Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-18)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } . قيل : المراد : هو النجوم أنفسها ، فأقسم بها على أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما ضل وما غوى ؛ على ما قاله الكفرة ؛ وبه يقول الأصم . وقيل : أراد بقوله : { وَٱلنَّجْمِ } : نزول القرآن نجما فنجما ، على التفاريق أقسم بالقرآن : إنه لم يضل ، ولم يغو . وقال مجاهد : أقسم بالثريا إذا غاب ، والعرب تسمي الثريا - وهي ستة أنجم ظاهرة - : نجما . وقال أبو عبيد : أقسم بالنجم إذا سقط في الغور ؛ فكأنه لم يخص الثريا دون غيره . فإن كان التأويل هو الأول فهو لما جعل الله تعالى للنجوم محلاًّ في قلوب الخلق وأعلاما يستخرجون بها جميع ما ينزل بالخلق ، وما يكون لهم من المنافع والمضار من كثرة الأنزال والسعة والضيق ، وما ينزل بهم من المصائب والشدائد ، وما يكون من انقلاب الأمور ، وما جعل فيها من المنافع من معرفة القبلة ، وطرق الأمكنة النائية ، ومعرفة الأوقات وغيرها مما يكثر عدها ، فأقسم بنفسها ، أو بالذي أنشأ النجوم ، وما جعل فيها من المنافع : أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما ضل وما غوى . وإن كان النجم هو النجوم التي أنزل القرآن فيها نجوما على التفاريق ، فالقسم بالذي أنزل القرآن على التفاريق . وقوله - عز وجل - : { إِذَا هَوَىٰ } ؛ أي : سقطت ، كقوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] أي : بمساقطها . والأشبه : أن يكون قوله : { إِذَا هَوَىٰ } أي : إذا سارت سيراً دائماً في سيرها ؛ لأنها أبدا تكون في السير ، وفي سيرها منافع الخلق من الاهتداء للطرق وغيرها ، ولما ليس في مساقط النجوم وغيبوبتها كثير حكمة حتى يقسم بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } . يخرج على وجهين : أحدهما : أي : ما ضل عما نزل به القرآن ، وعما أمر به ؛ لأنهم كانوا يدعون عليه الضلال : أن خالف دينهم ودين آبائهم ، فقال : ما ضل هو عما أمر به ، وما غوى . والثاني : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } ؛ إذ ليس بساحر ؛ ولا شاعر ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنه شاعر وإنه ساحر ، فقال : ليس هو كذلك ما ضل بالسحر ، وما غوى بالشعر ؛ على ما قال { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } [ الشعراء : 224 ] [ بل ] رشد واهتدى ، وهو ما قال : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي : ما ينطق عما يهوي به نفسه ؛ بل إنما ينطق عن الوحي بقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } ، وإلا جائز أن يصرف قوله تعالى : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } إلى الله تعالى ؛ إذ الله تعالى قد أضاف تعليمه إلى نفسه بقوله - عز وجل - : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] لكن أبان بقوله : { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } : أن المراد غيره ؛ إذ هو لا يوصف بأنه { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } ، وهو جبريل - عليه السلام - على ما قال أهل التأويل . ثم أضاف التعليم مرة إلى جبريل - عليه السلام - ومرة إلى نفسه ، فالإضافة إلى جبريل - صلوات الله عليه - لما منه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلقف . والإضافة إلى الله تعالى تخرج على وجهين : أحدهما : أضاف إلى نفسه ؛ لما أنه هو الباعث لجبريل إليه ، والآمر له بالتعليم ، والخالق لفعل التعليم من جبريل ، عليه السلام . والثاني : لما يكون من الله - سبحانه وتعالى - من اللطف الذي يحصل به العلم عند التعليم ؛ ولهذا يختلف المتعلمون في حصول العلم مع التساوي في التعليم ؛ لاختلافهم في آثار اللطف ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ … } الآية . قال أهل التأويل : { ذُو مِرَّةٍ } أي : ذو