Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 38-46)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } . فيما ذكر من قصة موسى ، ولوط ، وقصة إبراهيم ، وقصة هود ، وثمود ، وهذه الأشياء تفسير لقوله تعالى - : { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [ الذاريات : 20 ] ، ثم الآيات في الأرض من وجهين : أحدهما : فيما خلق في الأرض من الخلائق . والثاني : فيما في الأرض من أنباء السلف وأخبارهم من مكذبي الرسل ومصدقيهم ، أي : في هلاك من هلك من مكذبيهم ، ونجاة من نجا من مصدقيهم آيات لمن ذكر ، فهذه الأنباء والقصص التي ذكرت هاهنا تفسير لقوله : { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [ الذاريات : 20 ] . وقوله - عز وجل - : { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : فتولى هو وركنه ، وهم جنوده وقومه عن اتباع موسى - عليه السلام - وما يدعوهم إليه . والثاني : فتولى هو بقوة ركنه ، وهم قومه ، أي : تولى عن الحق واتباع موسى - عليه السلام - بقوة قومه ومعونتهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } . سماه : ساحراً بما أتى من الآيات المعجزة ، وقومه إنما يعرفون وصف السحر على هذا الوجه ، فسماه بذلك وإن أيقن هو أن مثل ذلك الفعل لا يكون سحراً ؛ تمويها على قومه ، وسماه مجنوناً ، لما خاطر بنفسه بمخالفته ، مع علمه أن همته القتل لمن خالفه في دينه وملكه . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ } . وهذا يدل على أن تأويل قوله تعالى : { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أي : تولى هو ، وتولى قومه وجنوده . وقوله - عز وجل - : { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } . قال بعضهم : { مُلِيمٌ } ، أي : يلام عليه . وقال بعضهم : { مُلِيمٌ } أي : هو مذموم . وقال القتبي : هو مذنب . ثم دل قوله تعالى : { فَنَبَذْنَاهُمْ } على أن لله تعالى في أفعال العباد صنعا ؛ حيث أضاف ذلك إلى نفسه ، وهم الذين دخلوا في اليم . وقوله - عز وجل - : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا } . أي : في أمر عاد بينة وآية وعبرة للمؤمنين ؛ كقوله تعالى : { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [ الذاريات : 20 ] . وقوله - عز وجل - : { إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } ، أي أهلكوا بالريح ، وقد بلغ من عتوهم أن قالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ، فأذلهم الله تعالى حتى خضعوا لأضعف شيء ، وأخافهم منه ، وهي الأصنام التي عبدوها ، حتى خوفوه وقالوا : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] وذلك غاية الذل والهوان ، أن خافوا من أضعف شيء وأعجزه ، بعدما بلغ من عتوهم وتمردهم أن قالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] . ثم قوله - عز وجل - : { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } . قال أبو عوسجة : تفسيرها ما ذكر في الآية : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } . وقال غيره : العقيم هو الذي لا خير فيه ولا بركة ؛ أي : عقمت عن الخيرات ؛ ولذلك يقال للمرأة التي لا تلد ، والرجل الذي لا يولد له : العقيم ؛ لما أنه ليس منهما منفعة الولد ولا بركته ؛ فعلى ذلك الريح العقيم ، أي : لا منفعة فيها ولا بركة ؛ فأما للمؤمنين ، فهي نافعة - أيضاً - حيث أهلكت أعداءهم ولم تهلكهم ، وفي ذلك تطهير الأرض عن نجاسة الكفر . وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصَّبا ، وأهلكت عاد بالدبور " . وقيل : { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } : هي الدبور ، وهي التي لا تلقح الأشجار والسحاب والنبات . وقوله - عز وجل - : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } . أي : ما تذر من شيء أتت عليه ، وأمرت هي بإهلاكه ، وأذن لها بذلك ، إلا جعلته كالرميم ؛ ألا ترى أنها أتت على أشياء لم تهلكها ، وقد سلم - عليه السلام - وقومه من المؤمنين ، وإلى أنهم لما رأوها من بعد قالوا : { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [ الأحقاف : 24 ] ، فقال هود - عليه السلام - { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف : 24 ] ، وما ذكر { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [ الأحقاف : 25 ] ، أخبر أنها قد أبقت مساكنهم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 25 ] ، أي : تدمر كل شيء أمرت وأذن لها بالتدمير ؛ ليعلم أنها كانت تعمل بالأمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } . أي : وفي أمر ثمود وإهلاكهم أيضاً آية وحجة للمؤمنين . ثم ذكر عتوهم وتمردهم { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } ، وهو الثلاثة أيام التي ذكرت في آية أخرى ، فقال : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] يخبر أن كان قد بلغ عتوهم أن قد أجلوا ثلاثة أيام لنزول العذاب بهم ، فلم يمنعهم ذلك عن عتوهم ، ولم ينجع فيهم ، وقومك يا محمد ؛ حيث لم نذكر لعذابهم وقتا ولا أجلا أحق ألا ينجع فيهم ما توعدهم به ، ولا ينفعهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } . أي : عما أمروا بطاعة ربهم ، والعتو : هو البلوغ في البأس والقساوة غايته ؛ كقوله تعالى : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] أي : بائسا . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } . أي : إلى الصاعقة . وقوله - عز وجل - : { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } ، هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : ما استطاعوا في الانتصار لعذاب الله والقيام له . والثاني : ما استطاعوا من دفع العذاب عن أنفسهم ، لا بأنفسهم ، ولا بغيرهم ، { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } بالأنصار والأعوان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } . أي : في أمر نوح - عليه السلام - من قبل هؤلاء وإهلاكهم آية بينة وحجة للمؤمنين ؛ على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } ظاهر .