Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-3)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } الحمد : هو الثناء عليه بما صنع إلى خلقه من الخير . ألا ترى أن الذم نقيضه في : الشاهد ، ويحمد المرء بما يصنع من الخير ، ويذم على ضده . فالتحميد : هو تمجيد الرب ، والثناء عليه ، والشكر له بما أنعم عليهم . والتسبيح : هو تمجيد الرب وتنزيهه عما قالت الملحدة فيه من الولد وغيره . والتهليل : هو تمجيد الرب وتنزيهه عما جعلوا له من الشركاء والأضداد ، والوصف له بالوحدانية والربوبية . والتكبير : هو تمجيد الرب والوصف له بالعظمة والجلال ، وتنزيهه عمّا وصفوه بالعجز والضعف عن أن يكون ينشىء من العظام البالية خلقاً . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } . سفههم - عز وجل - بما جعلوا له من الشركاء والأضداد على إقرار منهم أنه خلق السماوات والأرض ، ولم يجعلوا له شركاء في خلقهما ، وعلى علم منهم أنه تُعَلَّق منافع الأرض بمنافع السماء ، مع بعد ما بينهما كيف جعلوا شركاء يشركونهم في العبادة والربوبية ؟ ! . وقوله - تعالى - : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } . قال الحسن : الظلمات والنور : الكفر والإيمان . وقال غيره من أهل التأويل : الليل والنهار في الحقيقة ما يكشف عما استتر من الأبصار : أبصار الوجوه ، وأبصار القلوب . والظلم ما يستر ويغطي على الأبصار : أبصار الوجوه ، وأبصار القلوب ، فالظلمة تجعل كل شيء مستوراً عليه ، والنور يجعل كل شيء كان مستوراً عليه ظاهراً بادياً ، هذا هو تفسير الظلمة والنور حقيقة . وقوله - عز وجل - : { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قيل : يشركون مع ما بيَّن لهم ما يدل على وحدانية الرب وربوبيته ، أي : جعلوا كل ما يعبدونه دون الله عديلا لله ، وأثبتوا المعادلة بينه وبين الله - تعالى - وليس لله - تعالى - عديل ، ولا نديد ، ولا شريك ، ولا ولد ، ولا صاحبة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً . وقال الحسن : { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي : يكذبون . وقوله - تعالى - : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : خلق آدم أبا البشر من طين ، فأما خلق بني آدم من ماء ؛ كقوله تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] أخبر الله - تعالى - أنه خلق آدم من الطين ، وخلق بني آدم ، سوى عيسى عليه السلام - من النطفة ، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من الطين ولا من الماء ؛ ليعلموا أنه قادر على إنشاء الخلق لا من شيء ، وأنه لا اختصاص للخلق بشيء ، ولا ينكرون - أيضاً - إنشاء الخلق وإحياءهم وموتهم ، وذلك لأنه لا يخلو ؛ إما أن صاروا تراباً أو ماء ، أو لا ذا ولا ذا ، فإذا رأوا أنه خلق آدم من الطين ، وخلق سائر الحيوان من الماء ، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من هذين ، كيف أنكروا إنشاء الخلق بعد الموت ، وهو لا يخلو من هذه الوجوه التي ذكرنا ؛ فيكون دليلا على منكري البعث بعد الموت ، على الدهرية في إنشاء الخلق لا من شيء ؛ فإنهم ينكرون ذلك ويحيلونه ؛ ولهذا وقعوا في القول بقدم العالم ، والله الهادي . ويحتمل قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } أن يراد به في حق جميع بني آدم ، وأضاف خلقنا إلى الطين ، وكأن الخلق من الماء ؛ لما أُبقِيَ في خلقنا من قوة ذلك الطين الذي في آدم وأثره ، وإن لم يُرِه تلك القوة وذلك الأثر ، وهذا كما أن الإنسان يرى أنه يأكل ، ويشرب ، ويغتذي ، ويحصل به زيادة قوة في سمعه وبصره ، وفي جميع جوارحه ، وقد يحيا بها جميع الجوارح ، وإن لم ير تلك القوة ، فكذلك هذا . ويحتمل - أيضاً - على ما روي في القصة أنه يمازج مع النطفة شيئاً من التراب ، فيؤمر الملك بأن يأخذ شيئاً من التراب من المكان الذي حكم بأن يدفن فيه ، فيخلط بالنطفة ، فيصير علقة ومضغة ، فإنما نسبهم إلى التراب لهذا . ويحتمل النسبة إلى التراب وإن لم يكونوا من التراب ؛ لما أن أصلهم من التراب ، وهو آدم . وقوله - تعالى - : { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } فالقضاء يتوجه إلى وجوه كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه ، وقد يكون لابتداء فعل وإنشائه ؛ كقوله - تعالى - : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } [ طه : 72 ] [ ويقال : قضيت هذا الثوب ، أي : عملته وأحكمته . وقد يكون بمعنى الأمر ؛ قال الله - تعالى - : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] أي : أمر ربك ؛ لأنه أمر قاطع حتم . وقد يكون بمعنى الإعلام ؛ قال - تعالى - : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الإسراء : 4 ] أي : أعلمناهم إعلاماً قاطعاً . وقد يكون لبيان الغاية [ والانتهاء عنه والختم ؛ كقوله - تعالى - : { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } أي : ختم ذلك وأتمه ، وقد ] يكون غير ما ذكرنا . ثم قوله : { قَضَىۤ أَجَلاً } يحتمل هذا كله سوى الأمر . ثم قوله : { قَضَىۤ أَجَلاً } قيل : هو الموت ، { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } يوم القيامة ، أطلعنا على أحد الأجلين وهو الموت ؛ لأنا نرى من يموت ونعاين ، ولم يطلعنا على الآخر وهو الساعة والقيامة . وقيل : { قَضَىۤ أَجَلاً } : أجل الدنيا من خلقك إلى أن تموت ، { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } يوم القيامة . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } . أي : تشكون وتكذبون بعد هذا كله . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } هذا - والله أعلم - صلة قوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } فإذا كان خالقهما لم يَشْرَكْهُ أحد في خلقهما ، كان إله من في السماوات وإله من في الأرض لم يَشْرَكْهُ أحد في ألوهيته ، ولا في ربوبيته . ويحتمل قوله : { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ } أي : [ إلى الله تدبير ] ما في السماوات وما في الأرض ، وحفظهما إليه ؛ لأنه هو المتفرد بخلق ذلك كله ؛ فإليه حفظ ذلك وتدبيره . وقوله : { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } اختلف فيه . قيل : { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ } : ما تضمرون في القلوب { وَجَهْرَكُمْ } : ما تنطقون ، { وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } : من الأفعال التي عملت الجوارح ؛ أخبر أنه يعلم ذلك كله ؛ ليعلموا أن ذلك كله يحصيه ليحاسبهم على ذلك ؛ كقوله : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } [ البقرة : 284 ] أخبر أنه يحاسبهم بما أبدوه وما أخفوه ، فعلى ذلك الأول قد أفاد أن ذلك كله يحصيه عليهم ، ويحاسبهم في ذلك ؛ ليكونوا على حذر من ذلك وخوف . وقيل : { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ } : ما خلق فيهم من الأسرار ، من نحو السمع ، والبصر وغيرهما ؛ لأن البشر لا يعرفون ماهية هذه الأشياء وكيفيتها ، ولا يرون ذلك كما يرون غيرها من الأشياء ، ولا يعرفون حقائقها ؛ أخبر أنه يعلم ذلك وأنتم لا تعلمون . وقوله - عز وجل - : { وَجَهْرَكُمْ } أي : الظواهر منكم ، { وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } : من الأفعال والأقوال .