قوة . وقيل : { ذُو مِرَّةٍ } أي : ذو إحكام ، وأصله من قوى الحبل ، وهي طاقته ، والواحد : قوة ، وأصل المرة : الفتل . وقوله : { فَٱسْتَوَىٰ } يحتمل { فَٱسْتَوَىٰ } ، أي : محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لنزول الوحي إليه . وقيل : { فَٱسْتَوَىٰ } ، أي : جبريل - عليه السلام - على صورته ؛ لما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه - عز وجل - أن يريه جبريل - عليه السلام - على صورته فاستوى جبريل على صورته ، فرآه كذلك ، وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } ثم يحتمل { بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } أي : أفق السماء . ويحتمل أن يكون الأفق الأعلى مكان الملائكة ومسكنهم ، فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم رأى [ جبريل ] على صورته في مكانه . وجائز أن يكون الأفق ما ذكر في الخبر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يرى جبريل في صورته ، فسأله أن يراه ، فقال : إن الأرض لا تسعني ، ولكن انظر إلى الأفق الأعلى ، فنظر فرآه . وفي بعض الأخبار : إنك لا تقدر أن تراني في صورتي ، ولكن انظر إلى الأفق الأعلى . ثم جائز أن يكون ما ذكر من النظر إلى الأفق الأعلى ؛ لما أن بصره كان لا يحتمل النظر إليه من قرب ، ويحتمل ذلك من البعد ، وذلك معروف فيما بين الخلق : أن الشيء إذا كان له شعاع أو نور أو بياض شديد : أن البصر لا يحتمل النظر إليه من القرب في أول ملاقاته ، ويحتمل إذا كان يبعد منه ؛ وعلى هذا قوله - عز وجل - : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } يحتمل : دنا منه جبريل - عليه الصلاة والسلام - شيئاً بعد شيء ، وقرب منه كذلك ليحتمله ؛ إذ جبل الإنسان على طبيعة يحتمل الأشياء إذا انتهت إليه على التفاريق ما لو أتته بدفعة واحدة في وقت واحد ، لما احتملتها الأنفس ؛ كالحر يأتي الخلق بعد شدة البرد شيئاً فشيئاً ، وكذلك البرد بعد شدة الحر شيئاً فشيئاً حتى يشتد ما لو أتيا بدفعة واحدة إذا كان قريبا منه . ويحتمل من البعد ، ثم يقرب ويدنو قليلاً قليلاً حتى يحتمل من القرب ، والله أعلم . ثم من الناس من يقول : إن قوله تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } على التقديم والتأخير ؛ أي : تدلى قربا ؛ لأنه يكون التدلي أولاً ثم الدنو منه . ومنهم من قال : بل هو على ما قال ، وهما سواء - أعني : التدلي والدنو - بمنزلة القرب والدنو ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } اختلف فيه : قال بعضهم : القاب : هو صدر القوس ؛ أي : فكان قدر صدر القوس من الوتر مرتين . وقال بعضهم : أي : قدر قوسين حقيقة . وقال القتبي : قاب : قدر قوسين عربيين . وقال أبو عوسجة : القاب : قدر الطول . وقيل القوس : الذراع هاهنا ؛ أي : كان قدر ما بينهما ذراعين . قال : والأول أعجب إليَّ ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقاب قوس أحدكم - أي : موضع قده - خير من الدنيا وما فيها " والقد : السوط . فنقول : أيّ الوجوه كان ففيه دليل : أنه لم يكن جبريل - عليه السلام - يبعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يحيط به ؛ لأن الشيء إذا بعد عن البصر لعرفه بالاجتهاد ، ولا يدركه حقيقة ، وكذلك إذا قرب منه ، حتى ماسه والتصق به ، قصر البصر عن إدراكه ، وإذا كان بين البعد والقرب ، أحاط به وأدركه ، فيخبر الله - تعالى - أنه أحاط به علماً ، وأدركه حقيقة ، لا أن كان معرفته إياه بطريق الاجتهاد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوْ أَدْنَىٰ } . قال أهل التأويل : حرف " أو " شك ، وذلك غير محتمل من الله تعالى ، لكن معناه على الإيجاب ؛ أي : بل أدنى . وقال بعضهم : { أَوْ أَدْنَىٰ } في اجتهادكم ووهمكم ، لو نظرتم إليهما ، لقلتم : إنهما بالقرب والدنو قدر قوسين أو أدنى . وقوله - عز وجل - : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ، هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على التقديم والتأخير ، أي : فأوحى جبريل ما أُوحي إليه إلى محمد عبده ورسوله ، عليهما السلام . والثاني : فأوحى الله - جل وعلا - إلى عبده جبريل ما أوحى هو إلى محمد عليهما الصلاة والسلام . وقوله - عز وجل - : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } . قرئ : { كَذَبَ } مخفف الذال ومشدده ؛ فمن قرأ بالتخفيف ، أي : ما كذب عبده فيما رأى ؛ أي : ما رأى حق . وقال أبو عبيد : ما كذب في رؤيته ، قد صدقت . ومن قرأ بالتشديد ، أي : لم يجعل الفؤاد رؤية العين كذبا . وعندنا : أي : ما رد الفؤاد ما رأى البصر ، وأصله : أن الفؤاد مما يوعى به ، يقول : قد وعى به ما رأى لم يتركه ، ولم يضيعه . وقيل : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ؛ أي : ما علم ، والرؤية : كناية عن العلم ، لكن لو كان المراد منه : العلم فلا يحتمل ما ذكر { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } ، ولا يتصور أن يعلم مرتين ؛ وكذا ذكر أنه رأى ربه مرتين ، ولا يحتمل العلم مرتين ؛ فدل أن الحمل على العلم لا يصح . وأصله عندنا : ما كذب الفؤاد ما رأى من الآيات ؛ دليله ما ذكر في آخره : { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } وقال : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } . وعن الحسن : أي : رأى عظمة من عظمة الله ، وأمرا من أمره . وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " رأى جبريل - عليه السلام - على صورته مرتين " ، أي : ما كذب الفؤاد ما رأى البصر جبريل - عليه السلام - ولقد رآه أيضاً مرة أخرى عند سدرة المنتهى . ومنهم من قال : إنه رأى ربه على العيان بعينه ، فهو خلاف ما ثبت من وعد الرؤية في الآخرة بالكتاب والسنة المتواترة ، ولأنه لو رأى ربه تعالى على ما قالوا ، لكان لا يحتاج إلى أن يرى آياته الكبرى ؛ لأن رؤية الآيات إنما يحتاج إليها عندما يعرف الشيء بالاجتهاد ، فأما عند المشاهدة وارتفاع الموانع ، لا حاجة تقع إليها ، إلا أن يقال برؤية القلب على ما ذكر في الخبر : " أنه سئل عن ذلك ، فقيل : هل رأيت ربك ؟ فقال : " رأيته مرتين بقلبي " . وفي بعض الأخبار قال : " أما بعيني فلا ، وأما بفؤادي ، فقد رأيته مرتين " . ويفسرون رؤية القلب بالعلم ، ولكن الإشكال عليه ما ذكرنا ؛ فإن ثبت الحديث فهو على ما كان وأراد ، لا يفسر ذلك ، وكذلك قول من يقول في قوله تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } : إنه دنا من ربه - قول وحش ، فيه إثبات المكان والتشبيه ؛ تعالى الله عن ذلك ، ولكن المراد ما ذكرنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دنا من جبريل - عليه السلام - على ما ذكرنا . ثم في قوله تعالى : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } ، وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ … } إلى آخره ذكر خصوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم من بين غيره من الخلائق ، منها : رؤية جبريل - عليه السلام - على صورته ، ورؤية الرب تعالى بقلبه ؛ إن ثبت الحديث عنه ، وبلوغه إلى سدرة المنتهى ؛ إذ لم يذكر لأحد من رسل الله تعالى : أنه بلغ هذا المبلغ سواه . وقوله - عز وجل - : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } . عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - أنهما قرآ مفتوحة التاء بغير ألف ، ومعناه : أفتجحدونه ؟ ! . وعن الحسن بالألف مضمومة التاء ، وقال : معناه : أفتجادلونه ؟ ! وعن شريح مثله . قال أبو عبيد : فالأولى أن يقرأ بمعنى الجحود ؛ وذلك أن المشركين إنما كان شأنهم الجحود فيما يأتيهم من الخبر السماوي ، وهو أكبر من المماراة والمجادلة . وقيل : { أَفَتُمَارُونَهُ } أي : تشككونه على ما يرى ؟ وقال أبو بكر الأصم : لا تصح القراءة بغير ألف ولا تأويله ، إنما القراءة بالألف ، وتأويله : أفتجادلونه ؟ ! ونحن نقول بأن تأويل ما ذكر من الجحود والقراءة صحيح ، وتأويل من قال : أفتجادلونه على ما يرى ؟ ! لا يحتمل ؛ لأن مجادلتهم لا تكون فيما يرى ، لكن يجادلونه على ما يخبر أنه يرى ، إذ في الخبر يقع التكذيب ، وبه يجادلونه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } . فهو على ما ذكرنا من اختلاف الناس أن ما أيش هو ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } . قيل : سمي ذلك الموضع سدرة [ المنتهى ] لما انتهى إليه علم الخلق ؛ فلا يجاوزه . وقيل : لما انتهى إليه كرامات الخلق ، لا تجاوز كراماتهم عنها . وقيل : السدرة : الشجر ، ويروون في ذلك خبراً مرفوعا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل - عليه السلام - عند سدرة المنتهى ، عليه كذا كذا من جناح " . وقيل : سميت سدرة المنتهى ؛ لما ينتهي إليها أرواح الشهداء . ثم جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل - عليه السلام - أولاً عند سدرة المنتهى من الأرض : إما برفع الحجب عنه ، وإما بزيادة قوة وضعت في بصره ، ثم رآه مرة أخرى هنالك أيضاً بعدما رفع صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } . قرئت بنصب الجيم وخفضه . روي أنه قيل لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إن فلانا يقرأ بالخفض { عندها جِنة المأوى } ، فقال سعد : ما كذا جنة الله ، وقرأ بالفتح . وعن الأعمش قال : قالت : من قرأ { جِنة المأوى } ، فأجَنَّه الله . وعن أبي العالية قال : سئل عنها ابن عباس - رضي الله عنه - فقال لي : كيف تقرؤها يا أبا العالية ؟ فقلت : { جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } بفتح الجيم ، فقال : صدقت ، وهي مثل الأخرى : { فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } [ السجدة : 19 ] . وعن الحسن أنه قرأ { جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } ، وقال : إنها من الجنان ، وتصديقها حديث الإسراء : أنه أُرِيَ الجنة ، وأدخلها . قال : ودلت الآية : أن الجنة التي يأوي إليها المؤمنون في السماء . وقوله - عز وجل - : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } . قال عامة أهل التأويل : يغشاها فراشا من ذهب . وكذا ذكر في خبر مرفوع " غشاها فراشا من ذهب " . ولكن لا نفسر ما الذي يغشى السدرة ؛ بل نبهم كما أبهم الله تعالى إلا بحديث ثبت عن تواتر ، والله أعلم . وقال بعضهم في قوله تعالى : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } : أي : ما يغشى من أمر الله تعالى ، ويروون خبرا عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما انتهيت إلى السدرة رأيت ورقها أمثال آذان الفيلة ؛ ورأيت نبقها أمثال القلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، تحولت ياقوتاً " إن ثبت هذا الخبر ، ففيه دليل : أن السدرة : شجرة ، إذ ذكر ورقها ، وفيه أن الذي يغشاها أمر الله تعالى . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } : الملائكة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } . قال أبو بكر : أي : ما قصر البصر عن الحد الذي أمر وجعل له ، وما طغى وما جاوز عنه ، أو كلام نحوه . ويحتمل { مَا زَاغَ } أي : ما مال وما عدل يميناً وشمالاً ، { وَمَا طَغَىٰ } : وما جاوز . وقال أبو عوسجة : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } ، أي : ما مال ، { وَمَا طَغَىٰ } من الارتفاع ؛ طغى الماء : إذا ارتفع ، يطغى طغيانا . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } . جائز أن تكون آيات ربه التي ذكر أنه رأى : هو جبريل - عليه السلام - حيث رآه بصورته ، وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود : أنه رآه بصورته مرتين ، وتأول الآية ، ويحتمل غيره من الآيات ، ولكن لا نفسرها ، والله أعلم .