Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-56)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ * وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أفرأيت الذي تولى كبراء الكفرة وعظماءهم ، وأعطى قليلا من المال لضعفة أهل الإيمان ؛ ليرجعوا عن الإيمان بمحمد والتصديق له ، ويكذبوا عليه . وقوله : { وَأَكْدَىٰ } أي : قطع عنهم في وقت أيضاً . وكذا قال القتبي : { وَأَكْدَىٰ } أي : قطع ، وهو من كدية الركية ، وهي الصلابة فيها إذا بلغها الحافر يئس من حفرها ؛ فقطع الحفر . وقيل لكل من طلب شيئاً فلم يبلغ ، أو أعطى فلم يتمم : أكدى . وقال أبو عوسجة : أكدى : بخل ، ورجل مكدٍ : بخيل . وقوله : { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } ، فهو - والله أعلم - : أعنده علم الغيب ؛ فيأمر بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويأذن له بالتولي عنه ، وإعطاء المال على التكذيب له ؛ أي : ليس عنده علم الغيب ؛ لأنهم قوم لا يؤمنون بالرسل والكتب ، وأسباب العلم هذا . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } ، كأن هذا مقطوع من الأول ؛ كأن أولئك الكفرة يقولون لأتباعهم : إنا نتحمل عنكم الظلم والوزر ؛ فلا تأتوا محمداً ولا تصدقوه ؛ كقوله - تعالى - حكاية عنهم : { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } [ العنكبوت : 12 ] ، فقال عند ذلك : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ * وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } ، أي : قد بينا في صحفهما : ألا تزر وازرة وزر أخرى . وقيل : إنما سمي : وفيّاً ؛ لأنه بلغ ما أمر بتبليغه . وقيل : لأنه كان يصلي أربع ركعات عند الضحى ، وعلى ذلك يروون خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون ما وفى ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، [ قال ] : " وَفَّى أربع ركعات [ عند ] الضحى " . فإن ثبت هذا اكتفي عن [ أي ] تأويل آخر ، وأصله : أنه سماه : وفيّاً ؛ لما قام بوفاء ما أمر به . وقوله - عز وجل - : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } فيه أن هذا في الكتب كلها : في صحف إبراهيم ، وموسى ، وغيرهما من الكتب : ألاَّ يحمل أحد وزر آخر ، إنما يحمل وزر نفسه . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : لا يؤخذ الرجل بذنب غيره . وعن عمرو بن أوس قال : كان الرجل يؤخذ في الجاهلية بذنب غيره حتى نزلت الآية . وقوله - عز وجل - : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ … } الآية . يشبه أن يكون قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي : ليس على الإنسان إلا ما سعى ؛ لأنه - جل وعلا - يثيب ويعطي الزيادة على ما سعى بفضله وكرمه ؛ كقوله - تعالى - : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] ، ونحو الصغار الذين لا سعي لهم ، قد يعطيهم الثواب بفضله ، وأما جزاء الشر ، فإنه لا يكون إلا بالمثل ؛ كقوله - تعالى - : { فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } [ غافر : 40 ] . وجائز أن يكون " له " بمعنى " عليه " في اللغة ؛ كقوله - عز وجل - : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] أي : فعليها . ويحتمل أن تكون الآية في أولئك الكافرين الذين نزل فيهم قوله - تعالى - : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } يقول : ليس لذلك الإنسان إلا ما سعى . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } ، وحرف { سَوْفَ } من الله - سبحانه وتعالى - على التحقيق والإيجاب ؛ كحرف " لعل " و " عسى " ؛ فيكون قوله - تعالى - : { سَوْفَ يُرَىٰ } أي : يرى جزاء عمله لا محالة . ثم قوله - عز وجل - : { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } جزاء الآخرة على الوفاء ، لا نقصان فيه ، خيرا كان أو شرّاً . ويحتمل أن يكون ذلك للكافر يجزى جزاء الشرك وجميع ما يعمل من السوء ، فأما المؤمن ، فإنه يكفر سيئاته ، ويجزى جزاء الخيرات ؛ كقوله - تعالى - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } سمى الآخرة : منتهى ، ومصيراً ، ورجوعا . ويحتمل : أي : إلى جزاء ربك يُنْتهى . وقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } بين الله - جل وعلا - قدرته وسلطانه في إنشاء أنفسهم ، وأحوالهم ، وأفعالهم : أما بيان قدرته في أنفسهم حيث قال : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [ النجم : 32 ] . وأما بيان قدرته في أحوالهم ما ذكر من قوله - تعالى - { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } ، { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } . وأما في أفعالهم قوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } يذكر قدرته وسلطانه بما ذكر ؛ ليعلموا أنه لا يعجزه شيء . ثم قوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } يخرج على وجهين : أحدهما : على الكناية والاستعارة ؛ جعل الضحك كناية عن السرور ، والبكاء كناية عن الخوف ، وكذا العرف في الناس أنه إذا اشتد بهم السرور ضحكوا ، وإذا اشتد بهم الحزن بكوا . والثاني : على حقيقة الضحك والبكاء ؛ فهو على وجهين : أحدهما : أي : أنشأهم بحيث يضحكون ويبكون . والثاني : يخلق منهم فعل الضحك والبكاء ؛ فهو أشبه التأويلين عندنا . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } . قوله : { أَمَاتَ } يحتمل وجهين : أحدهما : أي : جعلهم بحيث يموتون ، وبحيث يحيون . والثاني : أمات بإخراج روحهم ، وأحيا بإدخال الروح فيهم ، وهو كقوله - تعالى - { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] ، وقوله - عز وجل - { خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ الروم : 40 ] ؛ فيحتمل إماتتهم في الدنيا وإحياءهم في الآخرة ، وأصل ذلك : أنه يفعل بهم كل ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } اسم الزوج يحتمل الشكل ، ويحتمل المقابل ؛ أي : يجعل أحدهما شكلا للآخر وإن كانا ضدين ؛ يقول : جعلهم بحيث يتزاوجون ويتشاكلون ، أو يتقابلون ويتضادون ، ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } أي : تقذف . قال الأصم : دل قوله : { نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } : أنها إذا لم تقذف تصير : مذيا ، وإنما تقذف التي تخرج على شهوة ، فأما التي تخرج لا على شهوة فإنه يكون مذيا ، ولا يوجب الاغتسال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } أي : في الحكمة عليه النشأة الأخرى ؛ لأنه لو لم تكن النشأة الأخرى ، كانت النشأة الأولى باطلا ، عبثا ، غير حكمة . أو يقول : إن عليه النشأة الأخرى ؛ ليعلم أن له قدرة عليها كما له القدرة على الأولى ؛ لأن أولئك الكفرة كانوا مقرين بالأولى والقدرة عليها ، وينكرون الأخرى ؛ فيخبر أن له القدرة عليهما ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ … } الآية . يحتمل قوله : { أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } ، أي : وسع عليهم { وَأَقْنَىٰ } ، أي : سيَّر لهم ما يقتنون من الخدم وغيرها ؛ فيكون الإغناء هو التوسيع بأنواع الأموال ، والإقناء هو إعطاء القنية من الخادم وما يحتاج إليه للمهنة ؛ فيكون في جعل الخدم له فضل حاجة ، لا غناء ، وذلك دليل على صحة مذهبنا في استجازتهم دفع الزكاة إلى من له الخدم . وقيل : { أَغْنَىٰ } أي : أعطى ما يغنيه ويستغني به ، { وَأَقْنَىٰ } أي : أقنعه ، وأرضاه . وقيل : على العكس : أغنى ، أي : أرضى ، وأقنى : أي : أخدم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - { أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } ، أي : أكثر . وقال عطاء : ابنَ آدم ، هو أغناك وأقناك ؛ أي : أعطاك الخدم ؛ على ما ذكرنا . وقال القتبي : هو من القنية ، وهي الكسب ؛ يقال : أقنيته كذا . وقال أبو عوسجة : هو من القنو ؛ قنى : - أعطاه مالاً - يقنى قنوا . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } قيل : إن الشعرى : اسم كوكب كان يعبده بعض العرب ؛ فكأنهم ظنوا أن ما في ذلك الكوكب من الحسن والجمال ؛ لِقَدْرٍ له عند الله ومنزلة ، وأن تدبيرهم يرجع إليه ؛ فعبدوه لذلك . ويحتمل أنهم عبدوه ؛ لما لم يروا لأنفسهم أهلية لعبادة الرب - تعالى - فعبدوه من دونه ؛ رجاء التقرب إليه ؛ على ما يخدم المرء المتصلين بملوك الأرض . ولكن هذا فاسد ؛ لأن من خدم المتصلين بملوك الأرض إنما يخدم لما لم يسبق لهم إليهم من خدمة متصلة ، ولا الإذن بعبادة أنفسهم وخدمتهم ، فأما الله - تعالى - قد أمرهم بعبادة نفسه ، ونهاهم عن عبادة غيره ؛ فلم يسع لهم بعد الأمر بعبادته والنهي عن عبادة غيره عبادة من دونه . ذكر سفههم في عبادتهم الشِّعْرَى وأمثالها ؛ أي : اعبدوا رب الشعرى ؛ فإن ما فيه من الحسن والجمال هو الذي فعل ، فإليه اصرفوا العبادة . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } ، قرئ : { عَاداً ٱلأُولَىٰ } بإظهار التنوين والهمزة ، وبغير الهمزة ولا إظهار التنوين ؛ حتى تصير كأنها لام مثقلة . ثم هذا ليس نوع ما ذكر من قبل ، إنما ذكر هذا لهم ؛ لينزجروا عن صنيعهم ؛ أي : إذ أهلك عادا وهم أشد منكم قوة ، وأكثر عدداً وأموالاً ، فلما لم ينزجروا بمواعظ الرب - تعالى - أهلكهم ؛ فعلى ذلك يفعل بكم يا أهل مكة ؛ إن لم تتعظوا . أو إنه أهلك عادا فلم يتهيأ لهم القيام بدفع عذاب الله - عز وجل - مع قوتهم ، فكيف أنتم يا أهل مكة ؟ ! ثم اختلفوا في قوله - تعالى - : { عَاداً ٱلأُولَىٰ } منهم من قال : كانوا عادَيْنِ : أحدهما : قوم هود ، وهم أول ، فأهلكوا بالريح ، وكانت أخرى في زمن فارس الأول . ومنهم من قال : عادا الأولى : الذين أهلكوا من قبل من الأمم ، وأهل مكة وهؤلاء عاد أخرى . وقوله - عز وجل - : { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } أي : أهلك ثموداً أيضاً . وقوله : { فَمَآ أَبْقَىٰ } قال بعضهم : أي : استأصلهم لم يبق منهم أحداً ؛ أي : ما أبقى لهم نسلا يذكرون بذلك بعد هلاكهم ، كما أبقى الأنبياء والرسل - عليهم السلام - من النسل . أو ما لهم من آثار الخير شيئاً كما أبقى للرسل وأتباعهم إلى آخر الأبد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } ، أي : كانوا أفحش ظلما ، وأكثر طغيانا ؛ لأن نوحا - عليه الصلاة والسلام - دعاهم إلى توحيد الله ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فما زادهم إلا نفورا واستكبارا ؛ على ما أخبر : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 6 ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } قيل : قريات لوط - عليه السلام - أي : أهلكها أيضاً . وقوله : { أَهْوَىٰ } قيل : أي : أهوى إلى النار . وقيل : أي : أهوى من السماء إلى الأرض ؛ على ما ذكر أن جبريل - عليه السلام - رفعها إلى السماء وأرسلها إلى الأرض . وقوله - عز وجل - : { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } . قيل : غشاها بالحجارة بعد ذلك ، فسواها بالأرض . وقيل : غشى بالحجارة مسافريهم ومن غاب عنهم . وقيل : المؤتفكة : المكذبة ؛ من الإفك وهو الكذب . وقيل : المنقلبة ؛ ائتفكت : أي : انقلبت ، { فَغَشَّاهَا } أي : غشى قريات لوط - عليه السلام - من العذاب ما غشى أولئك الذين ذكر من قبل من عاد ، ومن قوم نوح ؛ وهو قول القتبي . وقال أبو عبيدة : المؤتفكة : المخسوفة . وقوله - عز وجل - : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } فظاهر هذا وظاهر قوله - تعالى - : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] مشكل ؛ لأنه ذكر آلاء ، ولو عرف أنها آلاء ربه ، لكان لا يكذبه ، لكن يخرج على وجوه : على التقديم والتأخير والإضمار ؛ كأنه يقول : فبأي آلاء من آلاء ربكم شاهدتموه وعاينتموه تتمارون ، وكذلك : فبأي آلاء ربكما الذي أقررتم به تكذبونّي . أو يقول : فبأي آلائه وإحسانه تتمارى ، فكيف أنكرتم إحسانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ ! أو كيف صرفتم شكر نعمه إلى غيره . أو تكون الآلاء هاهنا هي الحجج ؛ يقول : فبأي حجة من حجج ربك تنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو تتمارى فيها ؛ أي : لا حجة لك في تكذيبك إياه أو إنكارك رسالته . وقوله : { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } ، أي : الذي يدعوكم وينبئكم محمد صلى الله عليه وسلم من النذر الأولى التي أنبأها الرسل الأولون ، وأوعدوا قومه ؛ فيكون صلة قوله - عز وجل - { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ … } إلى آخره . وقيل : { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } أي : الرسل الأولى ، وتمام هذا التأويل : أي : هذا نذير من البشر كالذين كانوا من قبل . وقيل : هذا الذي ينذر محمد صلى الله عليه وسلم هو من النذر التي في اللوح المحفوظ ، أي : مما ينذر به ، والله أعلم .