Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 29-43)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } . أي : بما أنعم عليك من النبوة والقرآن لست بكاهن ولا مجنون . ثم هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : إنك لم تقابل نعمة ربك [ بذلك ، ] عوفيت وعصمت عما ذكروا من الجنون ، والسحر وغير ذلك ، والله أعلم . دلت هذه الآية على أنهم قالوا له : إنه كاهن ، ومجنون ، وكذا كانت عادة أولئك أنهم ينسبون الحجج عند عجزهم عن مقابلتها إلى السحر ، والأنباء المتقدمة إلى الكهانة ، وخلاف الرسل - عليهم السلام - لقادتهم وفراعنتهم إلى الجنون ، والكلام المستملح والنظم الجيد إلى الشعر ؛ تلبيسا للأمر على أتباعهم ، هذه كانت عادتهم ، مع العلم منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك ، ولا اختلف إلى أحد من الكهان ولا السحرة ولا كان القرآن على نظم الشعر ؛ إذ عجزوا عن إتيان مثله ، وهم عن الشعر غير عاجزين ، ثم لما عجزوا عن مقابلة ما آتاهم من الحجج قالوا : { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } ، أي : عن قريب يرجعون إلى ديننا ، وإلى ما نحن فيه ، وكانوا يقولون للضعفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن محمداً يموت ويصير الأمر لنا ؛ فترجعون إلينا ؛ فقال تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } ، أي : تربصوا ذلك ؛ فإني متربص ذلك بكم ؛ فكانوا جميعاً أو عامتهم - أعني : الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه شاعر نتربص به ريب المنون - أهلكوا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فحل بهم ما ظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم . قال القتبي : ريب المنون : حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه ، والمنون : الدهر . وقال أبو عوسجة : ريب المنون ، أي : المنية ، وريبها : ما تأتي به . وقوله - عز وجل - : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ } قد ذكرنا في غير موضع معنى حرف " أم " أي : ليست لهم عقول تأمرهم بذلك ، أي : من يأمر بهذا فليس بعاقل . والثاني : على تسفيه أحلامهم ، أي : أي عقل يأمر بعبادة الأصنام ، وينهى عن عبادة الله تعالى ؟ ! أي : لا عقل يأمر به . وقوله : { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } . أي : طاغون في ذلك ، والطغيان : هو المجاوزة عن الحد في العداوة . وقوله : { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي : يعلمون أنك لست بمتقول ، ولكن ينسبونك إلى التقول ، لتكذيبهم بآيات الله تعالى ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [ الأنعام : 33 ] - بالتخفيف والتشديد - { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] يقول : إنهم لا يقولون : إنك كاذب فيما تقول ، ولا ينسبونك إلى الكذب ، ولكن إنما يكذبون الآيات ، ويعتقدون كذبها ؛ فعلى ذلك تقوله على علم منهم : أنك لم تتقول ، ولكن اعتقدوا تكذيب الآيات والجحود لها ، فيقولون : إنك تتقول من [ عند نفسك ] ، قال : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } ، أي : لو كانوا صادقين بأن محمداً يتقول على الله ، فليأتوا بمثل ما أتى به محمد . ثم قوله - عز وجل - : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } وإن خرج مخرج الأمر في الظاهر ، فهو في الحقيقة ليس بأمر ؛ لأنه لا يحتمل أن يأمرهم أن يأتوا بالكذب والافتراء ، ثم هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على الإعجاز عن أن يأتوا بمثله . والثاني : على التوبيخ والتوعيد على ما قالوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الافتراء والتقول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } . قال عامة أهل التأويل : أم خلقوا من غير أب ، ولكن ليس فيما ذكروا كثير فائدة ، لو خلقوا من غير أب ، إلا أن يريدوا بذلك : حتى لم يعرفوا من خلقهم ، وممن خلقوا ، بل كانت لهم آباء عودوهم وأعلموهم بأن لهم خالقا ، وأنهم مخلوقون ، وليسوا بخالقين ، أو كلام نحوه ، فكيف يتكلمون بما هو سفه ، وكيف يصرون عليه . وعندنا يخرج على وجهين : أحدهما : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } أي : يعلمون أنهم لم يخلقوا لغير شيء ، إذ [ لو ] خلقوا من تراب ، ولغير معنى وحكمة ، لكان خلقهم عبثاً باطلا ، وهم يعلمون أنهم لم يخلقوا لعباً باطلا . والثاني : يقال : لا يخلو إما أن يكون خلقوا من غير شيء ، أو خلقوا من تراب وماء ، فكيفما كان ؛ فدل أن قدرته ذاتية لا مستفادة ؛ فلا يحتمل أن يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } . أي : ليسوا هم بخالقين . وقوله - عز وجل - : { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي : يعلمون أنهم لم يخلقوهما . وقوله : { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } يخرج على وجهين : أحدهما : أن ما يقولون إنما يقولون على الظن لا على اليقين . والثاني : { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي : لا يصدقون ، وذلك في قوة