Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 75-96)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } عن ابن مسعود وإبراهيم أنهما قرآ : { بموقع النجوم } ، على الوحدان . وعن الحسن : أنه قرأها بمواقع على الجمع ، وبه أخذ أبو عبيد ، وقال : إن بعض أهل التأويل يتأولونها على منازل القرآن ، وبعضهم على مغايب الكواكب ومساقطها ، وأي : الوجهين كان ، فالجمع فيه أولى من الوحدان . ثم اختلف في قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ } : منهم من قال : إن حرف ( لا ) هاهنا صلة ؛ كأنه قال : أقسم بمواقع النجوم ، وذلك جائز في اللغة ، كقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] ونحوه ، يكون على الصلة والزيادة على التوكيد . ومنهم من قال : على إثبات حرف ( لا ) ، لكنه جعل ذكره لرد قول كان من أولئك الكفرة ، ولدفع منازعة كانت منهم ، لكن لم يذكر ذلك ؛ لما كانت معروفة بينهم ، فرد ذلك بقوله : { فَلاَ } ثم ابتدأ القسم بقوله : { أُقْسِمُ } ، كأنه قال : أقسم قسما بمواقع النجوم . ثم اختلف في تأويل قوله : { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } على الوجهين اللذين ذكرناهما . وقال بعضهم : { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } أي : بمواقع نزول القرآن نجوماً ؛ دليله : ما ذكر على أثره : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } . والثاني : { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } النجوم المعروفة ؛ على ما قال بعضهم . ثم إن كان المراد منه : الكواكب ، فالقسم بها يكون على وجوه . أحدها : لعظم موقع النجوم ومحلها في القلوب ، وجليل قدرها عند الناس حتى يجعلها بعض الملحدة مدبرة العالم . أو لكثرة منافع الخلق بها من معرفة الطرق بها والسبل ، ومعرفة كثرة الأنواء والمياه ، ومعرفة الأوقات والأزمنة ، وغيرها مما يكثر ذكرها . أو { بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } أي : مساقطها ، وفي ذلك إخبار وإنباء عن شدة طاعة النجوم وتسخيره إياها للخلق ؛ حيث تملك قطع مسيرة خمسمائة يوم في ليلة واحدة ما لا يتوهم قطع ذلك من سواها من ذوي الأرواح والأجنحة التي هي أسرع لقطع المسافات والوصول إلى مقاصدها ، والله أعلم . ثم قال أهل التأويل بأجمعهم بأن القسم بها من الله تعالى . وجائز أن يكون القسم من الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن أضافه إلى نفسه ؛ تعلميا منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم برب هذه الأشياء ؛ وكذلك تعليما لغيره من الرسل القسم برب هذه الأشياء ؛ إذ لا تنازع بينهم وبين الله تعالى ؛ ليقسم وإنما وضع القسم لتأكيد الخبر عند الإنكار والتنازع ، ولكن التنازع فيما بينهم وبين الرسل ، وكذلك ما ذكر : { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ } [ المعارج : 40 ] ، ليس من الله تعالى ، ولكن من الرسول ؛ إذ لا يحتمل أن يكون الرب - عز وجل - هو المقسم ، ويقول : { بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ } [ المعارج : 40 ] ؛ فظاهره أن يكون الرسول هو المقسم بها ، فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . ومن الناس من قال : إن الأقسام التي جرى ذكرها في القرآن بالأشياء التي ذكرها لو لم يكن القسم بها ، لكانت تلك الأشياء تؤكد وتوجب القسم ، وتؤكد أن لو وقع بها القسم ؛ لأن الأقسام فيه إنما جرى أكثرها في إيجاب البعث والتوحيد ، وإثبات الرسالة ، ونحوها ، وما جرى ذكرها لو لم يكن القسم بها ، لكانت توجب ما يوجب القسم ؛ لأن في هذه الأشياء دلالات على البعث والتوحيد والرسالة ، والله الموفق . وقوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } على قول من يجعل القسم بالقرآن ، فهو ظاهر : أن يقول : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } ، أي : الذي أقسم به وأنزله نجوماً هو كريم . وعلى التأويل الذي يجعل القسم بالنجوم المعروفة ، يجعل قوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } ابتداء ذكر منه له . ثم تسميته القرآن : كريما ، يخرج على وجوه : أحدها : وصفه بالكرم ؛ لما هو محل لقضاء الحوائج الدنيوية والأخروية ، وفي العرف : الكريم : من نصب نفسه وأعدها لقضاء حوائج الخلق والقيام لإنجازها . أو وصفه بالكرم ؛ لأن من اتبعه ، كرم وشرف . أو كريم عند الله عظيم : لذلك وصفه بالكرم ، والله أعلم . وقوله : { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } قال أهل التأويل : في اللوح المحفوظ ؛ سماه مكنونا : لأنه مستور على خلقه عند الله . وقال - عز وجل - : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } يقول : لا يمس ذلك إلا المطهرون . وقال بعضهم : هم الملائكة الذين يجري ذلك على أيديهم ؛ كقوله تعالى : { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 15 - 16 ] طهروا من الذنوب والآثام ، وكأنه ذكر هذا ليأمنوا عن تحريف هذا الكتاب وتبديله ، وهو ما قال على أثره : { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : أنه مكنون عمن يحرفه ويبدله ، وأنه لا يمسه إلا المطهرون من الذنوب ، والتحريف : إثم وذنب من رب العالمين ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 - 194 ] ، وقال : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 5 ] ، أخبر أن الذي نزل به من السماء أمين ، لا يكون منه التحريف ولا التبديل ، وأنه قوي ، لا يقدر أحد من جني وإنسي أخذه من يده ، ولا تحريفه ، ثم تمام الأمن بقوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، وكل حفظه إلى نفسه ؛ لا إلى أحد من خلقه ؛ فصار محفوظا عن التبديل والتحريف ، والله أعلم . وقوله : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } قال بعضهم : أفبهذا القرآن أنتم كافرون ؟ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } الله تعالى جعل هذا القرآن حياة الدين وقوامه ، والرزق حياة الأبدان وما به قوامها ، فكذبوا الأمرين جميعا ، ما به حياة الدين والأبدان جميعا . ثم يخرج ما ذكر من تكذيب الرزق على وجوه : أحدها : ما ذكر بعض الناس أهل التأويل : أنهم كانوا يقولون : رزقنا بنوء كذا ؛ كانوا ينسبون الرزق لذلك النوء ؛ فهذا يخرج على قول المنجمة : إن النجوم هي مدبرة العالم ورازقتهم ؛ لا يجعلون لله تعالى في ذلك تدبيرا . فأما من ينسب الرزق إلى الله تعالى ، ويقول : رزقنا الله بنوء كذا ، فليس في ذلك تكذيبه ؛ إنما يخرج ذكر النوء ذكر سبب من الأسباب التي يرزق الله تعالى بها ، وكذلك من رأى الرزق من الأسباب خاصة ، وأما من يقول : رزقنا تعالى بسبب كذا ، فذلك جائز القول به . وقال بعضهم : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي : تجعلون شكر الرزق التكذيب ؛ وبه قال أبو عبيدة . وجائز أن يكون تكذيبهم الرزق : صرف تسمية الألوهية إلى غير الذي رزقهم ، والعبادة لغير المستحق لها ، والله أعلم . وقال الحسن : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } بئسما أخذ القوم لأنفسهم ؛ حتى لم يرزقوا من كتاب الله تعالى إلا التكذيب ؛ يقول : صار حظكم من القرآن التكذيب ، ويجعل هذه الآية مع الآية الأولى : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } . وقال أبو بكر الأصم في هذه الآية : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } ، وهو هذا القرآن الذي خصكم به دون آبائكم ، ورزقتم به ما لم يرزق آباؤكم منه ، ثم جعلتم تكذبون بذلك الرزق الذي خصصتم به ورزقتم ، أو كلام من نحوه ، وهو كقوله تعالى : { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ } [ الأنعام : 91 ] . وقال في قوله تعالى : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } : هو الذي يرى الموافقة ، ويحتال في دفع حجة ما يلزمه ويرد عليه ، أو كلام يشبه معناه هذا ، والله أعلم . وقال أبو معاذ : مُدَّهِن وَمُدْهِن لغتان ، ثم أصل المداهنة من المخادعة ، يقال : داهنته وادهنته . ثم الفرق بين المداهنة والمداراة كأن المداهنة ؛ لطمع له فيه مخادعة حتى يصل إلى ما يطمع ، والمداراة الشفقة ، يداريه إشفاقاً عليه ليتحقق له عليه الحق ؛ ليسلم له دينه ، وإلا هما الظاهر واحد ، وهما الملاينة وخفض الجناح ، لكن الفرق بينهما ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } ، ليس هذا الكلام صلة ما تقدم من الكلام . ثم يشبه أن يكون صلة ما قال أولئك للمؤمنين : { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } [ آل عمران : 156 ] ، يقول - والله أعلم - : لو كانوا عندكم لم يموتوا ولم يقتلوا على ما زعمتم ، فهلا إذا كانوا عندكم ؛ وقد بلغت الأرواح الحلقوم أن ترجعوها ، وتردوها إلى الأجساد التي كانت لو كنتم صادقين في قولكم : { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ … } الآية [ آل عمران : 156 ] ، على هذا جائز أن يخرج تأويل الآية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } يخرج على وجهين : أحدهما : { تَنظُرُونَ } أي : تنتظرون خروج الروح أنها متى تخرج ؟ لا تملكون ردها إلى حيث كانت ، ولكن تنتظرون خروجها متى تخرج ؟ والثاني : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } على حقيقة النظر ؛ أي : تنظرون إلى سلطاني وقدرتي . وقيل : هو من الانتظار ؛ أي : تنتظرون أن يحل بكم الموت ، [ و ] هو ما ذكرنا . وجائز أن يكون قوله : { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تشفع لهم في ضيق الحال ، وإنما يضيق الحال عليهم الأمر عند حلول الموت ؛ إذ لا بعث عندهم ، فيقول : فلولا إذا بلغت الأرواح الحلقوم فتنفع لهم الأصنام التي يعبدونها ، وترد الأرواح إلى المكان الذي كانت ، فإذا لم تملك ذلك فكيف عبدتموها ؟ والله أعلم . وقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } ، قال بعض أهل التأويل : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } أي : ملائكتي ورسلي في ذلك الوقت أقرب إليه منكم { وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } الملائكة ، لكن أضاف إلى نفسه ؛ لما أن الملائكة بأمره وتسليطه يعملون . وقيل : نحن أقرب إليه منكم ، أي : أولى به في ذلك الوقت ؛ لما يعلم هو خطأه ، ويتبين له الحق في ذلك الوقت من الباطل : { وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } أنتم ، أي : لا تعلمون ذلك ، والله أعلم . وقوله : { إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، قال بعضهم : { غَيْرَ مَدِينِينَ } أي : لو كنتم غير مملوكين لله تعالى على ما زعمتم ، ترجعون الأرواح ، وتردونها إلى الأجساد التي كانت فيها ؛ إن كنتم صادقين : أنكم غير مملوكين ، فإذا كنتم عندكم غير مملوكين ، تكونون مالكين ؛ إذ ليس إلا المملوك والمالك ، فإذا لم تكونوا مملوكين تكونون مالكين فتملكون ردها إلى ما فيها ، فإذا لم تملكوا كنتم مملوكين ، والله أعلم . وقال بعضهم : { غَيْرَ مَدِينِينَ } أي : غير محاسبين ولا مجزيين ، فردوا النشأة الأولى ، واجعلوها بأنفسكم حتى تكون النشأة الأولى حكمة ؛ إذ لم تملكوا رد هذه الأرواح إلى الأنفس ، أو اجعلوا النشأة الأولى حكمة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ … } إلى آخره ، اختلف في وقت ما ذكر [ و ] لمن ذكر ذلك ؟ قال بعضهم : إن ذلك يقال لهم عند الموت ؛ بشارة لهم بما يكون لهم في الجنة . ومنهم من يقول : إنما يقال ذلك إذا دخل هؤلاء الجنة ، وأولئك النار ؛ أعني : الكافرين ، وهو ما ذكر ، { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } . وجائز أن يكون يقال ذلك لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وصفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنده في الجنة ، ومكانهم لديه ، على ما كانوا عنده في الدنيا السابقين كانوا في الدنيا المقربين عنده ، ومكانهم لديه أقرب من مكان غيرهم من المؤمنين ؛ فعلى ذلك يخبر أن السابقين في الإجابة يكونون في الآخرة عنده أقرب ، ويكون قوله : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } أي : يستأنس هو بهم ويستأنسون به ، لا يفارقونه ولا يفارقهم ، على ما كانوا في الدنيا ، وسائر المؤمنين يسلمون عليه في أوقات ، وهو ما ذكر : و { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } على ما كانوا يفعلون في الدنيا ، وهو أقرب من الوجهين اللذين ذكرناهما . ويحتمل ما ذكروا من البشارة عند الموت - أعني للمؤمنين والكافرين - في حق المؤمنين : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } ، { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ … } كذا ، وفي حق الكفرة : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ … } الآية . ويحتمل [ ما ] ذكر بعضهم : أن ذلك يقال لهم بعدما دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } اختلف في تأويله وتلاوته : أما تلاوته : روي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف { فَرُوحٌ وريحان } تعني : بضم الراء . وعن الحسن : أنه قرأها بالضم أيضا . وعن الضحاك : بفتح الراء ، [ و ] عليه جميع القراء . وقال أبو عبيد : لولا كراهة خلاف الأمة ، وإلا ما قرأتها إلا بالضم ، ولكن لا أجد أحداً عليها ، فأستوحش من مفارقة الناس ، ولا يجمع الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الضلالة . وأما تأويله : فعلى قراءة الرفع ، عن الحسن قال : الروح : الرحمة ، والريحان : ريحاننا . وعن أبي عبيد قال : بالرفع : هو الحياة والبقاء . وعن الضحاك : بالفتح : الروح : الاستراحة ، والريحان : الرزق . وقال بعضهم : الروح : كناية عن دوام النعمة والسعة ، يقال : فلان في روح ؛ إذا كان في سعة ونعمة ، والريحان : كناية عن الشرف والمنزلة ، يقال : فلان ريحاني ؛ وذلك لشرفه ومنزلته عنده . ومنهم من قال : الروح : الراحة ، والريحان : الرزق في الجنة . وقال بعضهم : الروح - بالرفع - : من الرحمة ، وبالنصب : الراحة . ونحن نقول : جائز أن يكونا جميعا بالنصب والرفع من الرحمة ؛ لقوله : { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ، أي : من رحمته ، وقال في موضع آخر : { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [ المجادلة : 22 ] أي : برحمة منه ، يخبر الله تعالى أن المقربين يكونون في الجنة في رحمة الله ونعمته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } يحتمل ما وصفنا أن أصحاب اليمين يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحيي بعضهم بعضا بالسلام . ويحتمل { فَسَلاَمٌ لَّكَ } أي : السلامة لك منهم من جميع الآفات والأذى . وذكر في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - { فسلام إنك من أصحاب اليمين } ، فهذا إن ثبت فهو يخرج على البشارة له عند الموت ، والله أعلم . وقيل : يسلم عليهم الملائكة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } يقول : هذا الذي ذكرنا للمقربين ، ولأصحاب اليمين ، وللمكذبين هو حق اليقين ؛ أي كائن لا محالة ، لا شك فيه ؛ مثل هذا يقال على التأكيد وتحقيق ما سبق ذكره ووصفه . وقوله - عز وجل - : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } يقول - والله أعلم - فسبح ربك باسم لا يسمى به غيره ؛ أي : نزهه عن جميع ما قالت الملاحدة فيه من الولد والشريك ، وتسمية من دونه : إلها وغير ذلك ، والله الموفق للسداد وإليه المرجع والمآب .