Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-117)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } : كان أولئك الكفرة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حكم يحكم بينهم في منازعة وقعت بينهم ؛ إما في الرسالة وإما في الكتاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفغير الله أبتغي حكما " ثم بين فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } كيف أبتغي حكما غير الله وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ، ما تعلمون أنه من عند الله نزل عجز الخلائق عن إتيان مثله . ثم اختلف في قوله : { مُفَصَّلاً } [ قيل مفصلاً ] بالحجج والبراهين ما يعرف كل عاقل لم يكابر عقله أنه من عند الله نزل . وقيل : مفصلا بالأمر ، والنهي ، والتحليل ، والتحريم ، فيقول [ كيف ] أبتغي حكما غير ما أنزل الله ، وقد أنزل كتاباً مفصلا مبيناً ، [ فيه ما يحل وما يحرم ، وما يؤتى وما يتقى ، فلا حاجة تقع إلى غير الله . وقيل : مفصلاً بالوعد والوعيد وما يكون له عاقبة ؛ لأن العمل الذي يكون للعاقبة يكون فيه وعد ووعيد ] . وقيل : مفصلا مفرقاً ؛ أي : أنزله بالتفاريق لم ينزله مجموعاً جملة ، ما يقع بمسامع كل أحد علم بذلك وبيانه ، فأنى تقع بي الحاجة إلى حكم غيره . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } اختلف فيه : قيل : الذين آتيناهم الكتاب أي : أهل التوراة ، والإنجيل يعلمون أنه منزل من ربك بالحق . وقيل : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } ؛ يعني : من أعطى هذا الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ؛ لما عجزوا عن إتيان مثله وتأليفه . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } . يحتمل : [ لا تكونن من الممترين ] : أنهم قد غيروا ما في كتابهم من الأحكام ومن نعتك وصفتك . ويحتمل : فلا تكونن من الممترين : أنه من عند الله نزل ، مع علمه أن رسوله لا يكون من الممترين ؛ ليعلم الخلق أنه إذا نهى رسوله عن مثل هذا ، فغيره أحق . أو أن يخاطب من طلب حكم غيره ، ويقول : لا تكونن من الممترين أنه من عند الله نزل . وقوله - عز وجل - : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } . قيل : صدقا في الأنباء والوعد ، وعدلا في الأحكام . تمت أنباؤه بالصدق وأحكامه بالعدل ؛ حتى يعرف كل أحد صدق أنبائه وعدلَ أحكامه . وقيل : وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا بالحجج والبراهين ؛ لما يعرف كل من تأمل فيها ونظر صدقها وعدلها : أنها من الله . وقوله - عز وجل - : { لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ } هذا تفسيرُ التمام : أنها تمت تماماً لا يردُ عليها النقص ولا الجور ولا الخلف ، ليس ككلمات الخلقِ ؛ أنها تبدل وتنقص وتمنع ؛ لما يكون فيها من النقصان والفساد ، فإنها تبدل وتنقص ويعجزون عن وفاء ما وعدوا ، ويمنعون عن ذلك ، فالله يتعالى عن أن يبدل كلماته ، أو يمنع عن وفاء ما وعد وأنبأ ؛ إذ يجوز في حكمه . ويجوز أن يستدل بقوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } لقول أصحابنا ؛ حيث قالوا : من قال لامرأته : ( أنت طالق أتم الطلاق وأعدل الطلاق ) فإنه يقع بما وافق السنة ، ليس يرجع ذلك إلى [ التمام وإلى ] العدد ؛ لأنه أخبر أن تمت كلمته صدقاً وعدلا ، والموافق للسنة هو الحق وهو العدل . ويحتمل الاستبدال لكلماته { لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ } أي : لا مبدل لوعده ووعيده ؛ يكونُ ما وعد وأوعد . ويحتمل : لا مبدل لحججه وبراهينه . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } أي : السميع بما ألقى الشياطين وأوحى بعضهم إلى بعض { ٱلْعَلِيمُ } بأفعال هؤلاء وإجابتهم إياهم وأهل التأويل يصرفونه إلى خاص من القول ؛ وبعضهم يقولون : إن قوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } هو قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . وقال آخرون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه أهل الكفر إلى عبادة الأوثان . ولكن هو يرجع - والله أعلم - إلى كل نبأ ووعد ووعيد وكل خبر يخبر . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } في الآية دلالة أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا ، [ وعباد الأوثان ، والأصنام ] ؛ لأنه قال : { أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } . وقوله - عز وجل - : { يُضِلُّوكَ } لأنهم إلى الضلال كانوا يدعونه . ثم الخطاب وإن كان لرسول الله في الظاهر ، فهو لكل مؤمن ؛ إذ معلوم أن رسوله لا يطيعهم فيما [ يدعونه إلى عبادة الأوثان في الأرض ] . وفيه أن في الأرض كان من يعبد الله وكان على دين الأنبياء والرسل . وقوله : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ذكر في القصة أن أهل الكفر دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الأوثان ، ويقولون : إنهم يعبدون الله في الحقيقة ؛ كقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ويقولون { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] كأنهم يعبدون الأوثان ويرتكبون الفواحش ويقولون الله أمرنا بها فأخبر رسوله : أنك لو أطعت هؤلاء إلى ما يدعونك من عبادة هذه الأصنام [ أضلوك عن سبيل الله ؛ لأنهم لا يعبدون هذه الأصنام ] إلا ظنّاً يظنون ؛ كقوله : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي : ( ما يتبعون إلا الظن ) { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ما هم إلا يكذبون على الله في قولهم : إن ذلك يقربهم إلى الله زلفى ، وقولهم : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } يعلم من يزيغ ويضل عن سبيله { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } ، ويعلم من يهتدي به . وفي قوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ } . دلالة [ على أنه ] على علم منه بالضلال والتكذيب بعث الرسل إليهم وأرسل الكتب ، لا عن جهل منه ، لكن صار بعث ما بعث من الرسل والكتب إليهم حكمة على علم منه بما يكون منهم ؛ لأنه إنما يبعث لمكان المرسل إليهم ولحاجتهم .