموضع القسم : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } . ثم اختلف في تأويل قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } : روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : { ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } قال : حسنها واستواؤها . وقال بعضهم : ذات حبك ، أي : ذات بنيان متقن محكم . وكلا التأويلين يرجعان إلى واحد ؛ فإن حسن خلق السماء بالإتقان والإحكام ؛ يقال للحائك إذا أحسن النسج وأحكمه : حبك الثوب . وقال الحسن : حبكت بالنجوم ، وحبكت بحسن الخلق . وقال بعضهم : ذات الشدة والاستواء ، يقال : حبكت الحبل ؛ إذا شددت فتله ، كذلك قاله أبو عبيدة . وقال القتبي : { ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } : ذات الطرائق ، وكذلك قال أبو عوسجة . ثم هو على ما ذكرنا من الوجهين : أن القسم بعين السماء ، أو رب السماء ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } يخرج على وجوه : أحدها : إنكم لفي قول مختلف في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي القرآن ، ما لو كان ذلك القول منكم عن علم ومعرفة ؛ لم يخرج مختلفا متناقضا ؛ لأنهم قالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه مجنون ، وإنه ساحر ، وإنه شاعر ، وإنه مفترٍ ؛ وهذا مختلف متناقض ؛ لأن الساحر هو الذي يبلغ في معرفة الأشياء غايتها ، وكذا الشاعر ، ولا يحتمل أن يبلغ المجنون ذلك المبلغ بحال ؛ فيكون نسبتهم إياه إلى هذه الجملة في حال واحدة يخرج على التناقض ، وكذلك قولهم في القرآن : إنه أحاديث الأولين ، وإنه مفترى ، والافتراء خلاف الأساطير ، مع أنهم عجزوا عن إتيان مثله ؛ فيكون هذا تناقضاً في القول ؛ فدل اختلافهم في القول فيهما على أنهم قالوا ذلك عن جهل ، لا عن علم ؛ إذ لو كان عن علم بذلك ، لكان لا يختلف ولا يتناقض ، وهذا الخطاب على هذا التأويل يكون للكفرة . والثاني : إنما قال ذلك في الدلالة على البعث : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أي : في عقولكم الاختلاف والافتراق بين المصلح والمفسد ، والمحسن والمسيء ، وقد عرفتم الاستواء بينهما في هذه الدنيا ، دل أن هنالك دارا أخرى فيها يفرق بينهما ويميز . وهذا التأويل لا يختص به الكافر ؛ بل يعم الكل ، والله أعلم . والثالث : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، أي : قول متفرق ، ومذهب متناقض ؛ فإنهم كانوا يعبدون أشياء على هواهم ، فإذا هووا شيئا آخر تركوا ذلك وعبدوا غيره ، وكذلك يقولون قولا بلا حجة ، ثم يرجعون إلى قول آخر ، لا ثبات لهم على شيء ، وهو كقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } [ آل عمران : 105 ] . والرابع : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، أي : في أمر الآخرة ؛ لأن منهم من يدعي أن الآخرة لهم لو كانت ، ومنهم من يدعي الشركة مع المسلمين ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } ، وهو كقوله تعالى : { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم : 35 - 36 ] ، وقال : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] . والخامس : يحتمل أن مواعيدهم ومنازلهم مختلفة في الآخرة ، والله أعلم . وذكر بعض أهل التأويل : أن الناس يأتون مكة من البلدان المختلفة ؛ ليتفحصوا عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسمعوا كلامه ، فكان كفار مكة يصدونهم عنه ، ويقول بعضهم : إنه مجنون ، وبعضهم : إنه كذاب ، وبعضهم : شاعر ، وذلك قوله تعالى : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } . وقوله - عز وجل - : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } يحتمل وجوها : أحدها : أي : يصرف عن الحق من صرف عن النظر والتفكر في العاقبة . والثاني : صرفوا عما رجوا في الآخرة ، صرفوا عن الحق في الدنيا ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تقربهم عبادتها إلى الله تعالى وأنها شفعاؤهم عند الله تعالى ، يقول تعالى : صرف عما رجا في الآخرة ؛ لما صرف عن الحق في الدنيا ، والله أعلم . والثالث : يصرف من طمع في الآخرة الشركة مع المسلمين ، أو ادعى الخلوص بما صرف في الدنيا عن الإيمان الذي به ينال الآخرة . والرابع : { يُؤْفَكُ عَنْهُ } أي : عن الحق { مَنْ أُفِكَ } ، أي : صرف عن الحق من صرف ؛ كقوله تعالى : { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم … } الآية [ التوبة : 127 ] ، وقوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] . وقوله تعالى : { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } : قال أبو بكر الأصم : الخراص : الذي يكذب على العَمْدِ . ولكن عندنا : الخراص : الذي يكذب ، ويقطع على الظن ، ومنه يقال للذي يقدم الشيء ويفرقه بالظن : خراص ؛ فعلى ذلك يحتمل قوله : { ٱلْخَرَّاصُونَ } . ثم قوله : { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } يحتمل حقيقة القتل ، وذلك يرجع إلى قوم خاص قتلوا . والثاني : { قُتِلَ } ، أي : لعن ، واللعن : هو الطرد ؛ أي : طردوا عن رحمة الله ، وإنما سمي اللعن : قتلا ؛ لأن القتل سبب التبعيد عن منافع الحياة ، وبالقتل خرج من أن يكون منتفعا به ، واللعن هو الطرد عن رحمة الله التي بها تقع وتتحقق المنافع في الآخرة ، والله أعلم . وقال أهل التأويل : الخراصون : الكاذبون ، وكذا قال أهل الأدب . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } اختلف في تأويله : قال بعضهم : أي : في غفلة . وقال بعضهم : أي : في غطاء وغشاء ، كقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } [ الأنعام : 25 ] . وقوله - عز وجل - : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } [ المؤمنون : 63 ] ، أي : في غطاء وغلف . وقال بعضهم : أي : في عماية عن أمر الآخرة . ولكن الكل يرجع إلى معنى واحد . وقوله : { سَاهُونَ } ، أي : ساهون عن الحق وعما دعوا إليه . وقيل : { سَاهُونَ } ، أي : غافلون . وقيل : أي : لاهون عن التوحيد والإيمان . وقيل : { سَاهُونَ } ، أي : تاركون الإيمان . وأصل السهو هو الترك ، وهو كقوله : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] ، أي : تركوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } الآية . كانوا يسألون عن يوم القيامة سؤال استهزاء وعناد ، لا سؤال استرشاد ؛ لذلك قال الله تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } ولو كان سؤالهم سؤال استرشاد ، لكان لا يأتيهم ذلك الوعيد ؛ ألا ترى أن جبريل - عليه السلام - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأله عن الإيمان والإسلام في حديث طويل ، وسأله عن الساعة فلم يأته الوعيد ؛ فلا ذم في سؤاله ذلك ؛ لأن سؤاله سؤال استرشاد ، وقوم موسى - عليه السلام - لما سألوا رؤية الرب تعالى بقولهم : { أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] فأهلكوا ؛ لأنهم سألوا سؤال استهزاء وتعنت ، لا سؤال استرشاد ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا - أيضا - الرؤية ، فبشروا ووعدوا في الآخرة ؛ لما أنهم سألوا سؤال استرشاد ، لا سؤال استهزاء ، فعلى ذلك أولئك الكفرة سألوا عن القيامة سؤال استهزاء متى تكون الساعة التي تعدنا بها ؟ وأين وقت العذاب الذي تعدنا به ؟ لذلك قال جوابا لهم : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } ، والله أعلم . وفي الآية دلالة على أن الحكم لا يبنى على ظاهر المخرج ؛ فإنه لا فرق بين سؤال الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وبين سؤال جبريل - عليه السلام - عن الساعة ، ثم أجاب لجبريل - عليه السلام - : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ثم الجواب للكفرة : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } ، ثم من شهد النوازل علم المراد من النازلتين : أن أحد السؤالين خرج على الاستهزاء ، والآخر على الاسترشاد ؛ فحملوا أحد الجوابين على إحدى الحالتين ، والآخر على الحال الأخرى ؛ دل أن الحكم لا يبنى على ظاهر المخرج ، ولكن يجب النظر ؛ ليعرف المراد : إما بسؤال من شهد النازلة ، أو من حيث المعنى المودع فيه ، والله أعلم . ثم قوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } يخبرهم عن اليوم الذي يفتنون فيه ، وقيل فيه بوجهين : أحدهما : { يُفْتَنُونَ } ، أي : يبتلون ، ويمتحنون بالشدة والعذاب ، والفتنة : هي المحنة التي فيها الشدة والبلاء ، فسمي العذاب : فتنة ؛ لما فيه من الشدة . وقال بعضهم : يفتنون ، أي : يحرقون . وقوله - عز وجل - : { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } ، أي : ذوقوا العذاب [ الذي ] فيه الشدة . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } ، أي : تستعجلون في الدنيا ، وتزعمون أنه لا يكون في الآخرة .