Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 62-78)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } فإن كانت الجنتان اللتان سبق ذكرهما للسابقين والصديقين ، فهاتان اللتان ذكرهما هاهنا لأصحاب اليمين ، على ما ذكره بعض أهل التأويل ؛ فجائز أن يكون قوله : { وَمِن دُونِهِمَا } أي : في الفضل والقدر والمنزلة ؛ لفضل أولئك على أصحاب اليمين . وإن كانت الجنتان جميعا لكل فريق منهم ؛ فجائز أن يكون قوله : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } في المكان والموضع ، لا في الفضل والقدر ؛ فكأنه قال : من أي جهة وقع بصرهم يقع في جناتهم ، من فوق ومن تحت ، وعن يمين وشمال ؛ أي يكونون وسط الجنات لا يحتاجون إلى التحويل من مكان إلى مكان ؛ كقوله تعالى : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [ الكهف : 108 ] ، وعلى هذا يخرج قوله تعالى : { مُدْهَآمَّتَانِ } على ما ذكرنا هو شديد الخضرة الذي يضرب إلى السواد ، فوصف هاتين دون وصف تينك الجنتين بقوله تعالى : { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } [ الرحمن : 48 ] على التأويل الأول ، وكذلك قوله تعالى : { عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } على ما ذكرنا : أنهما دون الجاريتين ، وكذلك روي عن الفراء قال : العينان تجريان أفضل من النضاختين بقوله : { نَضَّاخَتَانِ } ؛ لأنهما ينضخان بالخير والبركة لأهل الجنة . وقيل : ينضخان بالماء وأنواع الفواكه . وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال : تنضخان بالمسك والعنبر ، كما ينضخ طير الماء على بيوت أهل الدنيا . وقوله - عز وجل - : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } من الناس من احتج لأبي حنيفة - رحمه الله - فيمن حلف لا يأكل فاكهة ، فأكل رمانا ، لا يحنث في يمينه ؛ لأنه احتج بهذه الآية في أن الرمان والرطب ليسا من الفاكهة ؛ لأنه عطفهما على الفاكهة ، والشيء لا يعطف على نفسه ، إنما يعطف على غيره ، هذا هو ظاهر الكلام ، إلا أن تقوم الدلالة على أنه مراده بالذكر وإن كان من جنسه ؛ لضرب من التعظيم وغيره ؛ كقوله تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [ البقرة : 98 ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } قيل : الحسان الخلق وحسان الوجوه ، يقال : امرأة خيرة ، ونسوة خيرات ؛ يقرأ بالتثقيل والتخفيف جميعا . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : لكل مؤمن خيرة ، ولكل خيرة خيمة . وقوله - عز وجل - : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } . قيل : محبوسات في الخيام ، لا يخرجن عن الخيام . وأصله : ما ذكرنا أنهن يكن في الخيام لا يراهن غير أزواجهن ، وقاصرات الطرف ، أي : لا يرفعن بصرهن إلى غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } هو قراءة العامة بغير الألف . وعن عاصم الجحدري { رَفَارِفَ } و { عباقريّ } ، قيل : الرفرف : المجلس ، وقيل : المجالس ، وقيل : الرياض الخضر ، وقيل : الخيام ، وقيل : هو فضول الفرش والبسط . وأما العبقري : قيل : هو الزرابي ، وهو بالفارسية : النّخّ . وقال أبو عبيدة : العبقري : الطنافس الثخان ، وقيل لكل شيء من البسط : عبقري . وقال القتبي وأبو عوسجة : العبقري في غير القرآن ثياب تتخذ بعبقرى ، وهي بلدة ، فينسب إليها . وقوله - عز وجل - : { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } قال أبو بكر الأصم : [ تنزه ] اسم ربك من أن يستحق غيره اسمه . وقوله : { ذِي ٱلْجَلاَلِ } ، أي : استحق على الخلق أن يجلوه ويعظموه من أن يسموا غيره باسمه ، والإكرام : هو أن يلحقوا به ما لا يليق به من الولد والشريك وغيره . فإن قيل : ما فائدة تكرار قوله - عز وجل - : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، فبأي آلاء ما في السماوات والأرض تكذبان في الدلالة على وحدانية الله تعالى والشهادة له بأنه خالقه ، ومرسل رسله ، وما جاءت به عنه ، وذلك أن جميع ما فيهما من المال والطعام والشراب ، على ما ذكرنا ، وذلك كما يقول الرجل لآخر يلومه ويعاتبه : ألم تكن جائعا فأطعمتك ؟ ! أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن ظمآنا فسقيتك ؟ ! أفتنكر هذا ؟ ! ونحو ذلك . وجائز أن تكون فائدة التكرار غير هذا ، وهو أنه خرج مخرج العظة والتذكير ، ومن شأن الموعظة والذكرى التكرار والإعادة ؛ لتكون أنجع وآخذ للقلوب ، وأقرب إلى القبول ، والله أعلم بالصواب .