Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 22-24)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } . فمن الناس من يقول : إن قوله : { هُوَ } من أرفع أسماء الله - تعالى - وذكر عن بعض أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بقوله : يا هو ، يا من لا إله إلا هو ، تأويل هذا الكلام : أن كل شيء بهويته كان . وقوله : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } ، قيل فيه بوجوه ثلاثة : أحدها : أنه عالم بما غاب عن الخلق وبما شهدوا . والثاني : بما قد كان وبما يكون . والثالث : أنه عليم بما قد كان ويعلمه أن كيف يكون إذا كان . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } فهما اسمان مشتقان من الرحمة ، وفي هذه الآية بيان وجوه أربعة : أحدها : فيها بيان التوحيد ، وهو قوله : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اسم المعبود : أن كل معبود دونه باطل . والثاني : أن فيها تنبيهاً وتحذيراً بأن يتذكر الإنسان في جميع أحواله اطلاع الله - تعالى - عليه ، وعلمه فيه ، وذلك من قوله : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . والثالث : فيها ترغيب في رحمته وإخبار لهم : أن كل نعمة لهم في الدنيا والآخرة من الله تعالى ؛ إذ هو - عز وجل - : { ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } . والرابع : ما ذكرنا في قوله : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ … } الآية : { ٱلْمَلِكُ } من الملك ، أي : ملك كل شيء له ، ليس لأحد سواه حقيقة الملك ، { ٱلْقُدُّوسُ } قيل فيه بوجهين : قال بعضهم : القدوس هو المبارك ، والبركة اسم كل خير ، أي : منه جميع الخيرات ، لكن لا يجوز أن يقال لله - تعالى - : يا مبارك ، وإن كان المعنى منه يؤدي إلى أن يأتي منه كل خير ؛ لأنه لا يعرف في أسمائه هذا بالنقل ، وعلينا أن نسكت عن تسميته بما لم يسم نفسه بذلك ؛ لذلك قلنا بأنه لا يجوز التسمي بالمبارك ، والله الموفق . والثاني : القدوس هو الطاهر ، يعني : هو مقدس عما قالت الملاحدة والكفرة فيه من الولد والشريك . وقوله - عز وجل - : { ٱلسَّلاَمُ } . اختلف في تأويله منهم من قال : سمى نفسه : سلاماً ؛ لما هو سالم عن الآفات ، وغيره من المخلوقين لا يسلمون من حلول الآفات بهم . وقال آخرون : سمى نفسه : سلاماً ؛ لما سلم المؤمنون من عذابه . والتأويل الأول أقرب . وقوله : { ٱلْمُؤْمِنُ } ، اختلف الناس في تأويله : قال قائلون : هو الأمان : أن يؤمن المؤمنين من العذاب ، ولا يمكن لأحد أن يؤمن أحداً من عذابه . وقال قائلون : أصله من الإيمان : وهو التصديق ، ثم ذلك يتوجه إلى وجهين : أحدهما : أي : مصدق القول بما وعد للمؤمنين الجنة . والثاني : المؤمن هو المصدق لما قال المؤمنون المصدقون من تصديقهم ، فيصدقهم بما قالوا . ومن الناس من قال : سمى نفسه بما أخبر أن هذا القرآن لما بين يديه مصدق . وقوله - عز وجل - : { ٱلْمُهَيْمِنُ } اختلف فيه - أيضاً - : قال قائلون : المهيمن هو الأمين . وقال قائلون : المهيمن هو المسلط . وقال قائلون : المهيمن هو الشاهد . فمن قال بالأول فإنه يذهب إلى أن أصل ذلك من المؤتمن ، وهو من الأمانة ، وإلى هذا التأويل يذهب القتبي ، أي : أمين في كل ما يقول ، وفي كل ما يفعل لا يجور . ومن قال بأنه هو المسلط ، أصله من : هيمن يهيمن ، أي : سلط يسلط ، سئل عن تأويل المسلط ؛ فقال : هو كالظاهر ؛ إذ قهر العباد كلهم ، وهم ملك له . ومن فسره بالشاهد فإنه يحتمل تأويلين : أحدهما : أي : شاهد على أفعال العباد