Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 161-164)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . قال أبو الكيساني : قوله { هَدَانِي } ، أي : دلني ربي إلى صراط مستقيم ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه خرج مخرج ذكر ما منَّ عليه بلطفه ، وليس في الدلالة والبيان ذلك ؛ إنما عليه البيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الهدى ويبين لهم طريقه . ثم أخبر أنه لا يهدي من أحب بقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] دل أن ذلك إكرام من الله - تعالى - بالهداية بالتوفيق له والعصمة بلطفه ، لا الدلالة والبيان . وكذلك قوله - تعالى - : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } الآية [ الحجرات : 17 ] ؛ فلو كان على الدلالة والبيان لكان منه ذلك ، ثم [ أخبر ] إن المنة عليهم لله - تعالى - لا لرسوله ؛ دل أنه لما ذكرنا من الهداية نفسها لا الدلالة . وقوله - عز وجل - : { دِيناً قِيَماً } . قيل : قائماً مستقيماً لا عوج فيه ؛ كقوله : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً } [ الكهف : 1 - 2 ] . والعوج : هو الذي فيه الآفة ، فأخبر أن لا آفة فيه ولا عوج . وقوله - عز وجل - : { مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } . إن أهل الأديان جميعاً يدّعون أن الذي هم عليه هو دين إبراهيم ، فأخبر أن دين إبراهيم هو الدين الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هم . وقوله - عز وجل - : { حَنِيفاً } . قيل : مسلما ، والحنف : هو الميل ، وهو حنيف ، أي : مائل إلى دين الله ، أخبر أنه يدعو إلى دين الله - تعالى - إلى الدين الذي كان عليه آباؤه وأجداده ، أعني به : الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام . { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . برأه - عز وجل - من الشرك . وقيل : كان حنيفاً خالصاً لله مخلصًا لم يشرك أحدا في ربوبيته ولا في عبادته ، على ما فعل أولئك الكفرة . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وحفصة : ( ديناً قيما فطرتكم التي فطرتم عليها ملة إبراهيم حنيفاً ) . ويقرأ : { قيِّماً } ، بالتشديد ، و { قِيَماً } بالتخفيف . أو يخرج قوله : { إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } على الشكر له والحمد على ما أنعم عليه وأفضل له ، من الإكرام له بالهداية بالطريق المستقيم . [ والمستقيم ] يحتمل : القائم بالحق والبرهان وكذلك قوله : { دِيناً قِيَماً } بالحجج والبراهين ، ودين أولئك دين بهوى أنفسهم ؛ ولذلك قال : { حَنِيفاً } . وقوله : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } . خاطب الله بهذه الآيات رسوله صلى الله عليه وسلم والمرادُ به : الخلقُ كله ، فمن بلي بمثل ما كان بلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من السؤال والدعاء ، فله أن يقرأ أو يذكر ما في هذه الآيات . ولو كان المراد [ بالخطاب ] بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، لكان لا يقول له : { قُلْ } ، ولكن يقول له : افعل كذا ، ولا تفعل كذا ؛ وعلى ذلك الخطاب في الشاهد في خطاب بعض بعضا ألا يقولوا : { قُلْ } ؛ فدل أنه على ما ذكرنا ، وكذلك قوله : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الأخلاص : 1 ] : من استوصف صفات الله ، فعليه أن يصف له ما في سورة الإخلاص ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلائق سواءٌ في ذلك الخطاب . ثم في قوله : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ … } الآية ذكر منَّته بما هداه ، والاستسلام إلى شكر ما أنعم عليه . وفي قوله : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي } الأمر بإخلاص العبادة لله - عز وجل - وإسلام النفس له في جميع أحواله محياه ومماته . وفي قوله : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } . فيه الدعاء إلى وحدانية الله وربوبيته . ثم في قوله : { إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ } دلالة رد قول من يستثني في إيمانه ؛ لأنه أمره أن يقول : { إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، من غير أن يأمره بالثنيا ؛ فمن استثنى فيه لا يخلو استثناؤه من أحد معنيين : إما أن يكون لشك فيه . أو لكتمان ما أنعم الله عليه ؛ فعلى كل من أنعم الله عليه أن يظهر ذلك ، وأن يشكر له على ذلك ؛ على ما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك . وقوله : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . يخرج على وجهين : أحدهما : يخرج على الأمر بالدعاء لنفسه ؛ لأنه قال : قل : أجعل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . والثاني : على المنابذة مع أولئك الكفرة والفجرة ، يقول : أنا أجعل صلاتي وعبادتي ومحياي ومماتي لله ، لا أجعل لغيره شركاء ، كما جعلتم أنتم لغيره شركاء في عبادته وصلاته ونسكه ، والله أعلم . ثم اختلف في قوله : { صَلاَتِي } : قال بعضهم : الصلاة المفروضة . وقال بعضهم : الصلاة : الخضوع والثناء ؛ يقول : إن خضوعي وثنائي لله ، والصلاة : هي الثناء في اللغة . وقوله : { وَنُسُكِي } اختلف فيه . قال الحسن : نسكي : ديني ؛ كقوله : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } [ الحج : 34 ] ، أي : دينا . وقيل : نسكي ذبيحتي لله في الحج والعمرة وغيره . وقيل : نسكي : عبادتي ، والنسك : اسم كل عبادة ؛ وعلى ذلك يسمى كل عابد ناسكا . وقوله - عز وجل - : { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . أي : أنا حي وميت لله ، لا أشرك أحداً في عبادتي ونفسي ، بل كله لله لا شريك [ له ] في ذلك . ويحتمل : أن يكون هذا على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : قل إني أمرت أن أجعل صلاتي ونسكي لله ، أو إني أمرت أن أدعو وأسأل الله أن يجعل صلاتي ونسكي وعبادتي له ، لا أشرك غيره فيه . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } . [ يحتمل قوله : { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } ] ، أي : وأنا أول من خضع وأسلم بالذي أمرت أن أبلغ ؛ لأنه أمر بتبليغ ما أنزل إليه ، فيقول : أنا أول من أسلم بالذي أمرت بالتبليغ . ويحتمل : أن يكون لا على توقيت الإسلام ؛ ولكن على سرعة الإجابة والطاعة [ له ] ؛ كقوله : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } [ الزخرف : 48 ] : هو على الوصف بغاية العظم ، ليس على أن بعضها أكبر وأعظم وبعضها أصغر ؛ ولكن كلها أعظم وأكبر ؛ فعلى ذلك هذا ليس على وقت الإسلام ، ولكن لسرعة الإجابة ، والطاعة له ، والله أعلم . الإسلام : هو جعل النفس وكلية الأشياء لله سالمة ، أي : أنا أول من جعل نفسه لله سالمة . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أغير الله أبغي ربا وقد تعلمون أن لا رب سواه ؟ ! ويحتمل : أغير الله أبغي ربا سواه ، وفي كل أحد أثر ربوبيته وألوهيته قائم ظاهر ، وفيما تدعونني إليه أجد آثار العبودية والربوبية لله فيه ، فكيف أتخذ ربا سواه ؟ ! . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } . يحتمل وجهين : [ الأول ] يحتمل : لا تكسب كل نفس من [ سوء ] إلا عليها ، أي : لا يتحمل ذلك غيره عنه في الآخرة ؛ وكذلك قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ فاطر : 18 ] ، وكقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] . [ الثاني ] ويحتمل : أن يكون قوله : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } ، أي : لا تكسب كل نفس - لو تركت وما تختار - إلا عليها ، لكن الله بفضله يمنع بعضها وما تختار على نفسها ؛ كقول يوسف - عليه السلام - : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] : أخبر أنها كاسبة السوء إلا ما عصمها ربي . وجائز أن يكون على الإضمار ؛ كأنه يقول : ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولها ، ومثله جائز في القرآن ؛ كقوله - تعالى - { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] ، وهو نذير لقوم ، بشير لقوم آخرين : نذير في حال ، وبشير في حال . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } . هو على الوعيد وروي عن النبي أنه كان إذا كبر للصلاة ، أتبع التكبير بهذه الآية : { إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي … } إلى آخره . وعن علي - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبّر ، ثم قال : { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] { إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي … } إلى قوله تعالى { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } . وذكر أنه كان يدعو بعد ذلك دعاء طويلا . وروي عن عائشة ، وأبي سعيد الخدري أنهما قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذاء منكبيه ، ثم يقول : " سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك " . فكان أبو حنيفة - رحمه الله - يختار من ذلك هذا في الفرائض . وكذا روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قام إلى الصلاة ، فكبر ، ثم قال : " سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك " . [ وكذلك روي عن أبي سعيد أنه كان إذا افتتح الصلاة قال : " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ] " . وكان أبو يوسف يستحب أن يقول بهذه الكلمات والكلمات التي رواها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من غير إيجاب لذلك ولا حظر لما سواه . وكان أبو حنيفة - رحمه الله - لا يستحب أن يزيد في الفرائض على ما روي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روت عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي عن عمر وعبد الله - رضي الله عنهما - . وأما في النوافل فله أن يزيد ما شاء فيها من الثناء والدعوات ؛ فيحتمل أن يكون ما رواه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك في النوافل .