Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 19-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ … } الآية . يخرج تأويل هذه الآية على وجوه ، وإلا ليس في هذا الموضع لظاهر قوله - عز وجل - : { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } - جوابٌ ، ولا لقوله : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } . أحدها : أن يقول : أهؤلاء الذين تعبدونهم - من اللات والعزى ومناة - أخبروكم ، وقالوا لكم : إنه اصطفى لنفسه البنات ، ولكم البنين ، وأن الملائكة بنات الله ، ونحوه ؟ أخذتم ذلك منها أو ممن أخذتم ذلك ، وأنتم قوم لا تؤمنون بالرسل والكتب ؟ وقد عرفوا أنها لم تخبرهم بذلك ، فيذكر بذلك سفههم ، ويقول : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } التي سميتموها : آلهة ، وعبدتموها دون الله ، ونسبتكم البنات إليه ، والبنين إلى أنفسكم ، ثم لم يذكر جوابها : أنه مَنْ أمرهم بذلك ؟ ومن اختار لهم ذلك ؟ أو ممن أخذوا ذلك ؟ ثم قال : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ … } الآية ؛ كأنه يقول والله أعلم : إنكم سميتموها : آلهة ، واخترتم لأنفسكم البنين وله البنات بلا سلطان ولا حجة لكم ، إنما هي أسماء سيمتموها أنتم وآباؤكم بلا حجة ولا سلطان ، إنما هو هوى النفس والظن . ويحتمل أن يقول : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } ، أمروكم بصرف شكر ما أنعم الله تعالى عليكم ، وقبول ما وهب لكم من البنات ؛ على ما أخبر أنها من مواهب الله بقوله تعالى : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] وبرد مواهبه : ودفنها حيات ، ودسها في التراب ، وبصرف العبادة إلى غير المنعم ، وقسمة البنين لأنفسكم والبنات له . ثم أخبر ، وقال : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي : تلك قسمة جور وظلم ؛ أي : صرف شكر المنعم إلى غير المنعم ، وتوجيه العبادة [ إلى ] من لا يستحقها ، ورد مواهبه . على هذه الوجوه يشبه أن تخرج الآية ، وإلا فلا ندري بظاهرها : ما تأويلها ؟ وما جواب هذا الحرف ؟ والله أعلم . ثم قوله : { ٱللاَّتَ } قرأ مجاهد وغيره مشدد التاء ، فقالوا : هو رجل كان يقوم على آلهتهم ، ويلت لها السويق بالزيت ، فيطعمه الناس . وروى ابن الجوزي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " كان يلت السويق للحاج " . ومن قرأه مخفف التاء جعله اسم الصنم ؛ مثل : العزى ، ومناة ، وهي آلهة كانوا يعبدونها ؛ ذكر قتادة في تفسيره : كان اللات بالطائف ، والعزى ببطن نخلة ، ومناة بقديد . وقوله - عز وجل - : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } . قال القتبي : هي في الأصل " ضَيْزَى " على وزن " فَعْلَى " ، فكسرت الضاد للياء ، وليس في النعوت " فِعْلى " ؛ أي : قسمة جائرة . وقال أبو عوسجة : { ضِيزَىٰ } أي : غير منصفة ، والضيز في الأصل : الجور . وقال أبو عبيدة : ناقصة . وقال بعض الناس : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } ألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلا ، [ وإن ] شفاعتهن لترتجى ، ومثلهن لا تنسى " . ثم قال بعضهم : الغرانيق العلا : الملائكة . وقال بعضهم : الأصنام التي يعبدونها على رجاء الشفاعة لهم بقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] . لكن لا يحتمل أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يجري على لسانه ما ذكر ، والله تعالى - قال : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] ولو جاز أن يجري على لسانه ، لتوهم منه التقول ، وذلك بعيد ، وقال في آية أخرى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ } [ النساء : 65 ] ، ولو جاز ذلك ، لجاز أن يجري الله الكذب على لسانه ؛ فلا يكون فيمن وجد من الحرج في قضائه ما ذكر ، وهو الكفر ؛ دل أن ما ذكروه فاسد ، فإن ثبت ما ذكر : أنه جرى على لسانه تلك الكلمات ، أو ألقى الشيطان في فمه يريد بذلك : الغرانيق العلا شفاعتهن لترتجى عندهم وفي زعمهم ، وهو كقول موسى - عليه السلام - : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] أي : إلى إلهك الذي هو عندك إله ، وإلا لا يحتمل أن يكون موسى - عليه السلام - يسمي العجل : إلها ، وكقوله - تعالى - : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [ الصافات : 91 ] أي : إلى آلهة عندهم ، وقوله - عز وجل - : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] أنها شركائي ، فقد ذكرنا هذا على التمام في سورة الحج في قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ … } الآية [ الحج : 52 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } . أي : ما أنزل الله على تسميتكم الأصنام : آلهة ، وعبادتكم إياها ، ونسبتكم البنين إلى أنفسكم والبنات إلى الله تعالى - من حجة وبرهان ، إنما هو من هوى النفس والظن ، وذلك قوله - تعالى - : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } في قولهم : الملائكة بنات الله ، أو قولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، وتسميتهم الأصنام : آلهة ، وظنوا أن آباءهم كانوا على الحق ، واستدلوا على حقيقة ما كانوا عليه من الدين ؛ حيث تركهم وما اختاروا ولم يهلكهم ، وقالوا : لو كانوا على باطل ما تركهم على ذلك ، واستدلوا بذلك - أيضاً - على رضاه منهم بذلك ، وأمره إياهم ؛ كما أخبر عنهم بقوله : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] هذا ظنهم بالله تعالى . وقوله : { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } ، أي : يتبعون هوى النفس ، فالنفس ما تعرف [ إلا ] المنافع الحاضرة والمضار الحاضرة ، فأما ما غاب عنها فلا يعرف ، وإنما يعرف ذلك بالتفكر والنظر ، وهي لا تعرف ؛ لما تكره النظر والتفكر ، ولا ترغب في الشدائد ، ولا فيما يثقل عليها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } . أي : جاءهم من ربهم ما لو تفكروا ونظروا لاهتدوا ، ولو اتبعوا الحق والهدى ، لعرفوه .