Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-26)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } هذا مما لم يبتدأ به الخطاب ، وإنما هو جواب سؤال وخطاب لم يذكر ؛ فيحتمل أن يكون المؤمنون ذكروا كراماتهم التي وعدوا في الآخرة ، فقال لهم أولئك الكفرة : متى يكون ذلك لكم ؟ فقالوا : إذا وقعت الواقعة ؛ كما يسأل الرجل : متى يكون أمر كذا ؟ فيقول : إذا كان كذا ، فهو حرف جواب لسؤاله ، وعلى هذا يخرج جميع ما ذكر في القرآن من هذا النوع ؛ من نحو قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] ونحو ذلك ، وقوله : { ٱلْوَاقِعَةُ } كناية عنها ، جائز أن يكون تأويله : إذا وقعت المثوبة والعقوبة ؛ فتكون الواقعة كناية عنها . وجائز أن تكون الواقعة : اسما من أسماء البعث : كالقيامة والساعة ، وغير ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ، قال بعضهم : أي : ليس لوقعتها مَثْنَويَّة ولا ترداد ، يقال : حمل عليه فما كذب ، أي : فما رجع . وقال بعضهم : أي : هي حق ، ليست بكذب . وقال بعضهم : أي : لا يكذب بها أحد إذا وقعت ، ليست كالآيات التي عاينوها في الدنيا مع ما عرفوا أنها آيات كذبوها ؛ كقوله تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 14 - 15 ] ، وغير ذلك يكذبونها مع العلم بأنها آيات ، يقول تعالى : إذا عاينوا القيامة يقرون بها ؛ ويصدقونها ، ولا يكذبون بها ؛ كقوله : { أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] ، ونحوه . ويحتمل أن يكون قوله : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ، أي : ليست الأنباء والأخبار التي جاءت على وقوعها وقيامها كاذبة بل هي صادقة . وقوله - عز وجل - : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } ، قال بعضهم : خافضة : تسمع القريب ، رافعة : تسمع البعيد ؛ وقال صاحب هذا التأويل : إن تفسير الواقعة هو الصيحة ، وتلك خافضة رافعة . وقال بعضهم : خافضة أناسا في النار ورافعة أناسا في الجنة . ويحتمل خافضة لمن تكبر وتعظم على الخلق ورده ، ورافعة لمن تواضع للخلق وانقاد له وقبله . وقيل : خافضة لأهل النار في النار ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ } [ القمر : 48 ] ، ورافعة لأهل الجنة ، كقوله : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } [ القمر : 55 ] ، وقوله : { لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } [ يونس : 2 ] . وقوله : - عز وجل - : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } يخرج على السؤال ، كأنهم لما سمعوا وصف القيامة والواقعة من المؤمنين ، فقالوا عند ذلك : متى تكون الواقعة ؟ فعند ذلك قال : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } ، وهو كقوله : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] ، فزلزلت حتى تلقي ما في بطنها . وقوله - عز وجل - : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } قيل : فتتت حتى تصير كالدقيق ، ومنه يقال للطعام المبسوس والبسيسة : سويق يلت به الزيت والخلط . وقال الحسن : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ } أي : سيرت تسييرا . وقوله : { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } قيل : الهباء : الذي يكون فوق النار إذا خمدت ، لا يكون غيره { مُّنبَثّاً } ؛ أي : متفرقا . وقيل : { هَبَآءً مُّنبَثّاً } أي : ترابا . وقيل : الهباء المنبث ، هو ما يسطع من سنابك الخيل . وقيل : الهباء : الغبار الذي تراه في الشمس إذا دخلت من الكوة ؛ يخبر تعالى عن شدة ذلك اليوم وهوله أنه يفعل بالجبال كذا مع صلابتها وطاعتها لله تعالى ، فكيف يفعل بكم يا بني آدم مع ضعفكم ومعصيتكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } ، أي : أصنافا ثلاثة : ما فسر عقيبه ؛ حيث قال : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ * وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } الآية . وقيل : الأصناف الثلاثة : المكذبون ، والمصدقون ، والسابقون . وقوله - عز وجل - : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } يحتمل وجهين : أحدهما : أصحاب الميمنة من اليمن ، وأصحاب المشأمة من الشؤم . والثاني : سموا : أصحاب الميمنة ؛ لأنهم أصحاب اليمين ، وهي التي تستعمل في الطيبات ، والكفرة أصحاب الشمال ؛ لأنهم أصحاب الخبائث ، والشمال تستعمل في الخبائث . وهو كقوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } [ الحاقة : 19 ] ؛ لأن في كتبهم طيبات وخيرات ، وفي كتب الكفرة خبائث فتؤتى بشمالهم . وقيل : أصحاب الميمنة والمشأمة ؛ لما ذكر الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [ الانشقاق : 7 - 8 ] ، وقوله : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ … } [ الانشقاق : 10 ] ، فكذا ؛ فكل من أوتي كتابه بيمينه فهو من أصحاب اليمين ، ومن أوتي كتابه بشماله فهو من أصحاب الشمال . وقوله تعالى : { وَٱلسَّابِقُونَ } يحتمل وجهين : أحدهما : السابقون في الخيرات ، يسبقون الناس في كل خير . والثاني : السابقون في الإجابة لله ورسوله إلى ما دعاهم إليه . ثم جائز أن يكون الخطاب به للناس كافة : الأولين والآخرين ؛ فيكون جميعهم أصنافا ثلاثة : السابقون ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال . وجائز أن يكون الخطاب بهذه الآية لهذه الأمة : ففيهم السابقون ، وفيهم أصحاب اليمين ، وهم أصحاب النظر في الحجج والآيات والتأمل فيها [ وفيهم ] أصحاب الشمال ، وهم الكفرة . وقوله تعالى : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } على التعجب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكرمهم ، أو على التعظيم لأولئك لعظم منزلتهم . وكذلك قوله : { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } يخرج على هذين الوجهين : على التعجب والتعظيم لما يحل بهم . وقوله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } يخرج على هذا أيضا : فلان ما أمر فلان ، فيقال : فلان فلان ؛ على تعظيم أمره وشأنه . ثم في قوله تعالى : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [ دليل ] لقول أصحابنا - رحمهم الله - في جعلهم الكفر كله ملة واحدة ؛ لأنه جعل الله تعالى الكفرة على اختلاف مذاهبهم وأديانهم زوجا ، وأهل الإسلام زوجين ، حيث جعل الكل أزواجا ثلاثة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } يحتمل أن يكون وصف القرب لهم لمسابقتهم في الخيرات في الدنيا . ويحتمل : أنهم مقربون في الآخرة والمنزلة ، لسبقهم في الخيرات ، أو : في الإجابة ، والسبق فعلهم ، والتقريب بلطف من الله تعالى وفضل منه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } جميع الجنات نعيم ؛ لأن فيها نعيما ، وله أن يسمي واحدة منها : نعيما ، والأخرى : عدنا ، والفردوس والمأوى ، يسمي ما شاء بما شاء وكيف شاء . وقوله - عز وجل - : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } اختلف في ذلك : قال بعضهم : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } ممن شهد رسول الله ، وقربوا منه ، { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } ممن بعد من هذه الأمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وإدراك زمانه ، وقليل من المقربين من الآخرين ، وهو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم " ، وعلى ذلك قوله تعالى : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } [ الحديد : 10 ] على ما يذكر ، والله أعلم . ومنهم من قال : { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : جماعة من المؤمنين الذين كانوا في الأمم الماضية ، { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أي : من هذه الأمة ، وهكذا يكون عدد أهل الإيمان من هذه الأمة مع الأمم الماضية يكون هؤلاء أقل منهم . ويحتمل - أيضا - أن السابقين المقربين من الأمم السابقة أكثر من السابقين المقربين من هذه الأمة ؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كلهم من الأمم السالفة . وقال أهل التأويل لما نزلت : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } ، وجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا ، وقالوا : لن يدخل الجنة منا إلا قليل ؛ فنزل قوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] . لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنه خبر ، ولا يرد في الأخبار نسخ ، وما قالوه لا يصح ، والوجه فيه ما ذكرنا . ويحتمل قوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] هم أصحاب اليمين من الأولين والآخرين ، وهم جماعة كثيرة من الأولين ، وجماعة كثيرة من الآخرين في المقربين خاصة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } ، وقال في آية أخرى : { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [ الطور : 20 ] ، والسرر قد تكون في الدنيا مصفوفة ، ولكن لا تكون موضونة ؛ أي : منسوجة ؛ والوضن - هو النسج - لا يكون بين السرر في الآخرة انفصال ولا فروج ، كما يكون في الدنيا ، لكن موصولة بعضها ببعض . وقوله - عز وجل - : { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } ، أي : على السرر التي ذكر أنها مصفوفة موضونة . وقوله : { مُتَقَابِلِينَ } ، أي : يقابل [ بعضهم ] بعضا ، ولا يعرضون ، ولا ينظر بعضهم إلى بعض باحتقار كما يجعل أهل المجالس في الدنيا يعرض بعضهم على بعض ويحقر بعضهم بعضا يخبر أنهم يكونون في الآخرة خلاف ما في الدنيا ، لا يتأذى بعض من بعض بوجه ما . وقوله - عز وجل - : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } فيه أنهم يعطون في الجنة ما يستحبون في الدنيا من الشرف وطواف الولدان ، وكذلك ما ذكر من السرر والفرش ، وغير ذلك من أنواع ما ترغب أنفسهم فيه . ثم ذكر أنهم ولدان ، وإن لم يكن في الجنة ولاد ؛ فهو يخرج على وجهين : أحدهما : أن يكونوا على هيئة الولدان وإن لم يولدوا . والثاني : سماهم : ولدانا ؛ لولادهم في الدنيا وإن لم يولدوا في الجنة ؛ لأن التوالد في الدنيا لحاجة البقاء وأهل الجنة باقون . وقوله - عز وجل - : { مُّخَلَّدُونَ } قال بعضهم : أي : المقرطون ، والخَلَدَة : القرط ، وجمعه : الخِلَدَة . قال بعضهم : هو من الخلود ، كقوله تعالى : { خَالِدِينَ فِيهَا } [ البقرة : 162 ] ، أي : باقون . وقيل : مسورون من السوار . وقوله : { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } [ الأكواب ] : هي الكيزان المدورة الرءوس التي لا عرى لها ، والأباريق التي لها عرى وخراطيم ، وهم يسمون الأكواب : القداح التي يشربون بها ؛ لأن في الدنيا يكون لأهل الشراب الأباريق والأقداح يصبون من الأباريق في القدح ، ويشربون ولا يشربون من الأباريق ، فعلى ذلك وعدوا في الجنة . وقوله - عز وجل - : { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } : الكأس : هو القدح المملوء من الشراب . وأما المعين : قال بعضهم : هو الظاهر من الماء ، يقع عليه البصر ، فوعد لأهل الجنة ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } ، قرئ بكسر الزاي ونصبه ؛ أي : لا تصدع خمورهم في الجنة رءوسهم كما تصدع خمور الدنيا أهلها . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُنزِفُونَ } قيل : بكسر الزاي : لا ينفد شرابهم ، وبالفتح : لا يسكرون ؛ فيه أنه ليس في خمورهم الآفات التي تكون في خمور الدنيا من ذهاب العقل ، والصداع والنفاد . وقوله - عز وجل - : { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } جميع فواكه الجنة مختارة ، لكن يخرج على وجهين : أحدهما : أن جميع فواكهها مما يتخيرون . والثاني : العرف في الفواكه أن تقدم من أجناس مختلفة وألوان ، لا من لون واحد ونوع واحد ، فيتخيرون من أي نوع اشتهوا أو شاءوا . وقوله - عز وجل - : { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } إن أهل الجنة إنما يتناولون ما يتناولون على الشهوة ، لا على الحاجة وسد الجوع ، وهو كما ذكر : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] . وقوله - عز وجل - : { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } يحتمل تشبيه الحور العين باللؤلؤ وجهين : أحدهما : لما لا شيء أصفى من اللؤلؤ والياقوت ، فضرب مثلهن بذلك ؛ لصفائه وبياضه ، وإلا ما خطر اللؤلؤ حتى يشبه الموعود في الجنة من الجواري به ؟ ! . والثاني : أن للؤلؤ فضلا ومنزلة عند العرب ، وليس الخطر لغيره من الأشياء ، فيشبه ضرب مثلهن به لفضل خطر ذلك عندهم ، ليس ذلك لغيره ، وهو كقوله تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الحج : 31 ] ضرب مثل من يشرك بالله بالذي يخر من السماء ، والشرك بالله أعظم مما ذكر ، لكن ليس شيء أعظم وأبعد من الخر من فوق السماء السابعة ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقوله : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إن الله تعالى ذكر للأعمال جزاء كأنهم عملوا له فضلا منه وكرما في حق عباده ، وإن كانوا في الحقيقة عاملين لأنفسهم ؛ كقوله تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } [ الإسراء : 7 ] ، وكذلك ما ذكر من شرائه أنفسهم وأموالهم منهم ، وما ذكر من الإقراض في قوله تعالى : { وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ المزمل : 20 ] وإن كانت أنفسهم وأموالهم له ، وإن كان عامَلَ عباده في أنفسهم وأموالهم كأنها ليست له ، فضلا وكرما ؛ فعلى ذلك [ ذكر ] لأعمالهم جزاء ؛ كان منهم إلى الله - تعالى - صنعا وإحساناً ، وإن كانوا عاملين لأنفسهم ومنافع أعمالهم ترجع إليهم بفضله وكرمه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } هذا يرجع إلى وصف خمور أهل الجنة ؛ أي : ليس فيها الآفات التي تكون في خمور الدنيا من ذهاب العقل ، وقول اللغو ، والهذيان ، مثل ما يجري على ألسنتهم في الدنيا حين يشربون الخمور ، وما يأثمون به ، وذكر لهم هذه الخمور في الجنة ؛ لأن قوما يرغبون فيها في الدنيا ، فوعد لهم ؛ ليرغبوا فيها فيطلبوها بالامتناع عن شربها في الدنيا من الخمور المحرمة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : إلا كلاما فيه سلامة عن جميع الآفات التي ذكر . والثاني : { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } أي : يحيي بعضهم بعضا بالسلام ؛ كقوله تعالى : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ إبراهيم : 23 ] .