Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 5-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } . قال بعض أهل الأدب : المحاد هو الذي يجعل نفسه في حد غير الحد الذي أمره الله ورسوله ، وكذلك قوله : يشاقون الله ، أي : يكونون في شق غير الشق الذي عليه رسول الله ، أو كلام نحوه . ومنهم من قال : حددته عن طريقه ، أي : عدلته عنه ، وبعضه قريب من بعض . وأصله ما ذكر : { يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، أي : يمانعون الناس ويزجرونهم عن الطريق ؛ لئلا يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ويتبعوه . وقوله - عز وجل - : { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . قيل : غلبوا وردوا بغير حاجتهم كما غلب ورد الذين كانوا من قبلهم . وقيل : أهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم . وقيل : أخزوا كما أخزي الذين كانوا من قبلهم . وكله قريب بعضه من بعض . ثم يخرج تأويله على وجهين : أحدهما : أي : كبت هؤلاء الذين منعوا الناس عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة ، كما كبت من قبلهم . أو كبت هؤلاء الذين مانعوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، كما كبت الذين مانعوهم عنه بمكة ؛ لأن هذه السورة مدنية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } . أي : آيات تبين حدود الله من غير حدوده ، أو ما يبين الحق من الباطل ، والرسول من غيره ، أو المحاد من غير المحاد . وقوله - عز وجل - : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } . أي : للكافرين كلهم عذاب يهينهم ؛ كما أهانوا المؤمنين . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } . أي : الأولين والآخرين ، والمحادين والموافقين . وقوله - عز وجل - : { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } . أي : ليبعثهم الله جميعاً ، فينبئهم بما عملوا من خير أو شر ، أحصى الله ما عملوا ، وإن طال ذلك أو كثر ، ونسوا هم تلك الأعمال . خرج هذا على الوعيد ، وفيه دلالة رسالته ؛ إذ أخبر أن الله - تعالى - يحصي ذلك عليهم ، وأنهم نسوا ؛ فلم يتهيأ لهم أن ينكروا عليه أنهم لم ينسوا ؛ دل أنه بالله علم ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . أي : على كل شيء من الإحصاء والحفظ وغير ذلك شهيد . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } . فإن كان هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فيه دلالة رسالته أن أطلعه على ما أسروا فيما بينهم من المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وتناجوا بينهم من الكيد والخداع ، أطلع الله - تعالى - رسوله على ذلك ؛ ليعلم أنه بالله علم ذلك . والثاني : بشارة له بالنصر والمعونة ، وهو كقوله - تعالى - لموسى وهارون - عليهما السلام - : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] ، أي : أسمع ما يقول لكما وما يجيب ، أو أرى ما قصد بكما ، وأدفع عنكما ما قصد بكما ؛ فعلى ذلك ما ذكر له : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } : فيطلعك على ما هموا بك وأسروا فيك ، فينصرك ويدفع عنك كيدهم . وجائز أن يكون الخطاب ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ ولكن لكل في نفسه ؛ فيصير كأنه قال : ألم تر إلى عجائب ما أنشأ من السماوات والأرض قبل إنشاء أهلها فيهما ، فإذا رأيت عجائب ما أنشأ من السماوات والأرض وأهلهما ، وعلمت ذلك فاعلم أنه بما يكون من نجواهم ، فيما ذكر عالم ؛ فيخرج على التنبيه والزجر عن الإسرار والنجوى . ثم قوله : { رَابِعُهُمْ } ، و { سَادِسُهُمْ } ، و { مَعَهُمْ } ونحوه يجب أن ينظر إلى المقدم من الكلام ؛ فيصرف قوله : { هُوَ مَعَهُمْ } إلى ذلك ، نحو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ النحل : 128 ] ، و { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت : 69 ] ونحوه - يكون معهم في التوفيق والمعونة لهم والنصر ؛ فعلى ذلك ما ذكر من قوله : هو معهم في النجوى وما أسروا فيما بينهم ، أي : شاهد معهم حافظ عليهم ، يدفع عنكم كيدهم ومكرهم وينصركم ، والله أعلم . وقوله : { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . أي : ينبئهم بما تناجوا وأسروا من الكيد يوم القيامة . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } . هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اعلم أن الذين نهوا عن النجوى ، { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ … } الآية . وفيه دلالة إثبات الرسالة ؛ لأنه أخبر أنهم عادوا إلى ما نهوا عنه وهو النجوى ، ومعلوم أنهم لا يعودون إلى ما نهوا عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عند غيبة منهم ؛ دل أنه بالله علم . ثم اختلف في سبب تلك النجوى : قال بعضهم : إنه كان بين اليهود وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة ، فإذا [ وجد ] رجل من المسلمين وحده يتناجون بقتله بينهم ، [ أو ] يظن المسلم أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره ؛ فيترك الطريق من المخافة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن النجوى ، فلم ينتهوا ، وعادوا إلى النجوى ؛ فنزل ما ذكر . ومنهم من قال : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أناس من اليهود وأناس من المنافقين يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون نحو واحد منهم ، فإذا رآهم ينظرون نحوه ، قال : ما أظن هؤلاء إلا قد بلغهم خبر أقربائي الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرايا من قتل أو موت ؛ فيقع في قلبه من ذلك ما يحزنه ، فلا يزال كذلك حتى يقدم حميمه من تلك السرية . لكن الأولى عندنا السكوت عن ذكر هذا وأمثاله ؛ لأنه خرج مخرج الاحتجاج وجعله آية عليهم ؛ فيجوز أن يكون على خلاف ما ذكر ؛ فيوجب الكذب في الخبر ؛ فالإمساك عنه أحق . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } . ذكر أنهم كانوا إذا أتوا رسول الله يقولون : السام عليك يا محمد ؛ فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عليهم ويقول : عليكم . ففيه دلالة رسالته ؛ لأنهم حيوه شرّاً منه ، فأطلعه الله - تعالى - على ما أسروا ، وكذلك ما قال : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ } : هلا يعذبنا الله بما نقول في السر فيه دلالة الرسالة ؛ لأنه معلوم أنهم قالوا ذلك سرا في أنفسهم ، فأطلع الله - تعالى - رسوله على ما في أنفسهم ، ففيه أنه بالله - تعالى - عرف [ ذلك ] . ثم قوله - عز وجل - خبرا عنهم : { لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } . جائز أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وعيد بالتعذيب ؛ لأجل التناجي الذي كان فلما تأخر ذلك عنهم قالوا عند ذلك : إنه لو كان رسولاً على ما يقوله لعذبنا على ما قال ووعد ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان وعد لهم العذاب لم يبين متى يعذبون ، فعذابهم ما ذكر حيث قال : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قولهم : { لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } إنما قالوا ذلك عند رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بما حيوه حين قال : " وعليكم " يقولون : إنه دعا علينا بقوله : " وعليكم " ، فإن كان رسولا لأجيب دعاؤه الذي دعا علينا ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع عليهم ؛ إنما رد قولهم عليهم ردّاً ، والله أعلم .