Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 24-32)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } . أي : للإنسي ما تمنى . ثم يحتمل تمنيهم شفاعة [ ما ] عبدوه . أو ما اختاروا من البنين لأنفسهم والبنات لله تعالى . أو ما سموا واتخذوا الأصنام آلهة ، وما ظنوا على الله وادعوا أمره ورضاه في فعلهم ، وغير ذلك مما كانوا يتمنون ؛ يقول : ليس للإنسان ما تمنى أن يكون له ؛ إنما يكون ذلك له بجعل الله الذي له الدنيا والآخرة ، وذلك قوله - تعالى - : { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } . وقوله - عز وجل - : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } . يخرج هذا على وجهين : أحدهما : أي : كم ملك له شفاعة لا تنفع شفاعته وإن يشفع إلا لمن ذكر . والثاني : أي : كم من ملك في السماوات لا شفاعة له ، ولا يشفع إلا لمن يشاء الله ويرضى أن يشفع ، وهو كقوله - تعالى - : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] أي : ليست لهم شفاعة تنفع . وقال أبو بكر الأصم : إنما يشفعون في الآخرة لمن شفعوا في الدنيا واستغفروا لهم ؛ كقوله تعالى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 5 ] ، وقوله - تعالى - : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ … } الآية [ غافر : 7 ] ، وقولهم : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } [ غافر : 8 ] ، وقد ذكرنا فيما تقدم الوجه في ذلك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } وإنما يسمي ذلك فُؤُم ، وقد أضاف ذلك إلى الكل في الظاهر ؛ لأن الذين يسمون الملائكة تسمية الأنثى ، والله أعلم . ويجوز أن يذكر الكل ، ويراد به البعض في اللغة ، ومثله في القرآن كثير ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي : ما لهم بما يسمون الملائكة تسمية الأنثى من علم ؛ لأن العلم بمعرفة الأنثى من الذكر بطريقين : أحدهما : المشاهدة ، يشاهد ويعاين فيعرف الأنثى من الذكر ، وهم لم يشاهدوا الملائكة ، فكيف يعرفون ذلك ؟ والثاني : خبر الرسول المؤيد بالمعجزة ، وهؤلاء قوم لا يؤمنون بالرسل . ولا يعرف بالاستدلال وطرق العلم الثلاثة التي ذكرنا ، فإذا كان حصل قولهم بلا علم ، ولكن على الظن ، وذلك قوله تعالى : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } ، أي : ما يتبعون في قولهم الذي قالوا إلا الظن ، ووجه ظنهم ما ذكرنا . ثم أخبر أن ظنهم لا يغنيهم من الحق شيئاً ، فهو يخرج على وجهين : أحدهما : أن الظن الذي ظنوا لا يدفع عنهم ما عليهم من اتباع الحق ولزومه . والثاني : أن ظنهم الذي ظنوا في الدنيا لا يدفع عنهم ما لزمهم من العذاب في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على ترك مكافأتهم ؛ أي : لا تكافئهم لصنيعهم وأذاهم . والثاني : يخرج على الإياس له من إيمانهم ؛ أي : لا تشتغل بهم ؛ فإنهم لا يؤمنون أبداً ؛ فهو في قوم خاص علم الله - عز وجل - أنهم لا يؤمنون . وقوله - عز وجل - : { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } . يحتمل أنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة ، فلم يريدوا بحسناتهم التي عملوا إلا الحياة الدنيا ؛ لأنهم كانوا يتصدقون ويصلون الأرحام ، لكن لم يريدوا بذلك إلا ما ذكر في الحياة الدنيا . وجائز أن تكون الإرادة هاهنا كناية عن العمل . وقوله - عز وجل - : { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } . أي : لم يعمل للآخرة رأسا ؛ يخبر عنهم أنهم يعملون للدنيا ، لا للآخرة ، وهو كقوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ … } الآية [ الإسراء : 19 ] ، ونحو ذلك . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } بألا يؤمنوا بالآخرة ، ولا يعملوا لها . وقال بعضهم : { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } أي : ذلك مبلغ رأيهم من العلم : أن الملائكة بنات الله ، وأنها تشفع لهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } . مثل هذا الكلام إنما يخرج على أثر خصومات كانت من أولئك الكفرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كأن أولئك الكفرة قالوا : نحن على الهدى ، وأنتم على الضلال ، فقال عند ذلك : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } ، ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } ، أي : هو أعلم بمن ضل عن سبيله ؛ فيجزيه جزاء ضلاله في الآخرة ، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } فيجزيه جزاء الهدى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } ، هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يقول : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وهو غني عن عبادتكم ، وإنما يأمركم وينهاكم ؛ ليجزيكم بأعمالكم ، لا لمنافع ترجع إليه . والثاني : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : إنما أنشأ أهل السماوات والأرض ؛ ليمتحنهم بالأمر والنهي ، ثم ليجزي الذين أساءوا جزاء الإساءة والذين أحسنوا جزاء الإحسان ، ولو كان على ما قال أولئك الكفرة : أن لا بعث ولا جزاء ، لكان خلقهم وخلق ما ذكر عبثاً باطلاً ، وفي الحكمة التفريق بين المسيء والمحسن ، وفي الدنيا تحققت التسوية بينهما ، فدل ذلك على دار أخرى يفرق بينهما فيها . ثم يحتمل جزاء إساءة أولئك في الدنيا والآخرة : في الدنيا : القهر ، والدَّبرة ، والهزيمة ، وفي الآخرة : النار ، وجزاء المحسن في الدنيا : النصر والظفر ، وفي الآخرة : الجنة . ثم نعت الذين أحسنوا الحسنى - وهو التوحيد - فقال : { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } . ثم يحتمل أن تكون الكبائر ما يعرفها كل أحد : أنها كبيرة ، والفاحشة : ما يعرفها كل أحد أنها فاحشة ، واللمم - على هذا - يجيء أن تكون [ من ] تلك الكبائر [ و ] الفواحش ؛ لأنه استثناها ؛ فيجب أن تكون من جنسها ، لكنه استثناها وعفا عنها ؛ لما يقعون فيها عن غفلة وسهو ، أو عن غلبة شهوة ، ونحوها ، وهو الأشبه بتأويل الآية . وقال أهل التأويل : الكبائر والفواحش هي التي ذكر فيها الحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة ، واللمم التي لم يذكر لها حد في الدنيا ، ولا عقوبة في الآخرة . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " زنا العين : النظر ، وزنا الشفتين : التقبيل ، وزنا اليدين : البطش ، وزنا الرجلين المشي ، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج ، فإن تقدم فهو زنا ، وإلا فهو لمم " ، وفي رواية : " إن تقدم كان زنا ، وإن تأخر كان لمماً " . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ؛ فزنا العينين : النظر ، وزنا اللسان : النطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه " . وعن أبي هريرة أنه النظرة ، والغمزة ، والقبلة ، والمباشرة . وعنه أن اللمم : النكاح . وعن ابن عباس : - رضي الله عنه - أنه قال : اللمم : لمم الجاهلية ؛ كقوله - تعالى - : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 23 ] . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : هو أن يلم المرَّة . وقيل : اللمم : الهم بالخطيئة من جهة حديث النفس شيئاً من غير عزم . وقيل : إن اللمم : مقاربة الشيء من غير دخول فيه . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لاَهُم إن تغفر تغفر جمّاً ، وأى عبد لك لا ألما ؟ ! " . وقيل : اللمم : الصغير من الذنوب ؛ لقوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ … } الآية [ النساء : 31 ] . وقال القتبي : اللمم : الصغار من الذنوب ، وهو من ألم بالشيء : إذا لم يتعمق فيه ، ولم يلزمه . وقال بعضهم : اللمم : ما بين الحدين : حد الدنيا ، وحد الآخرة ؛ وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - وذلك يحتمل ، والأول أقرب . وقال أبو بكر الأصم : اللمم : التي يتوب عنها ؛ فإنهم إذا تابوا عنها يتجاوز عنهم ؛ فهو يجعل اللمم من تلك الكبائر والفواحش ، لكنه يقول : إنما استثنى ؛ لما يتوب عنها ؛ لما يقعون فيها على السهو والغفلة ، أو لغلبة شهوة على حسن الظن بربه ؛ فيغفر له ، أو يتوب عليه ؛ فيعفو عنها . وعلى تأويل أهل التأويل : اللمم : ما دون الكبائر والفواحش . وجائز أن تكون الكبائر والفواحش التي ذكر كبائر الشرك وفواحشه ؛ كقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً … } الآية [ آل عمران : 135 ] ، وقوله - تعالى - : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا } [ الأنعام : 148 ] ؛ فيكون اللمم - على هذا - : ما دون الشرك فهو في مشيئة الله - تعالى - : إن شاء عفا عنها ، وإن شاء عذب عليها ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } . أي : هو أعلم بكم ، وبأحوالكم ، ووقوعكم فيها على السهو والغفلة ، عفا عنكم ، أي : عن اللمم . وعلى قول أبي بكر : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } لمن تاب عنها ، و { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ } أنكم تتوبون عنها . وعندنا : أن ربك هو واسع المغفرة لمن شاء ، تاب عنها أو لم يتب . ثم إن كانت المغفرة هي الستر ، فهي تعم المؤمن والكافر في الدنيا ، وإن كانت التجاوز فهي للمؤمنين خاصة ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ } عندنا : هو أعلم بكم بأنكم تعملون وتقعون فيها عن السهو والغفلة . أو هو أعلم بأحوالكم وأفعالكم ، وما يكون منكم ، { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } ما لو اجتمع حكماء البشر ما أدركوا معنى الإنسان في ذلك ، ولا أدركوا معنى تصوير اليدين ، والعينين ، وغيرها من الجوارح وقت كونكم أجنة في بطون أمهاتكم . ثم نسبتنا إلى الأرض بقوله - تعالى - : { مِّنَ ٱلأَرْضِ } تحتمل وجهين : إما لخلق أصلنا من الأرض ؛ كقوله : { أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الروم : 20 ] ، ونحوه . أو لجعل أقواتنا منها ؛ لقوله - تعالى - : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } [ فصلت : 10 ] ؛ إذ لا قوام لنا إلا بذلك الغذاء والقوت الذي يخرج من الأرض ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } في ظاهر الآية نهى عن التزكية ، وأمر في آية أخرى بالتزكية ورغب فيها ؛ حيث قال : { وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ البقرة : 151 ] ، لكن فيما أمر بالتزكية أمر بإصلاح أنفسهم في أنفسهم وتزكيتها فعلا ، وفيما نهى عن التزكية نهى عن أن يصفوا أنفسهم بالتزكية والصلاح والتقى والبراءة ، لعل ذلك ليس بتزكية في الحقيقة . أو يكون فيهم من الفساد ما لا يستحق التزكية والوصف بالبراءة ، والله أعلم . فإن قيل : إن الله - تعالى - لما نهانا عن التزكية ، فكيف جاز لنا أن نقول لأنفسنا : إنا مؤمنون ومسلمون ؛ إذ ذلك مدح وتزكية . قيل : إنا أمرنا بقول الإيمان والإسلام ابتداء حيث قال : { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ … } الآية [ البقرة : 136 ] ، وقوله : { وَأَسْلِمُواْ } [ الزمر : 54 ] ، ونحو ذلك ، ولم نؤمر بمثله ابتداء في الصلاح ونحوه بأن نقول : نحن صلحاء أتقياء ؛ فجاز ألا يمنع في الإيمان ، ويمنع في غيره من الطاعات . والثاني : أن ليس في نفس الإيمان تزكية ؛ لأن كل أهل الأديان مؤمنون بشيء ، كافرون بشيء ، بقوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ } [ البقرة : 256 ] ، وقول أولئك : { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] ، وقوله : { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ } [ النساء : 51 ] ، وفي نفس التقى والصلاح تزكية . وقيل : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي : لا تزكوا أهل دينكم ومذهبكم ، وذلك متعارف في الناس : أنهم يزكون أهل مذهبهم وإن كانوا لا يعرفون صلاحهم وتقواهم ، ويذمون أهل خلافهم في مذهبهم وإن لم يعرفوا منهم الشر وما به تجب المذمة ، وذلك محتمل يحتمل ما ذكرنا أنه نهى كلاًّ في نفسه أن يزكي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي : اتقى محارم الله ومناهيه . ويحتمل : أي : اتقى الكفر بالله والشرك به .