من حيث لا يغيب عنه شيء . والثاني : أي : شاهد بما أنزل على رسوله بالصدق ، وهو كقوله - تعالى - : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة : 48 ] ، أي : شاهداً عليه . وقوله : { ٱلْعَزِيزُ } . أي : ما من عزيز دونه إلا وهو ذليل . وقوله - عز وجل - : { ٱلْجَبَّارُ } ، قيل فيه بوجهين : أحدهما : سمى نفسه : الجبار ؛ لأنه هو المجبر لكل كبير . فقال قائلون : سمى نفسه : [ الجبار ] ؛ لجبروته وعظمته ، ولا يجوز لأحد أن يسمى بذلك الاسم إلا هو أي : الله تعالى وتجبر عن أن يكون له أمثال وأشكال . وقوله - عز وجل - : { ٱلْمُتَكَبِّرُ } . من الكبرياء والعظمة ، هذا الاسم لا يليق بغيره ؛ لأن الخلق بعضهم لبعض أكفاء في الخلقة ؛ فلا فضل لأحد على آخر ، فلما استووا لم يجز لأحد على آخر التكبر ؛ فصار الحق في ذلك لله تعالى ، والتكبر على الآخر هو الارتفاع ، والأصل فيه واحد ، وهو ألا يرى لنفسه شكلا ، والله أعلم . إنما سمى نفسه : متكبراً ؛ إذ هو المتكبر لذاته لم يكن تكبره بغيره ؛ فلذلك قلنا : إنه لا يستحق أحد من الخلائق التكبر إلا الله - تعالى - إذ لم يكن أحد [ له ] شكلا ولا ضدا ولا ندّاً ، وأما غيره من الخلائق فكل واحد منهم بالذي له شكل . وقوله - عز وجل - : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . فيه تنزيه لله - تعالى - عما قالت الملاحدة فيه ، فهذا اسم سمى به نفسه ، وأمر الملائكة والأنبياء والمؤمنين أن يقولوا ذلك ، ومعنى قوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } ، أي : معاذ الله أن يكون ذلك على ما قالت الكفرة ، وسمى نفسه : جباراً ؛ لما أنه يجبر الأشياء فيجعلها على ما يشاء ، وهو كقوله : { يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } [ آل عمران : 6 ] على ما يريد هو الأشياء ، لا على ما يريده غيره . قال [ الشيخ ] - رحمه الله - : إن الله - تعالى - يتعالى بمعان أربعة : أحدها : تعاليه عن الظلم والجور وجميع ما لا يليق . والثاني : تعاليه على الأشياء كلها بقهره لها وتصريفه إياها على ما يشاء ، أي : ليس أحد يقهره ، بل هو يقهر الخلائق . والثالث : تعاليه عن أن تمسه الحاجة والآفة وكل من هو دونه لا يخلو عن ذلك . والرابع : تعاليه عما قال الظالمون فيه من الولد والأضداد والأشكال والأنداد ، وتعاليه عن جميع الآفات التي تصيب الخلق ، والله المستعان . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } . فالخالق والبارئ واحد ، ويقال : برأ ، أي : خلق ، والبرية هي الخلق ، ويقال : سميت البرية : برية ؛ لأنه خلق من التراب إذ البري من التراب . وقوله : { ٱلْمُصَوِّرُ } ، والمصور هو الذي يعطي كل شيء صورته ، فيصوره على ما هو ، فالتصوير هو بيان الحدود ، وهو قول الناس : صورت الأمر عند فلان ؛ أي : حددته . وقوله : { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } . أي : الأمثال العلا ، وهي الصفات ؛ إذ الصفة ترجع إلى وجهين : إلى الصفة مرة ، وإلى التشبيه مرة أخرى ، فإذا رجع إلى الصفة فإنه يرجع إلى حقيقة ذلك ، وإن رجع إلى التشبيه فإنه لا يرجع إلى حقيقة ذلك . ثم قوله : { ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } ، أي : الصفات العلا ، أي : لا يسمى بذلك إلا هو ؛ إذ لا يقال لغيره : الرب ، ولا الرحمن ، ولا المالك إلا أن يضاف ذلك إلى شيء ، فأما على الإطلاق فلا يطلق ذلك إلا له جل وعلا . ويحتمل وجهاً آخر : أي : لا شبيه له في أسمائه وألا يشركه أحد في تلك الأسماء ؛ بل هي [ له ] خاصة ، والله المستعان .