Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قال بعضهم : أي : اقتربت الساعة ، واقترب انشقاق القمر . وقيل : على التقديم والتأخير ، اقتربت الساعة ، وإن يروا آية يعرضوا وإن كان انشقاق القمر . فعلى هذين التأويلين ، لم يكن انشقاق القمر بعد ، ولكن يكون في المستقبل ، وعند قيام الساعة ؛ وهو قول أبي بكر الأصم ، ويقول : معنى قوله : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي : سينشق القمر عند الساعة ؛ إذ لو كان قد انشق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لَمَا خفي على أهل الآفاق ، ولو كان ظاهرا عندهم ، لتواتر النقل به ؛ إذ هو أمر عجيب ، والطباع جبلت على نشر العجائب . وعامة أهل التأويل على أن القمر قد انشق ؛ فكان [ من ] معجزاته صلى الله عليه وسلم . وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ، فانشق القمر ، فذهبت فرقة منه وراء الجبل ، فقال - عليه السلام - : " اشهدوا ، اشهدوا " ، وروي عن غيره أيضاً : عن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - وأنس بن مالك ، وحذيفة ، وجبير بن مطعم ، في جماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - : أنهم رأوا انشقاق القمر . وقول أبي بكر : لو كان ، لم يخْفَ وظهر ؛ فيقال له : قد ظهر ؛ فإنه روي عن غير واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - وتواتر الحديث عن الخاص العام ، وفشا الأمر بينهم ، حتى قل من يخفى عليه سماع هذا الحديث . على أنه قد يطلق ظاهر الكتاب ، وإنما يكلف حفظ ما لم ينطق به الكتاب ، والعمل بحقيقة اللفظ واجب . وقال بعضهم : يجوز أن يستره الله - تعالى - عن الآفاق بغيم ، أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور ؛ لضرب تدبير ولطف منه ؛ لئلا يدعيه بعض الملتبسين في الآفاق لنفسه ، وادعى الرسالة كاذبا ؛ بناء على دعواه : أنه فعل ذلك ؛ فيحتمل أنه أخفى عن أهل الآفاق إلا في حق من تظهر المعجزة عليه من الحاضرين ، والكفرة يكتمونه ، والصحابة الذين رأوا قد نقلوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } كأنه يقول : اقتربت الساعة التي تجزون ، أو الساعة التي تنشرون فيها ، أو الساعة التي تحاسبون فيها . فإن قيل : أليس روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " [ بعثت ] أنا والساعة كهاتين " ، وأشار إلى السبابة والوسطى ، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تقم الساعة بعد . قيل : يحتمل أن مراده - عليه الصلاة والسلام - أنه ختم النبوة والرسالة ، وتبقى أحكامه وشريعته إلى وقت قيام الساعة ، وبقاء شريعته كبقائه ، فصار كأنه قال : شريعتي والساعة كهاتين . ويحتمل أنه لما كان به ختم النبوة والشريعة ، صار بعثه ومجيئه - عليه السلام - علامة للساعة وآية لها ، وهو كقوله - تعالى - : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } [ الزخرف : 61 ] على تأويل من جعل بعث الرسول - عليه السلام - علَما وآية للساعة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } ذكر تعنتهم وعنادهم : أنهم وإن يروا آية سألوها ، يعرضوا ؛ فلم يُرِهِمْ تلك . أو من سنته : أن كل آية جاءت على أثر السؤال ، فلم يقبلوها أهلكوا ، فإذا كان من سنته هذا ، وقد وعد تأخير عذاب هذه الأمة إلى الساعة ، وعفا عنهم التعجيل - لم يرهم تلك الآيات المقترحة ، والله أعلم . ويحتمل : وإن يروا آية حسية يعرضوا ؛ لأن آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم عامتها وأكثرها كانت عقلية وسمعية ، فيخبر عن سفههم وتعنتهم أنهم وإن يروا آية حسية يعرضوا عنها ، وهو كقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [ الأنعام : 111 ] ، وكقوله - تعالى - : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا … } الآية [ الحجر : 14 - 15 ] . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } ، اختلف فيه : منهم من قال : { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } أي : ماض ، لم يزل الرسل - عليهم السلام - كانوا يأتون بمثله من السحر . ومنهم من قال : { مُّسْتَمِرٌّ } أي : قوي ؛ مأخوذ من المِرَّة ، وهي القوة ، وأصل المرة : الفتل . ومنهم من قال : { مُّسْتَمِرٌّ } أي : ذاهب ؛ يذهب ويتلاشى ولا يبقى . وقوله - عز وجل - : { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } يحتمل كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الآية على الرسالة . ويحتمل : وكذبوا بالتوحيد { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } يخبر أنهم إنما كذبوا ما ذكر باتباع أهوائهم ، لا بحجة وبرهان . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } يحتمل قوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } وجاءتهم - أيضاً - حكمة بالغة ، وهي القرآن . ويحتمل أن يكون معناه : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } وفي تلك الأنباء حكمة بالغة . ثم الأنباء التي فيها مزدجر حكمة بالغة ، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم نوح ، وموسى ، فقد جاءهم أنباء هؤلاء ، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك ، وبأي شيء نزل بهم ، وهو تكذيب الرسل - عليهم السلام - ليرتدعوا عن مثل صنيعهم ، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أولئك ، وفي ذلك حكمة بالغة ، والبالغة هي النهاية في الأمر ؛ يقال : فلان بالغ في العلم : إذ انتهى في ذلك نهايته . وقال القتبي : مزدجر : أمر متعظ . وقال أبو عوسجة : مزدجر : أي : زاجر . وقوله - عز وجل - : { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } . يقول - والله أعلم - : قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مزدجر وإنذار ، فلم يزجرهم ذلك ، ولم ينفعهم ، فأنَّى تغني النذر لهم ؟ ومن أين تنفعهم النذر ؟ أي : لا تغنيهم . ثم النذر تحتمل وجهين : أحدهما : النذر : [ الرسل ] - عليهم السلام - جمع : نذير . والثاني : ما تقع به النذارة ، وهو الأنباء التي أنذر الرسل بها وحذروا بذلك ؛ يقول : فما يغنيهم قول الرسول ، ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب للكفرة بتكذيب الرسل - عليهم السلام - وترك اتباعهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } يحتمل وجوها : أحدها : قوله : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي : أعرض عنهم ، ولا تكافئهم بإساءتهم . والثاني : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي : لا تقاتلهم ، ولا تجاهدهم ؛ فإن كان التأويل هذا ، فهو يحتمل النسخ على ما قاله أهل التأويل ، وإن كان الأول فهو لا يحتمل النسخ . والثالث : يحتمل : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي : لا تشتغل بهم ؛ فإنهم لا يؤمنون ، وذلك في قوم علم الله - تعالى - أنهم لا يؤمنون ، يؤيس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطمع في إيمانهم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } أي : إلى شيء منكر ، فظيع ، هائل . ويحتمل : إلى شيء أنكروه في الدنيا - وهو الساعة - فيقرون في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } ، وقرئ : { خاشعاً } ، بالألف ، روي عن ابن عباس ، وتصديقها في قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - { خاشعة أبصارهم } ، وصفهم بالخضوع في الآخرة مكان استكبارهم في الدنيا ، وبالإقرار والتصديق بالساعة مكان إنكارهم في الدنيا ، وبالإجابة للداعي مكان ردهم له في الدنيا حيث قال : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } . وقوله - عز وجل - : { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : تشبيههم بالجراد لحيرتهم ، لا يدرون من أين يأتون ؟ وإلى أين يصيرون ؟ كالجراد الذي لا يُدْرَى من أين ؟ وإلى أين ؟ وهو كقوله - تعالى - : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] . والثاني : تشبيههم بالجراد ؛ لكثرتهم ، وازدحامهم ؛ لما يحشر الكل بدفعة واحدة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } : قال عامة أهل التأويل : { مُّهْطِعِينَ } ، أي : مسرعين . وقال قتادة : أي : عامدين . وقال مجاهد : الإهطاع : السيلان ، وهو بالفارسية : يويه رفيق . وقال بعضهم : مهطعين : ناظرين ، رافعي رءوسهم ؛ وهو قول الكلبي . وقال أبو عوسجة : أي : مسرعين ، مادين أعناقهم . وقيل : الإهطاع : إدامة النظر إلى الداعي . وقوله - عز وجل - : { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } ، وهو ما قال في آية أخرى : { يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } [ المدثر : 9 ] .