علم الله تعالى بأنهم لا يؤمنون . فإن كان التأويل هذا ، ففيه دلالة إثبات الرسالة ؛ حيث أخبر عن الغيب . وإن كان التأويل هو الأول ، ففيه أن جميع ما يقولون ، إنما يقولون على الظن والجهل ، لا على اليقين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ … } الآية ؛ أي : ليس عندهم خزائن ربك ؛ على ما ذكرنا في قوله تعالى : { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي : لم يخلقوا ؛ فعلى ذلك هذا : ليس عندهم خزائن ربك ، ولا هم المصيطرون . ثم الآية تحتمل وجوها أيضاً : تحتمل { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } ، أي : الذي منعهم عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنعة التي عندهم ، ليس ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فيكونون هم لذلك أحق بالرسالة ، أي : ليسوا بأحق . ويحتمل قوله تعالى : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } أي : علم الغيب ، أطلعوا على ذلك فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تَقَوَّلَ على الله تعالى ؟ ! أي : ليس لهم علم الغيب . ويحتمل { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } ، أي : علم الغيب ، ليس ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل عند رسوله ما يخبره ربه - جل وعلا - ليس عندهم شيء من ذلك . وقوله - عز وجل - : { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } . أي : ليس هم المسلطين على أرزاقهم ، ولا أرزاق غيرهم . وقال بعضهم : المسيطر : الرب تعالى ، يقال : سيطر فلان ، أي : صار ربا ؛ وهو قول القتبي . وقال الزجاج : المسيطر : المسلط ؛ يقال : سيطر ، أي : تسلط . وقال أبو بكر : المسيطر : الغالب القاهر ، لكن الغلبة والقهر بالحجة عليهم ، وهذا يخرج على المقابلة برسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر ، ويحتمل على غير المقابلة ، والله أعلم . وقوله : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أم لهم سبب وقوة ؛ فيصعدون السماء ؛ فيستمعون من أخبارها ؛ فعلموا بذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم تقول على الله تعالى . والثاني : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } ، أي : لهم حجة وبرهان يستمعون فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكروا ، فإن قالوا : نعم لنا ذلك ، يقال لهم عند ذلك : { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي : بحجة بينة ، ليس لهم ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ … } الآية . هذا ليس من نوع ما سبق ذكره ؛ لأن ما تقدم من الآيات بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم على المقابلة ، وهذا راجع إلى الله تعالى في الظاهر على ما سبق منهم القول : إن الملائكة بنات الله ، وهو ما قال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [ النحل : 58 ] ، يذكر سفههم في نسبتهم البنات إلى الله - عز وجل - وهم يأنفون من نسبتهن إليهم ، فيسكن بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصبره على أذاهم ، أي : إنهم يقولون فيَّ ما قالوا ؛ فاصبر على ما يقولون فيك ، والله أعلم . ويحتمل أن خرج ما ذكرنا من المقابلة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ و ] معناه : أم لرسول الله البنات ، ولكم البنون ؛ فتتركون اتباعه لذلك ؟ ! والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } . أي : لست تسألهم أجرا على اتباعك ، فيمنعهم ذلك عن اتباعك ، يذكر أن ليس لهم أسباب المنع ، وهذه أسباب المنع ، وإنما امتنعوا عن الاتباع تعنتا ومكابرة . وقوله - عز وجل - : { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ، أي : عندهم علم الغيب ؛ فيعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقوله ؛ بل ليس عندهم ذلك . وقوله - عز وجل - : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } . أي : يريدون كيدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن هم المكيدون ، أي : إليهم يرجع ذلك الكيد ، والذي أرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم يحتمل ذلك الكيد الذي أخبر - عز وجل - أنه عليهم في الدنيا ؛ على ما قاله أهل التأويل : إنهم قتلوا يوم بدر ، ويحتمل ذلك في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } . أي : أم لهم إله يأمرهم بالذي يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أي : أم لهم إله غير الله يمنعهم من عذاب الله تعالى ؟ ! أي : ليس لهم . ويحتمل : أم لهم إله غير الله يأمرهم بالذي يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقول على الله تعالى ، أو يطلعهم على ذلك ؟ أي : ليس لهم إله يطلعهم على ذلك ، ويدفع عنهم ما ينزل من السماء من العذاب ، وهو ما قال : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [ الطور : 7 - 8 ] . ثم نزه نفسه عما أشركوا معه من الأوثان في تسمية الألوهية واستحقاق العبادة ، فقال : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .