Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 118-121)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } صرف أهل التأويل الآية إلى أهل الكفر وقالوا : ما بالكم تأكلون ذبائحكم التي ذبحتم ولا تأكلوا ما ذبح الله وذكاه صرفوا الخطاب به إلى أهل الشرك . والأشبه أن يصرف الخطاب [ به ] إلى أهل الإسلام ؛ لأنه ذكر في آخره { إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [ ومثل هذا لا يذكر في أهل الشرك إنما ذكر لخطاب أهل الإسلام ، كقوله : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ البقرة : 228 ] وقوله : { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] ونحوه من الآيات . فعلى ذلك : الأشبه أن يصرف الخطاب بها إلى أهل الإسلام ؛ كأنَّ قوماً من أهل الإسلام منعوا أنفسهم عن التناول من هذه الذبائح واللحوم ، فنهوا عن ذلك ؛ [ من ] نحو ما روي في بعض القصة : " أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا أن يخصوا أنفسهم وألا يعطوا أنفسهم شهواتهم وألا [ يتناولوا شيئاً ] من الطيبات ، فنهوا عن ذلك . وقيل : فيهم نزل قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة : 87 ] فيشبه أن يكون قوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 118 ] فيهم أو لما علم أن قوماً من المتقشفة والمتزهدة يحرمون ذلك على أنفسهم ، فنهوا عن ذلك . فإن كان ما قال أهل التأويل فهو - والله أعلم - كأنه قال : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ، بما تعلمون [ أن ] الخلق والأمر له ، وقد أنشأ لكم من الآيات ما تعلمون [ به ] ذلك ، فكيف تحرمون ما ذكر اسم الله عليه ، ثم أمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه ، وعاتب من ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه بقوله : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] ولم يبين بم وبأي وجه بالذبح أو بغيره ؟ وكذلك قوله : { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ المائدة : 5 ] ولم يبين من أي وجه ، لكن الناس اتفقوا على صرف ذلك إلى الذبح ، فكان الذبح مضمرا فيه ؛ كأنه قال : كلوا مما ذبح بذكر اسم الله عليه ، وما لكم ألا تأكلوا مما ذبح بذكر اسم الله عليه . ثم لا يخلو اتفاقهم بمعرفة ذلك : إما أن عرفوا ذلك بالسماع من رسول الله ، أو عرفوا ذلك بنوازل [ الأحكام ] ؛ إذ ليس في الآية بيانُ ذلك . فكيفَما كان ، ففيه دلالة نقض قول من يقول بأن من عرف نوازل الأحكام أو كان عنده رواية ، فتركَ [ روايته ] يفسَّق ؛ لأنه لما لم يذكر هاهنا النوازل ولا السماع دل أنه لا يفسق ؛ إذ كان قوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ذكر لمكان قول الثنوية ؛ لأنهم يحرمون الذبائح ويقولون : ليس من الحكمة إيلام من لا ذنب له . أو ذكر لمكان قول من يقول : إنكم أكلتم ما تذبحون بأيديكم ولا تأكلون ما تولى الله قتله . ثم قوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 118 ] وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } أباح - عز وجل - من الأنعام ما ذكر اسم الله عليه ، وحظر ما لم يذكر اسم الله عليه ، ونهى عن أكله بقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 121 ] وبقوله : { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ المائدة : 3 ] جعل المهَلّ لغير الله ميتةً حراما ، وجعل المذكور اسم الله [ عليه ] ذكيّاً حلالا ؛ فدل أن التسمية شرطٌ في أكل الذبيحة ؛ لأنها لو لم تكن شرطا في حل الذبيحة لم يكن المُهلُّ به لغير اسم الله ميتة حراما ، ولأنه سمى ما لم يذكر اسم الله عليه فسقاً ، والفسقُ هو الخروج عن أمر الله ؛ كقوله : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] أي : خرج ؛ فدل أن التسمية شرط فيها . ولهذا يحل لنا ذبائح أهل الكتاب إذا سمعناهم يذكرون اسم الله عليه ، وإن كانوا ما يذكرون في الحقيقة