Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ … } الآية : أصحاب اليمين هم المؤمنون على ما ذكرنا . ثم اختلف في ذكر شجر السدر لهم ، وما ذكر من الطلح ، وغير ذلك . فمنهم من قال : إنما ذكر هذا لهم لتفضيل المقربين على أصحاب اليمين ؛ لأنه قال في المقربين : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ … } [ الواقعة : 10 - 12 ] إلى آخر ما ذكر من عظيم الكرامات التي ذكر لهم ، ثم ذكر لأصحاب اليمين دون ذلك ؛ ليعلم تفضيل المقربين على أصحاب اليمين . ومنهم من قال : إن قوما من العرب ينتفعون بذلك ؛ لأن لها ثمرة ، لكن ليست بمرغوبة ، ولها شوك ، فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة ذلك بلا شوك ولا أذى ؛ بل رغب فيه ، وهو كما وعد لهم من الخمور ، ثم نفى عن خمورها الآفات ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون شجر السدر فيها بغير آفات ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } ، منهم من قال : هو طلع منضود متراكم ؛ كما ذكر في آية أخرى { طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] ذكر في إحدى الآيتين فعيل ، وفي الأخرى مفعول ، وذلك جائز في اللغة . وقيل : طلح : بالحاء : هو الموز . وذكر أن عليا - رضي الله عنه - سمع قارئا يقرأ : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } ، فقال علي - رضي الله عنه - : ما شأن الطلح ؟ إنما هو طلع ؛ فقيل له : إن في المصحف { وَطَلْحٍ } أفلا نغيره ؟ فقال : إن المصحف لا يغير اليوم ؛ وهذا يؤيد التأويل . وقال أبو معاذ : الطلح في كلام العرب : شجر عظام ، كثير الأغصان ، واحدها : طلحة ، وقال مخضود : أي : مقطوع الشوك ؛ خلقت هنالك هكذا بلا شوك ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - في شجر الحرم : " لا يخضد شوكها ، ولا يعضد شجرها " . وقوله - عز وجل - : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } يصف أنه ليس فيها شمس يؤذي حرها ، ولا برد يؤذي ، بل ظل ؛ لأن الظل شيء لطيف لا أذى فيه ، ولا شيء يثقل على الأبدان ؛ بل هو شيء يوافق البدن ، ويخف عليه . وقيل : ممدود ؛ لأنه لا شمس فيها فتنسخه ، وبالشمس يعرف الظل هاهنا ، وظل الآخرة ممدود أبدا . وقوله - عز وجل - : { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } قيل : جار غير منقطع ؛ وهو قول القتبي . وقال أبو عوسجة : أي : مصبوب . والأول كأنه أقرب ؛ أي : جار أبدا ، ليس كمياه الدنيا ؛ إلا أن يراد بالانصباب صبه من الأعلى إلى الأسفل ، وذلك مما رغب إليه في الدنيا . ثم قوله : { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } جائز أن يكون ذكر هذا لأصحاب اليمين ، وما ذكر من قوله تعالى : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [ الإنسان : 6 ] ، وقوله : { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } [ المطففين : 27 ] ؛ فيكون للمقربين قوله : { عَيْناً يَشْرَبُ } [ الإنسان : 6 ] ، ولأصحاب اليمين { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } [ المطففين : 27 ] ، وكذلك ما ذكر من { جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } [ البقرة : 25 ] للمقربين يكونون في العليين ، وتكون الأنهار تحتهم ، وما ينسكب وينصب من الأعلى لأصحاب اليمين ؛ لأنهم يكونون دونهم في الدرجة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ } كانقطاع فواكه الدنيا ، يخبر أنها لا تنقطع في الجنة في وقت من الأوقات ، وأنها كلما قطعت مرة خرجت أخرى مكانها بهيئة الأكل من غير أن يحتاج فيه إلى وقت النضج كما في الدنيا تنقطع من وقت خروجها إلى وقت نضجها ، وبعد النضج والإدراك تنقطع إلى وقت وجود حمل آخر . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي : لا آفة بها تصير ممنوعة ؛ كفواكه الدنيا ، إذ هي ربما تمتنع بآفة تصيبها . وقال القتبي وأبو عوسجة : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } أي : لا تحبس ، كما يمنع في الدنيا بعضهم من بعض . وقوله - عز وجل - : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أي : مرفوعة القدر والمنزلة ، أو مرفوعة بنفسها في القيامة ، وهو ما ذكرنا في قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا } [ الرحمن : 7 ] ، وقيل : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } مرفوعة النساء ، يقال : امرأة فريش ونساء فرش . وقوله عز وجل : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } قال : الأصم وغيره : إن هذا صلة قوله : { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 - 23 ] كأنه قال على أثره . وقال القتبي : إنه لما ذكر على إثر قوله : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ } دل أن الفرش كناية عن الأزواج ؛ إذ هن اللؤلؤ يفرش وواحدة الفرش : فريش . وقيل : قد استفرشت الناقة إذا اشتهت العمل . والأشبه أن يكون هذا على صلة { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 - 23 ] ؛ إذ ذكر في قوله { وَحُورٌ عِينٌ } على أثر ذكر أثر المجالس والزوجات لا معنى لذكرهن في هذا الموضع . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } أي : أنشأناهن في الابتداء على هيئة الاستمتاع ليس كنساء الدنيا ، وهو كما ذكرنا في قوله في صفة الفواكه : إنها غير مقطوعة ولا ممنوعة ؛ أي : إنها تخرج أول ما تخرج على هيئة الأكل ، لا كثمار الدنيا . وقوله - عز وجل - : { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً } قيل : أي : خلقناهن كذلك ، ويكن أبدا كذلك ، كلما ذهبت عذريتهن عادت ؛ فيكن أبدا على تلك اللذة ؛ لأنهن أنشئن هكذا ، والله أعلم . وقال عامة أهل التأويل في قوله تعالى : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } أي : خلقنا نساء الدنيا من الثيبات والأبكار خلقا جديدا سوى الخلق الذي كان في الدنيا ، { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } ، وكن في الدنيا عجائز وثيبات ، وروي على ذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم - إن ثبت - أنه قال في قوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } : " الثيب والبكر " . وفي بعض الأخبار قال : " إن العجوز لا تدخل الجنة " . ثم قوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } من قال : هو صلة قوله : { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] هو لسِنِّ نساء الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عُرُباً أَتْرَاباً } بجزم الراء مخففة ومضمومة . وقال أبو عبيد : تقرؤها بالضم لوجهين : أحدهما : التفخيم . والثاني : أنها أقيس في العربية ؛ لأن واحدها : عروب ، مثل صبور وصبر ، وشكور وشكر . وأما الوجه الآخر التخفيف . وقيل في تأويل : { عُرُباً } : عاشقات لأزواجهن . وقال أبو عوسجة : العروب : المراحة . وقال القتبي : هي المتحببة إلى زوجها . وقيل : الغنجات لأزواجهن . وقيل : إن أهل مكة يسمونها : العربة ، وأهل المدينة الغنجة ، وأهل العراق : الشكلة . وقال سعيد بن جبير : عربا : ضبعات ، والضبعات : هي التي تعرض للزوج من الشهوة ، ويقال للناقة إذا اشتهت الضراب : ضبعة . وقوله - عز وجل - : { أَتْرَاباً } ، أي : مستويات الأسنان . وقال القتبي : الترب واللدة واحد ، وهو بالفارسية : همزاد . وأصله : أنهن أنشئن بلا ولاد يتقدم ويتأخر كما يكون في الدنيا يتفاضلن في الأسنان ؛ فصرن في الآخرة أترابا . ثم قال : { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } قد ذكرنا تأويله : أنه يخرج على الوجهين : وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هما جميعا من أمتي " ، وكذلك تأويل قوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 13 - 14 ] .