Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 165-165)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } . اختلف فيه : قال بعضهم : { جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } ، يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهم خلائف من تقدمهم من المكذبين والصديقين ؛ ليعلموا ما حل بالمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم ليحذروا تكذيبه والخلاف له ، ويرغبوا في تصديقه والموافقة له والطاعة ؛ ليكون لهم بمن تقدمهم عبرة في التحذير والترغيب ، ويكون لهم بمن تقدمهم قدوة وعبرة ؛ ليعرفوا صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كيف يجب أن يصحبوه ويعاملوه : من الإحسان إليه ، والتعظيم له والتصديق ، ويجتنبوا الإساءة إليه والتكذيب . وقال بعضهم : قوله : { جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } ، يعني : البشر كلهم ، جعل بعضهم خلائف بعض في الوجود وفي الأحوال في الحياة ، والموت ، والغناء ، والفقر ، والصحة ، والسقم ، وفي العز ، والذل ، وفي كل شيء ، وفي الصغر ، والكبر ؛ ليكون لهم في ذلك عبرٌ ودليل على معرفة منشئهم وخالقهم ؛ لأنه لو أنشأهم جميعاً معاً - لم يعرفوا أحوال أنفسهم وتغيرهم من حال إلى حال ، [ ولكن أنشأهم واحداً بعد واحد وقرناً بعد قرن ؛ ليعرفوا أحوال أنفسهم وانتقالهم من حال إلى حال ] ؛ ليعرفوا أن منشئهم واحد ؛ لأنهم لو كانوا جميعاً معاً - لم يعرفوا مبادئ أحوالهم من حال نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم من حال الصغر إلى حال الكبر ، وكذلك هذا في جميع الأحوال : من الغنى والفقر ، والصحة ، والسقم ، ولو كان كله على حالة واحدة - لم يعرفوا ذلك ، لكن جعل بعضهم خلائف بعض ؛ ليدلهم على ما ذكرنا . ويحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - : إنهم صاروا خلف الجان ، فالأول يكون في بيان صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن المعاملة معه . والثاني في بيان وحدانية الربّ . وقوله - عز وجل - : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } . يحتمل هذا في الأحوال ، ويحتمل في الخلقة جعل لبعض فضائل ودرجات على بعض ، وجعل بعضا فوق بعض بدرجات في الدنيا ؛ ليكتسبوا لأنفسهم في الآخرة الدرجات والفضائل ، على ما رغبوا في الدنيا في فضائل الخلقة ودرجات بعضها فوق بعض ، ونفروا في الدون من ذلك ؛ ليرغبهم ذلك في اكتساب الدرجات في الآخرة ، وينفرهم عن اكتساب ما ينفرون عنه في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } . يحتمل : ليبلوكم فيما آتاكم من الأحوال المختلفة : من الفقر والغناء ، والسقم والصحة ، والصغر والكبر ، وغير ذلك من الأحوال . ويحتمل : { فِي مَآ آتَاكُمْ } من النعم ، أي : ليبلوكم بالشكر على ما آتاكم من النعم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } . قال بعضهم هو إخبار عن سرعة إتيان العذاب ؛ لأن كل آتٍ قريب كأنه قد جاء ، كقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] ، { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الأنبياء : 1 ] ، { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] ونحوه : أنه إذا كان آتياً لا محالة جعل كأنه قد جاء . وقال بعضهم : ذلك إنباء عن شدة عذابه لمن عصاه . وقوله - عز وجل - : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } . قيل : يبتلي الموسر في حال الغناء ، والصحيح في حال صحته ، ويبتلي الفقير في حال فقره ، والمريض في حال مرضه ، والابتلاء من الله - تعالى - على وجهين : إما أمراً بالشكر على ما أنعم . أو صبراً على ما ابتلاه بالشدائد ، والابتلاء منه هو ما بين السبيلين جميعاً سبيل الحق وسبيل الباطل ، وبين أن كل سبيل إلى ماذا أفضاه لو سلكه : لو سلك سبيل الحق أفضاه إلى النعم الباقية والسرور الدائم ، وإن سلك سبيل الباطل أفضاه إلى عذاب شديد وحزن دائم . ثم خيره بين هذين ؛ فهو معنى الابتلاء . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } . للمؤمنين ، وقد ذكرناه [ الحمد لله رب العالمين ] .