غير الله ؛ لأنهم لا يعرفون الله حقيقة ، ولكن إذا ذكروا اسم الله عليه تحل لنا . ولا يحل ذبائح أهل الشرك ؛ لأن أهل الشرك لا يرون الذبائح رأساً ؛ يذهبون مذهب الزنادقة ، والزنادقة لا يرون الذبائح ؛ يقولون لنا : إنكم تقولون : إن ربكم رحيم حكيم ، وليس من الحكمة والرحمة أن يأمر أحداً بذبح آخر ويقتله ؛ فيأكلون الميتة ولا يرون أكل الذبيحة ، ويقولون : ليس هذا أمرَ مَن كان موصوفاً بالرحمة أو بالحكمة . [ لكنا نقول : إن كراهة الذبح والنفور عنه نفور طبع وكراهته كراهة طبع لا كراهة العقل . فما يكرهه الطبع وينفر عنه يجوز أن يباح لما يعقب نفعاً في المتعقب نحو ما يباح الافتصاد والحجامة والتداوي بأدوية كريهة لنفع يعقب ويتأمل ، وإن كان الطبع يكرهه وينفر عنه وليس هو مما يقبحه العقل إنما لا يجوز أن يباح بفعل ويؤمر به مما يقبحه العقل ويكرهه . وأما كراهة الطبع ونفوره فإنه يجوز أن يباح لما ذكرنا ويرتفع ذلك بالعادة ؛ فعلى ذلك الذبح كراهته كراهة الطبع لا كراهة العقل ونفوره ] . والثاني : أن هذه الأشياء كلها إنما خلقت لنا وسخرت لمنافعنا لم تخلق لأنفسها ، فإذا كان كذلك يحل لنا ذبحها والتناول منها بأمر الذي أنشأها لنا وسخرها لنا . وبعد ، فإن [ من ] مذهبهم أن العالم إنما كان بامتزاج النور والظلمة ، والروحُ من النوراني والجسم من الظلماني ففي الذبح استخراج الروح ورده إلى أصله ؛ إذ من قولهم : إنه يرجع كل إلى أصله في العاقبة ، على ما كان في الأول . [ وأما الجواب عما ] قاله أهل الشرك : " أكلتم ما ذبحتم أنتم وتركتم ذبيحة الله " فوجهان : أحدهما : ما قاله أهل التأويل : أن الخلق له وله الحكم عليهم ؛ فأحل لهم هذا وحرم عليهم هذا . والثاني : تعبدنا بذكر اسمه عليها ؛ فصار [ فيما ذكر ] اسم الله إقامة عبادة تعبدنا بها ، وفيما لم يذكر لم يكن عبادة ؛ لذلك حل لنا ما كان في ذلك إقامة عبادة ، ولم يحل لنا ما لم يكن فيها إقامة عبادة والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } هو في الظاهر أمر ، لكن الأمر الذي يرجع إلى شهوات النفس ولذاتها فإنه يخرج على وجهين : إما أن يخرج على بيان ما يحل ، أو النهي عما لا يحل ؛ فهاهنا خرج على بيان ما يحل وتحريم ما لا يحل ؛ كأنه قال : كلوا مما ذكر اسم الله عليه ، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } . هو صلة قوله : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } أي : ما لكم ألا تأكلوا وقد بيَّن لكم ما حرم عليكم من الميتة والدّم ولحم الخنزير . { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [ لأن أهل الشرك والزنادقة كانوا لا يرون أكل الذبيح ، ويأكلون الميتة والدم فلهم خرج الخطاب { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } وقد بين لكم ما حرم عليكم ، وهو الميتة والدم : { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ] . قال الحسن : له أن يتناول من الميتة حتى يشبع ؛ لأنه أحل له التناول ، وعلى قولنا : لا يحل له الشبع ؛ لأنه إنما أحل عند الاضطرار [ وهو غير مضطر إلى ] الشبع . ويقول الحسن : لو ترك التناول منها حتى هلك لا شيء عليه ؛ يقول : لأنه إنما أحلت له رخصة ورحمة ، وليس على من لم يعلم بالرخص إثم ، ولكن عندنا أنها أبيحت في حال الاضطرار ؛ فإذا ترك التناول منها حتى هلك صار ملقيا نفسه في التهلكة ، وقد حرم الله علينا أن نهلك أنفسنا أو نلقيها في التهلكة بقوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] ، ولا فرق بين ترك التناول من الميتة - وقد أحل لنا التناول [ منها - حتى مات وبين ترك التناول ] من غيرها من الأطعمة المحللة ، أو يأتي بأسباب إتلاف النفس ؛ فهما سواء . ويقول - أيضاً - : له أن يتناول عند الاضطرار من مال غيره بلا بدل ، وإذا نهى صاحبه عن ذلك يضمن بدل ذلك بالغاً ما بلغ فهذا بعيد . لا يجوز أن يتناول من مال غيره ولا يلزمه البدل ، وإذا نهاه عن ذلك يلزمه البدل ؛ لأن من كان له حق التناول من مال آخر بغير بدل ، ثم إذا نهى أو منع يلزمه البدل دل أنه ليس له التناول إلا ببدل ، وقد ذكرنا هذا . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، دل هذا على أن الكل منهم لم يكونوا يضلون ؛ ولكن البعض ، هم الأئمة منهم والرؤساء ؛ لأن الأتباع منهم كانوا لا يضلون الناس ؛ إنما كانوا يضلون الكبراء منهم والعظماء ، { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } . وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } . اختلف فيه : فقيل : وذروا [ ظاهر ] الإثم بظاهر الجوارح وباطنها ، ظاهر الجوارح من نحو : اليد ، والرجل ، واللسان ، والعين . وباطن الجوارح : القلوب ، والضمائر . وقيل : ذروا الإثم في ملأ من الخلق ، وفي الخلاء منهم . وقيل : ظاهر الإثم : ما ذكرنا ، وباطنه : الزنا . قال أبو بكر الكيساني : الزنا [ هاهنا لا يحتمل ] ؛ لأنه الآية في ذكر [ ما يحل من الأطعمة وما لا يحل ، ولكن يجوز أن ابتدأ النهي عن الزنا ، وإن كان أول الآية في ذكر الأطعمة ] ؛ ويصير قوله : { وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } كأنه قال : وذروا المآثم [ كلها ] ما ظهر منها وما بطن . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } . لا يتركون وما عملوا ؛ ولكن [ يجزون ] جزاء ما عملوا من الإثم ، وهو وعيد [ لمن ] ، { يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ } ويصرّون عليه ولا يتوبون ولا ينقلعون عنه [ حتى ماتوا على ذلك بما ذكر . وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } . قال بعضهم : هو الميتة ] ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وقال بعضهم : ما أهل به لغير الله . وقلنا نحن : هو ما لم يذكر اسم الله عليه ؛ لأن الله قد صرح بتحريم الميتة بقوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } [ المائدة : 3 ] . [ و ] صرح بتحريم ما أهل لغير الله به بقوله : { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ المائدة : 3 ] : [ فإذا كان الميتة ، وما أهل لغير الله به ] تصريح [ وتحريم ] في غير هذا الموضع ؛ رجع هذا الخطاب إلى تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وكذلك صرح بتحريم الميتة وما أهل لغير الله به بقوله : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً … } الآية [ الأنعام : 145 ] ؛ فقوله - تعالى - : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } [ الأنعام : 145 ] كان لا يجد في ذلك الوقت ثم وجد ما لم يذكر اسم الله عليه محرماً في حادث الوقت ، وكذلك وجد كلَّ ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير محرماً في حادث الأوقات ، كان لا يجد في [ ذلك الوقت ] محرماً إلا ما ذكر ، ثم وجد أشياء محرمة من بعد . وقال بعضهم من أهل التأويل قوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } : حين قالوا : ما قتلتم وذبحتم أنتم فتأكلونه ، وما قتل ربكم فتحرمونه ، وأنتم تعظمون ربكم ؟ ! وهو من زخرف القول الذي يوحي بعضهم إلى بعض ما ذكر { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } . لكنا نقول إن ما ذبح وقتل [ هو ذبيح بالله ] وقتيل به أيضاً ؛ فقد أذن لنا بأكل بعض الذبيح وحرم أكل بعض ، ولله أن يفعل ذلك ، له أن يأذن في أكل بعض وتحريم أكل بعض ، على ما أذن لنا في أكل بعض ما خلق الله من الأنعام ولم يأذن في أكل بعض ؛ فعلى ذلك قد أذن في أكل بعض ما ذبح به وقتل ولم يأذن في بعض ، وهو كله ذبيح بالله وقتيل به ، وله ذلك . والثاني : أن الخلق كله له ملكه ، ولا يقال لأحد في ملكه : لم فعلت ذا ؟ ولم تفعل ذا ؟ إنما يقال ذلك في غير ملكه : كشريك يقول لشريكه : لم تعطني حقي ، ولم توفر على نصيبي ، فأما أن يقول في ذي ملك في ملكه فلا . والثالث : ما ذكرنا : أنه تعبدنا بذكر اسم الله عليه [ فكان في ذكر اسم الله عليه ] إقامة عبادة ؛ لذلك لم يجز هذا . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ، أخبر أنه ما لم يذكر اسم الله عليه فسق ، كما أخبر أن التناول من الميتة وما أهل لغير الله به فسق ، والفسق : هو الخروج عن أمر الله ، والذي ترك ذكر اسم الله عليه : خارج عن أمر الله - تعالى - كالميتة التي ذكرنا ، فإن قال قائل : إن قول الله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ؛ فكيف يجوز لكم أن تطلقوا أكل الذبيحة إذا ترك اسم الله ناسياً ؟ ! [ قيل الخطاب بهذا لم يرجع إلى الذبيحة التي ترك ذكر اسم الله عليها ناسياً ] لأن الذبائح إنما هي من عمل القصّابين والصبيان ؛ فهم لم يعودوا أنفسهم ذكر اسم الله حتى يؤاخذوا بها على حفظ ذلك . وهذا أصلنا : أن من لم يعود نفسه فعلاً يعذر في تركه وارتكابه في حال السهو والنسيان ؟ ! كالأكل في شهر رمضان ناسياً ؛ لأنه عود نفسه الأكل والشرب ، والصوم هو الكف عما اعتاد ؛ فعذر في التناول منه والعود إلى العادة على السهو ؛ لأنه يشتد على الناس حفظ النفس على خلاف العادة ؛ ولأن الله - تعالى - قال : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ، ولا خلاف في أن من نسي أن يسمي الله على ذبيحة - فليس بفاسق ؛ وإنما يفسق من تركها عامداً ؛ فدل أن الخطاب بالآية رجع إلى الذبيحة التي تركت التسمية [ عليها ] عمداً . فإن قيل : ليس يجوز أن يكون قوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } : يريد به أن الذي يأكل منها إذا لم يسم الله عليها عامداً أو ساهياً - فاسق ، وإن كان هذا هو التأويل ؛ فالآية على الأكل ، [ الدليل ] على [ أن ] قوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ إشارة إلى الذبيح الذي ترك ذكر اسم الله عليه عمداً ، دون أن يكون ذلك ] إشارة إلى أن الأكل من تلك الذبيحة فسق - قول الله - تعالى - { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] : فكان الإهلال بالذبيحة لغير الله فسقاً لمن فعله ؛ فوجب أن يكون ترك اسم الله على الذبيحة فسقاً ممن تعمده ، وذلك يوجب أن يكون قول الله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } خاصّاً في المتعمد لترك التسمية . فإن قيل : كيف لم تجعلوا تارك التسمية ناسياً كتاركها عمداً ؛ كما قلتم في التكبيرة الأولى في الصلاة : إن عمده وسهوه سواء ؟ قيل : من قبيل أن الذبيحة إذا تعمد صاحبها ترك التسمية عليها إنما حرمت بنص القرآن ؛ لأنه فسق فقلنا : متى زال الفسق عن الذابح زال التحريم عن الذبيحة ؛ لأن التحريم إذا وقع لعلة ، فزالت العلة - زال التحريم ، ولم نقل : إن صلاة التارك للتكبيرة الأولى فسدت صلاته ؛ لأنه فسق بتركه التكبيرة عمداً ؛ فيلزمنا أن نفرق بين سهوها وعمدها ؛ بل فسدت صلاته لأنه صلى بغير تكبير ؛ فالتارك للتكبير عامداً أو ساهياً : تارك ؛ فهما سواء ، وروي في الخبر ما يؤيد ما قلنا : روي عن راشد بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذبيحةُ المسلم حلالٌ سمى أو لم يسم ما لم يتعمد " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في رجل ذبح ونسي أن يذكر اسم الله ، قال : " اسم الله في قلب كل مسلم ؛ فليأكل " . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } . أهل التأويل صرفوا تأويل هذا إلى أن زخرف القول الذي يوحي بعضهم [ إلى بعض ] في الآية الأولى هو مجادلتهم في الذبيحة ؛ حيث قالوا : ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه ، وما قتل الله فلا تأكلونه ؟ ! يعنون : فتلك مجادلتهم إياهم ، ولكن يجادلون في هذا [ في ] وحدانية الله - تعالى - وفي إثبات الرسالة ، والبعث بعد الموت ، وفي كل شيء ؛ حيث قالوا : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ المؤمنون : 82 ] : فأخبر أنهم لو أطاعوهم إنهم لمشركون أي : لو أطعتموهم فيما يجادلونكم ويوحون إليكم { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } .