Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 41-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } يحتمل ما قال من النذر : إنه جاء آل فرعون : موسى وهارون عليهما السلام ، سماهما باسم الجمع ، وهو النذر . ويحتمل أن يكون المراد من النذر التي جاءتهم هي ما نزل من أنواع العذاب ؛ فيكون المراد بالنذر : ما وقعت به النذارة . وقوله - عز وجل - : { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا } يحتمل أنهم كذبوا جميع الآيات التي جاءهم بها موسى - عليه السلام - من آيات الألوهية والوحدانية ، وآيات الرسالة . وجائز أن تكون هي جميع ما يدل على وحدانية الرب وألوهيته من الخلائق ؛ لأن ذلك اللعين قد ادعى الألوهية لنفسه ، وجميع ما في العالم يدل على ألوهية الله تعالى ، فهو حيث ادعاها لنفسه وصدقه قومه كذبوا بذلك جميع الآيات التي تشهد على ألوهية الله تعالى ووحدانيته . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } أي : أَخْذَ عَزِيزٍ ذليلا ، وأخذ غالب مغلوبا ، وأخذ قادر عاجزا ، وأخْْذ قاهرٍ مقهورا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ } يقول الله تعالى والله أعلم : أكفاركم يا أهل مكة أقوى في دفع العذاب عن أنفسهم والانتصار منه إذا نزل بهم العذاب من أولئك الذين كانوا من قبلكم ، أي : ليس كفاركم أقدر منهم ، بل أولئك أكثر ، ثم لم يقدروا [ على ] القيام بدفع العذاب عن أنفسهم ، ولا الانتصار منه إذا نزل بهم ، فأنتم يا أهل مكة أضعف وأقل عددا أحق ألا تقدروا على دفع العذاب عنكم إذا نزل بكم . أو يقول : ليس لكم براءة في الكتب أنكم تقدرون على القيام في دفع العذاب عن أنفسكم إذا نزل بكم . أو يقول : ليس لكم براءة في الكتب : أن العذاب لن يصيبكم إذا نزل . وقوله - عز وجل - : { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي : بل تقولون : نحن جميع منتصر ؛ أي : لا ينصرونكم كجمعهم . هذه الآيات الثلاث على النفي والدفع ، أي : ليس لهم ما يدفعون العذاب عن أنفسهم ، وليس لهم ما ينصرون به ، ولا كفارهم خير من كفار أولئك في دفع العذاب والقدرة على الانتصار ، والله أعلم . ثم قال على الابتداء : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } ، فيه دليلان : أحدهما : أخبر أن لهم جمعا يهزم ، ويولون الدبر ما ذكر ، وقد قال أهل التأويل : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } هو جمع دبر ، أخبر أنهم يهزمون ويولون الدبر ، وقد كان ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم دل أنه علم بالله تعالى . والثاني : أخبر أن الساعة موعد إهلاكهم واستئصالهم لا بالدنيا بقوله تعالى : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } ، وكان كما أخبر . وفيه - أيضا - دلالة إثبات الرسالة ، والله أعلم . وقوله : { أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي : أعظم وأشد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } جائز أن يكون قوله : { فِي ضَلاَلٍ } في الدنيا ، وفي السعر في الآخرة ، وهو السعير . ويحتمل { فِي ضَلاَلٍ } في هلاك ، { وَسُعُرٍ } في حيرة وجنون وتيه ؛ كقوله تعالى : { إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 24 ] . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } كأنه يقول له : قل لهم يوم يسحبون في النار على وجوههم إن ختموا على ما هم عليه : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي : يقال لهم : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي : ذوقوا عذاب سقر ، والسقر هو اسم النار ؛ فيصير كأنه على الإضمار ؛ أي يقال لهم : ذوقوا عذاب النار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } يحتمل وجهين : أحدهما : على التقديم والتأخير ؛ أي : إنا خلقنا كل شيء ؛ فإن كان على هذا ؛ فيكون كقوله : { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 102 ] ، وفيه إثبات خلق كلية الأشياء . والثاني : على ظاهر ما جرى به الخطاب { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أي : إن كل شيء بقدر ، فإن كان على هذا ، فليس فيه إثبات خلق كلية الأشياء ، ولكن فيه إثبات أنما خلقه بقدر ؛ وإلى هذا التأويل يذهب المعتزلة . والتأويل عندنا هو الأول : إنا خلقنا كل شيء بقدر ؛ كقوله : { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 102 ] . ويحتمل : أي : إنا كل شيء خلقناه بقدر وحَدٍّ ينتهي إليه ذلك ، ويبلغ حده ، ليس كالمخلوق لا يعرف أحد قدر فعله ولا حده الذي ينتهي إليه ، ولا يخرج فعل أحد من المخلوقين على ما يقدرونه ، فأخبر أن فعله يخرج على ما يقدره خلافا لفعل غيره ؛ فيدل على أنه هو الخالق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ } ، الأمر فيما بين الخلق على وجهين : أحدهما : أمر شأن بالفعل . والآخر : أمر تكليف لغير . ثم قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ } ، إنما هو أمر فعل ؛ يخبر عن سهولة ذلك عليه ، أي : شأنه وفعله يسير عليه ، لا يعجزه شيء ولا يشغله ؛ فعلى ذلك أمر الله وخفته عليه ، والواحد ليس