Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 44-49)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } . يخبر عن عناد أولئك الرؤساء ومكابرتهم ، وإنما قالوا ما قالوا على التعنت ، لا على الاسترشاد ، وأن هذه الآيات من قوله : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ … } [ الطور : 32 ] إلى قوله : - عز وجل - : { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [ الطور : 43 ] كلها محاجة مع أولئك الرؤساء المعاندين ؛ يبين ذلك قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } يقول : إنهم وإن يروا ما توعدهم من عذاب ينزل بهم يقولوا - لتعنتهم ومكابرتهم - : إنه سحاب ، ليس بعذاب ، وهو كما قال : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [ الأنعام : 111 ] ، يخبر عن عنادهم ، وكقوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ سبأ : 9 ] لا يؤمنون ، ويقولون : ما ذكر إنه سحاب مركوم ؛ تعنتا ومكابرة . ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عنهم وألا يشتغل بهم ؛ لما علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون ، وهو ما قال - عز وجل - : { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } يؤيس رسوله صلى الله عليه وسلم عن إيمانهم ، ويأمره بالصبر على أذاهم ، وترك المكافأة لهم ، ويخبر أنهم لا يؤمنون إلا في اليوم الذي فيه يصعقون ، أي : يموتون . ثم قرئ قوله : { يُصْعَقُونَ } بفتح الياء وضمه ؛ فمن قال بالنصب ، احتج بقوله : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] ، ولم يقل فَصُعِقَ . ثم يحتمل الصعقة التي ذكر : ما ذكرنا ؛ أي : يموتون . ويحتمل : أي : تنزل بهم الشدائد والأوجاع ، ولكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت ؛ لأنه إيمان دفع العذاب عن أنفسهم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ } . برسول الله صلى الله عليه وسلم عما ينزل بهم يومئذ ؛ جزاء على كيدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل ألا يغنيهم من عذاب الله تعالى الأصنام التي عبدوها ؛ رجاء أن تشفع لهم ، أو تقربهم إلى الله زلفى ؛ كما أخبر - عز وجل - ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } . قال أهل التأويل : أي : لمشركي أهل مكة عذاب دون عذاب النار ، وهو القتل بالسيف يوم بدر . ويحتمل أن يكون قوله : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، أي : للكفرة عذاب في الدنيا دون الذي ذكر في يوم القيامة ؛ حيث قال : { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } ، ثم قال : { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } ، وهم ما داموا كفارا فهم في عذاب ، يكونون في خوف وذل وخزي ؛ فذلك كله عذاب الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } . أي : لا ينتفعون بعلمهم ، أو لا يعلمون حقيقة ؛ لما لم ينظروا في أسباب العلم ، ولم يتفكروا فيها ؛ حتى يمنعهم ويزجرهم عن صنيعهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } . دل هذا الحرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلف أمرا شديداً شاقّاً عليه حتى قال : { وَٱصْبِرْ } ؛ إذ الأمر بالصبر لا يكون إلا في أمور شاقة شديدة ؛ ولذلك قال له : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] أمره بالصبر على ما كلفه ، كما صبر إخوانه على ما لحقهم من الأمور الشاقة ، وما قال { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] أخبر أنه لو صبر إنما يصبر بتوفيق الله إياه ، أو فيه ، أنه إذا صبر يكون صبره لله تعالى ؛ حتى يسهل عليه احتمال ذلك ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { لِحُكْمِ رَبِّكَ } ، يحتمل وجوها : أحدها : ما أمر من تبليغ الرسالة إلى الفراعنة الذين كانت همتهم القتل لمن خالفهم ، فذلك أمر شديد ؛ فأمره بالصبر على ذلك ، والتبليغ إلى أولئك . والثاني : أمره بالصبر على أذاهم واستهزائهم به ، وترك المكافأة لهم . ويحتمل أن يكون الأمر بالصبر على الأمور التي كانت عليه في خالص نهيه من احتمال غصة التكذيب ، وحزنه على تركهم التوحيد والإيمان ، وإنما ذلك كله حكم الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } . أي : بمنظر وعلم منا ، فإن كان الأمر بالصبر على القيام بتبليغ الرسالة إلى من ذكرنا ؛ فيخرج قوله : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } مخرج وعد النصر والمعونة ؛ كقوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] . وإن كان الأمر بالصبر على ترك مكافأتهم ، أو على القيام بالأمور التي فيما بينه وبين ربه تعالى ؛ فيصير كأنه قال : على علم منا بما يكون منهم من التكذيب والاستهزاء والأذى ، كلفناك ، لا عن جهل منا بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } . أي : نزهه عن معاني الخلق ، وعما لا يليق ، واذكر الثناء عليه بما هو أهله . وقوله - عز وجل - : { حِينَ تَقُومُ } . يحتمل : حين تقوم من مجلسك ، أو من منامك ، أو حين تقوم للتعيش والانتشار . فإن كان المراد : حين تقوم من مجلسك ؛ فيكون التسبيح ما ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من جلس مجلسا كثر فيه لغطه ، فليقل قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، غفر له ما كان في مجلسه ذلك " ولم يذكر الآية . وإن كان المراد : حين تقوم من منامك ، فجائز أن يكون المراد منه : الصلاة . وإن كان حين تقوم للانتشار والتعيش ؛ فيصير كأنه أمر بالتسبيح بالنهار في وقت الانتشار ؛ وعلى هذا قوله : { وَمِنَ ٱللَّيْلِ } أي : سبح بالليل في وقت الراحة ، فيصير كأنه قال : وسبح بحمد ربك في الأوقات كلها ، بالليل والنهار ، في وقت الراحة ، وفي وقت الانتشار . وروى الضحاك عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [ تقول ] في الصلاة المفروضة قبل أن تكبر : " سبحانك اللهم وبحمدك … " إلى آخره . وورى الضحاك : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة ، قال ذلك ؛ وذلك قوله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } . وروى أبو سعيد وعائشة - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ كان ] إذا افتتح الصلاة قال : " سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك " وروي عن مجاهد أنه قال : حين تقوم من كل مجلس ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } : قال أهل التأويل : هو ركعتا الفجر [ كما ] روي عن جماعة من الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً : أنه أراد بإدبار النجوم : الركعتين قبل الفجر ، وأدبار السجود : الركعتين بعد المغرب ؛ فإن ثبت فهو التأويل ، فإن كان على هذا فهو يدل على تأخير صلاة الفجر ؛ لأن إدبار النجوم إنما يكون ذهابها وانقضاءها ، وذلك لا يكون بأول وقت طلوع الفجر ، وإنما يكون وقت الإسفار ؛ فيكون حجة لنا ، والله أعلم .