Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 104-108)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } . قيل : بينات من ربكم . وقيل البصائر الهدى ، بصائر في قلوبهم ، وليست ببصائر الرءوس وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وقيل : بصائر ، أي : بيان ، وهو واحد . وقيل : بصائر شواهد ، أي قد جاءكم من الله شواهد تدلكم على ألوهيته ، وهو كقوله تعالى : { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [ القيامة : 14 ] ، أي : بل الإنسان من نفسه بصيرة ، أي : شاهدة ؛ فشهدت كل جارحة منهم على وحدانية الله وألوهيته . ألا ترى أنه قال : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] ؛ هذا - والله أعلم - لأنهم كانوا يقلدون آباءهم في عبادة الأوثان والأصنام ، ويقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ؛ فيقول : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } من الآيات والرسل ما لو اتبعتموهم ، لكانوا لكم شفعاء عند الله . والثاني : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ } : ما لو تفكروا وتدبروا ونظروا فيها ، لعرفوا أنها بصائر من الله ؛ لأن البشر أنشئوا بحيث ينظرون في العجيب من الأشياء ؛ فكانوا على أمرين : منهم من نظر وتفكر وعرف أنها بصائر ، لكنه عاند وكابر ولم يعمل بها ، ومنهم من ترك النظر فيها ؛ فعمي عنها ، ما لو تفكروا ونظروا لتبين لهم . وقوله - عز وجل - : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } . أي : أبصر الحق والهدى وعمل به ، فلنفسه عمل ، ومن أبصر وعمي عنها - أي : ترك العمل - فعليها ترك ؛ كقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] . فإن قيل : ذكر في آية أخرى : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] ، أخبر أن من هلك هلك عن بينة ، ومن حي حي عن بينة ، وهاهنا يقول : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } : ذكر عمي عليها ؛ فكيف وجه التوفيق [ بينهما ] ؟ ! قيل : يحتمل قوله : { عَمِيَ } بعد ما تبين له ، فترك العمل به ؛ فعليها ذلك ؛ لأنه أبصرها ، وعرف أنها من الله ، لكنه عاندها وكابرها . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } . أي : قد جاءكم بصائر من ربكم ، فليس علينا إلا التبليغ ؛ كقوله : { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [ المائدة : 99 ] . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } . أي : نردّها في الوجوه التي تتبين لقوم يطلبون البيان . أو نقول { نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } ، أي : نضع كل آية ونصرفها إلى الوجوه التي تكون بالخلق إليها حاجة . وقوله - عز وجل - : { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } . فيه لغات : درست ، ودارست . ودرست : قرأت ، ودارست : تعلمت . وقيل : دارست أهل الكتاب : جادلتهم ، ودرست بالجزم ، [ قيل : تعاونت ] فهذا الاختلاف فيه ؛ لاختلاف قول كان من الكفرة لرسول الله ؛ منهم من يقول : [ { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] فهو تأويل دارست ، ومنهم من يقول : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنعام : 25 ] فهو تأويل قوله : درست ، ومنه من يقول ] : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، وهو تأويل درست ؛ فعلى اختلاف أقاويلهم خرجت القراءة . ثم اختلف في تأويل قوله - تعالى - : { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } [ قال بعضهم : لئلا يقولوا درست ] فهو صلة قوله : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } [ لئلا ] ؛ يقولوا : درست . وقال الحسن قوله : { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } ، أي : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } ؛ ليقولوا درست ؛ لأن من قوله : إنه بعث الرسل ، وأنزل الكتب ؛ ليكون من الكافر قول كفر ، ومن المؤمن قول إيمان . وقوله - عز وجل - : { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } . يخرج - والله أعلم - على [ معنى ] التعجب : يعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن قبح صنيع الكفرة وسوء معاملتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءهم بصائر من ربهم وبينات وحجج ، ثم هم بعد هذا كله يستقبلونه بالرد والتكذيب . وهو على ما قلنا : إن الله ذكر نعمه عليهم بما أنشأ لهم : من الأنعام ، والجنات المعروشات ، والزرع ، والنخيل ، وما أخبر عنه ، وقد علموا ذلك كله ، ثم جعلوا له بعد معرفتهم هذا { شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 100 ] ، ولا بينة ؛ فهو على التعجب أنهم كيف جعلوا له شركاء ، وقد علموا أن الذي جعل هذا كله لهم هو الله ؟ ! فعلى ذلك هذه الآية أنهم كيف قذفوه بالدراسة ، وقد تبين لهم صدقه ، وأنه من عند الله بالآيات والدلائل ، وبما كان لا يخط كتابا ، ولا شهدوه يختلف إلى من عنده علم ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . أي : لنبينه يعني القرآن ، وقيل البصائر التي ذكر لقوم ينتفعون بعلمهم . وقوله - عز وجل - : { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } . فإن قيل : ما معنى قوله : { مِن رَّبِّكَ } ، وإنما أوحي إليه من ربّه ، ويكفي قوله : { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ } ؟ ! ولكن معناه على الإضمار - والله أعلم - كأنه قال للذي أوحى إليه على يديه : قل { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، ثم أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه من ربه ، أي : اعمل بما أوحى إليك . ثم الأمر بالعمل يحتمل وجهين : يحتمل : الأمر بالاعتقاد بذلك . ويحتمل : نفس العمل ، أي : اعمل . ويشبه أن يكون الأمر بالاتباع ما أوحى إليه صدقاً في الخبر وعدلا في الحكم ؛ كقوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [ الأنعام : 115 ] . قيل : صدقاً في الأخبار ، وعدلا في الأحكام ؛ فعلى ذلك أمكن أن يكون الأمر بالاتباع اتباع ما أوحي إليه صدقاً في الأخبار ، وعدلا في الأحكام ، ثم على ما أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه وأنزل من ربه أمر أمته كذلك ، وهو قوله : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [ الأعراف : 3 ] أمرهم باتباع ما أنزل إليهم من ربهم ، ونهاهم عن اتباع من اتخذوا من دونه أولياء ؛ فعلى ما نهاهم عن اتخاذ أولياء دونه قال في الآية التي أمر رسوله باتباع ما أوحي إليه من ربه ؛ فقال : { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . وقوله - عز وجل - : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وقوله : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [ الأعراف : 3 ] واحد ؛ لأنه أمر باتباع ما أوحى إليه من ربه ، ونهى أن يتبع دونه أولياء ؛ لأنه أخبر أن لا إله إلا هو . وقوله - عز وجل - : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } . يحتمل : أمره بالإعراض عن المشركين وجوهاً : يحتمل ألا تكافئهم على أذاهم ؛ ولكن اصبر ، ويحتمل الأمر بالإعراض عنهم : النهي عن قتالهم ؛ كأنه نهى عن قتالهم في وقت . ويحتمل أن تكون الآية في قوم خاصة ، قال : أعرض عنهم ؛ فإنهم لا يؤمنون ، ولا تقم عليهم الآيات والحجج ؛ لما علم منهم أنهم لا يؤمنون ، ثم على ما أمر نبيه بالإعراض عنهم أمر المؤمنين - أيضاً - بالإعراض عنهم ، وهو قوله : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } . قالت المعتزلة : المشيئة هاهنا مشيئة قهر وجبر ، أي : لو شاء الله لأعجزهم ومنعهم عن الشرك على دفع الابتلاء والامتحان . وأما عندنا : المشيئة : مشيئة اختيار ، والطوع على قيام الابتلاء والامتحان ، وبعد : فإن مشيئة الجبر هي خلقه ، وقد كانوا جميعاً غير مشركين بالخلقة ؛ فلا معنى لتأويلهم الذي تأولوا في المشيئة . ثم لا يحتمل أن يكون قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } مشيئة قهر وجبر ؛ لأنه لا يكون في حال الجبر والقهر إيمان ولا كفر ؛ إنما يكون ذلك في حال الاختيار والطوع ؛ لأن الجبر والقهر يمنع من أن يكون له فعل حقيقة ؛ بل يتحول الفعل عنه ويسقط ، ويثبت للذي جبر وقهر ؛ وذلك بعيد ؛ فدل أنه ما ذكرنا ، وبالله الرشاد . وفي قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } دلالة أن طريق الإسلام الإفضال والإنعام ، ولله أن يخص به من كان أهلا للإفضال والإنعام باللطائف التي عنده ، ويحرم [ بعضاً ] ذلك ، وله أن يجعل بعضهم أهلا لذلك ؛ إفضالا منه ، ولا يجعل البعض ؛ عدلا منه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } . أي : لم يؤخذ عليك حفظ أعمالهم ، أو لا تسأل أنت عن صنيعهم ؛ إنما عليك التبليغ ، وهو كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] ، [ و ] كقوله - تعالى - : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] ، ونحوه . وقيل : الحفيظ والوكيل : واحد ، وقيل : الوكيل هو الكفيل ، وقد ذكرناه في غير موضع فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } . نهانا الله - عز وجل - عن سبّ من يستحق السبّ ؛ مخافة سبّ من لا يستحق [ السبّ ] . فإن قيل : كيف نهانا عن سب من يستحق السب ؛ مخافة سبّ من لا يستحق ، وقد أمرنا بقتالهم ، وإذا قاتلناهم قاتلونا ، [ وقتل ] المؤمن بغير حق من المناكير ، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة والتلاوة عليهم ، وإن كانوا يستقبلونه بالتكذيب ؟ ! قيل : إن السبّ لأولئك [ مباح ] غير مفروض ، والقتال معهم فرض ، وكذلك التبليغ فرض يبلغ إليهم ، وإن كانوا ينكرون ما يبلغهم ، وكذلك القتال نقاتلهم ، وإن كان في ذلك إهلاك أنفسنا وأصله أن ما خرج الأمر به مخرج الإباحة فإنه ينهى عما يتولد منه ويحدث ، وما كان الأمر به أمر فرض ولزوم لا ينهى عن المتولد منه والحادث . ويجوز أن يستدل بهذا على تأييد مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - في قوله : إن [ من ] قطع يد آخر بقصاص فمات في ذلك أخذ بالدية ، وإذا قطع اليد بحدّ لزمه فمات ، لم يؤخذ بها ؛ لأنه أبيح له قطع يده ، والقصاص لم يفرض عليه ، وفي الحدّ ، تلزم إقامة الحد لله ، فإذا كان قيامه بفعل أبيح له الفعل ، ينهى عما يتولد منه ، ويؤخذ به ؛ وإذا كان قيامه بفعل فرض عليه ، لم يؤخذ بما تولد منه ؛ وعلى هذا يخرج قوله في الأمر بالختان إذا تولد من ذلك الموت ؛ لأنه أمر بإقامة السنة ، وكذلك الأمر بالحجامة ؛ لأنه يفرض عليه الحجامة في حال إذا خاف عليه الهلاك ؛ إذا لم يحتجم وأما الأمر بالدق وغيره مما يشاكله : فهو - أمر إباحة ، لا أمر إلزام ؛ لذلك ضمن ما تولد منه ؛ فعلى ذلك السبّ الذي يسب آلهتهم إذا حملهم ذلك على سبّ الله - عز وجل - وسبّ رسوله لا يسبون ، وإن كانوا مستحقين لذلك ؛ لأنه قد ينهى الرجل أن يعود نفسه السبّ ؛ فعلى ذلك يجوز أن ينهوا عن سبّ آلهتهم ؛ مخافة الاعتياد لذلك نهوا عن سبّ آلهتهم . ثم ذكر في القصّة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسبون آلهتهم فيسبون الله ؛ عدوا بغير علم ؛ وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم بسوء ؛ فقالوا : لتنتهين عن ذلك أو لنهجون ربك . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - وذلك حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] الآية ، فقالوا عند ذلك ما قالوا ؛ فنزل : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } ، ولكن لا ندري كيف كانت القصة ، ولكن فيه ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } . قال الكيساني وأبو عوسجة : { عَدْواً } : من الاعتداء ، وهو مجاوزة الحد . وقال أبو عمرو : ( عدوٌ ) : بالرفع ، وقال : إنما العدو من عدو الرجلين ؛ وكذلك قال في يونس : { وَعَدْواً } [ يونس : 90 ] . وقيل : فلما نزل قوله : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ } الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لأصحابه ] : " لا تسبوا ربكم فأمسكوا عن سبّ آلهتهم " . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } . قال أبو بكر الكيساني : إن صلة قوله : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } أنهم كانوا يعبدون هذه الأصنام والأوثان ؛ رجاء أن تقرب عبادتهم إياها إلى الله ؛ لا أنهم كانوا يعبدونها ويتخذونها آلهة دون الله ؛ فإذا سبّوا معبودهم فكأنهم سبوا الله عدواً بغير علم ؛ إذ العبادة في الحقيقة لله ، فيرجع سبّهم إياها إلى الله ؛ لذلك كان معنى السبّ فقال ؛ فعلى ذلك رجع قوله : { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } ؛ حتى امتنعوا عن سبّ [ الله ] ، فذلك الذي زين عليهم . وقال الحسن : قوله : { زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } ، أي : زينا عليهم أعمالهم فيما أمروا به ، وفرض ويجب عليهم أن يفعلوا ، لا فيما لا يفرض ولا يحل لهم أن يفعلوا . وكذلك يقول جعفر بن حرب والكعبي وغيرهما من المعتزلة : إنه زين عليهم عملهم الذي فرض عليهم أن يعملوا ويأتوا به ، وأما ما لا ينبغي أن يقولوا فلا ؛ كقوله : { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } [ الحجرات : 7 ] الآية ذكر في الإيمان : التزيين ، وفي الكفر : التكريه ، ويقولون : إنه أضاف التزيين إلى الشيطان بقوله : { زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ الأنفال : 48 ] وقوله : { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 25 ] والشيطان يزين لهم المعاصي والفسوق ؛ فلا يحتمل أن يكون الله يزين لهم ما يزين الشيطان ؛ فدل أنه إنما يزين لهم ما يؤمرون به ويفرض عليهم ، ولكن يضاف إليه التزيين ما أضيف إليه حرف الإضلال والإغواء . وأما عندنا : فالتزيين على وجهين : تزيين في العقول ، وهو تحسين من طريق الآيات والبراهين ، فذلك لا يحتمل فعل الكفر والضلال أن يكون مزيناً من جهة الآيات والحجج . والثاني : تزيين في الطباع : بالشهوات ، والأماني ، وفعل كل أحد مزين بالشهوة والحاجة التي مكنت فيه ، ولا شك أن كل كافر لو سئل عن فعله الكفر والضلال ؛ فيقول : هذا الذين زين لي ، وليس إضافة فعل التزيين إلى الله بأكبر وأبعد من إضافة الإضلال والإغواء ، وقد ذكرنا معنى إضافة الإضلال والإغواء إليه في غير موضع ؛ فعلى ذلك التزيين . ويقولون - أيضاً - : إن التزيين : تزيين وعد وثواب ؛ فالكافر متى يؤمن بالوعد في الآخرة والثواب فيها ، وهو ليس يؤمن [ بالآخرة ] ، فهذا بعيد . ولا يحتمل ما قال الكيساني - أيضاً - لأنه لا كل الكفرة كانوا يعبدون الأصنام ؛ ليقربهم ذلك إلى الله زلفى ؛ بل أكثرهم لا [ يعرفون ] أن لهم خالقاً وربّاً . وتحتمل إضافة التزيين إلى الشيطان على جهة التمني والتشهي ؛ كقوله : { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] وإضافته إلى الله على القدرة عليه والسلطان ، أو أن يخلق أعمالهم مزينة عندهم مسولة . وإضافة فعل الضلال والغواية إلى الشيطان على الدعاء إليه والترغيب فيه ، وإضافته إلى الله على أن يخلق فعل الضلال منهم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } . قد ذكرناه . { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . في جزيل الثواب ، أو في أليم العذاب ؛ فهو على الوعيد .