هو اسم العدد ، وإن كان الحساب يبتدئ [ به ] ، إنما هو اسم التوحد والتفرد ؛ كما يقال : فلان واحد زمانه ، لا يريدون من جهة العدد ؛ إذ له أعداد وأمثال من جهة العدد ، ولكن إنما يراد بأنه المتوحد في شأنه وفعله ، ولا نظير له ؛ فعلى ذلك تسميته إياه : واحدا لتفرده وتوحده في ألوهيته وربوبيته ، وتسمية أمره واحدا : أن فعله وشأنه لا يشبه أفعال غيره ، وأنه لا نظير له في ذلك ، وأنه يسير عليه ، لا حاجة له إلى الوقت ، والآلة ، وغير ذلك ؛ ألا ترى أنه قال : { كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } يخبر عن خفة ذلك عليه وسهولته ، من حيث لا يثقل على أحد رد البصر ولا لمحه ، هذا وجه . الثاني : فيه إخبار أنه لا يشغله شيء ؛ لأن الناس تشغلهم بعض أمورهم عن بعض . وأهل التأويل يصرفون الآية إلى الساعة ؛ كقوله تعالى : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] ، وهو محتمل ؛ فيخبر أن الآخرة ليس على تقدير أمر الدنيا على اتباع بعض بعضا ، وعلى إرداف شيء على شيء ، وعلى الانتقال والتغير من حال إلى حال ، ولكن أمر الآخرة على التكون بمرة واحدة . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } يحتمل قوله { أَشْيَاعَكُمْ } على وجهين : أحدهما : إخوانكم وأهل دينكم بتكذيبهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام - واذكروا أنتم يأهل مكة ؛ لئلا تهلكوا بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم . والثاني : أي : ولقد أهلكنا أشياعكم ، وعرفتم ذلك ، { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } يتذكر ويتعظ ، ويعتبر به . وجائز أن يكون معناه : ولقد أهلكنا جنسكم ، والحكيم لا يخلق الخلق للفناء والهلاك ، فاعلموا أنه أنشأكم للعاقبة . وفيه إثبات البعث ، لكنه لا تدركه أفهام الكفرة وعقولهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } يخرج هذا - أيضا - على وجهين : أحدهما : كل شيء فعلوه من التكذيب والعناد ، كان في الكتب المتقدمة ، أي : عن علم بصنيعهم وفعلهم أنشأهم ، وبعث إليهم الرسل ؛ وهو رد على من يقول : إنه لا يعلم ما يكون منهم حتى يكون منهم ذلك ؛ لأنه لو كان يعلم ذلك لا يحتمل أن يبعث الرسل - عليهم الصلاة والسلام - إليهم ويأمرهم ، وينهاهم ، وهو يعلم أنهم يكذبون رسله ، ويخالفون أمره ، فرد عليهم وبين أنه لم يزل عالما بما كان ويكون ، وقد بينا قبل هذا أنه تعالى بعث الرسل - عليهم السلام - وإن علم منهم التكذيب والخلاف ؛ وذلك لأن المنافع والمضار راجعة إليهم دونه ، والله أعلم . وجائز أن يكون معناه : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي : في الكتب التي تكتب عليهم الملائكة ويؤمرون بالقراءة في القيامة ؛ كقوله تعالى : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] . وقوله - عز وجل - : { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } هذا أيضا يخرج على هذين الوجهين . أحدهما : مستطر في الكتب التي قبلهم . أو في الذين يملون على الحفظة ؛ كقوله تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ } ، وقال في موضع آخر : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ الزخرف : 74 ] . ثم اختلف في تأويل قوله : { وَنَهَرٍ } : قيل : نهر من النور ، أي : هم في ضياء ونور وسرور ، وهو قول الأصم . وقال الفراء : النهر : السعة ؛ يقال : أنهرت الطعنة ، أي : وسعتها . وقال أهل التأويل : أي : الأنهار . وقوله - عز وجل - : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي : موعود صدق ؛ كأنه كناية عن راحة وسرور لهم ؛ كقوله : { كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } [ الكهف : 107 ] ، أخبر أنهم يستريحون فيها ، أو يسكنون ويقرون ، لا يريدون التحول منها ، وهو مقابل ما ذكر للكفار : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أي : يجرون ، وقوله - عز وجل - : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ المدثر : 17 ] ، وقوله تعالى : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا } [ المؤمنون : 107 ] يطلبون الخروج منها ، وأخبر أنهم يكونون أبدا في عناء وشدة وبلاء حتى لا يقرون في مكان ، وعلى هذا يخرج قوله : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } [ يونس : 2 ] ، أي : لهم موعود صدق عند ربهم ، أي : تقر أقدامهم في ذلك ؛ فيكون هو كناية عن الثبات . وقوله - عز وجل - : { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } . إن الرجل إذا كان في فضل وخير يضاف بكونه فيه إلى الله تعالى ، نحو ما يقال : في سبيل الله ، ووفود الله ، وغير ذلك من الأمكنة التي هي أمكنة الفضل والخير تضاف إلى الله ، نحو : بيت الله ، ومساجد الله ؛ لأنها أمكنة القرب والفضل ، فعلى ذلك قوله : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أضاف بكونهم في أمكنة الفضل والخير والمنزلة عند الله تعالى ، لا أنه يوصف بمكان أو مقام ؛ بل هو ممسك الأمكنة كلها ومنشئ الأزمنة بأسرها ، والله الموفق ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين .