Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 4-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يحتمل : ما تأتيهم من آية من آيات توحيده ، أو من آيات إثبات رسالة محمد ونبوته صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل في إثبات البعث والنشور بعد الموت ؛ لما أخبر أنه خلقهم من طين ، فإذا ماتوا صاروا تراباً ، فإذا كان بدء إنشائهم من طين ، فإذا عادوا إليه يقدر على إنشائهم ثانياً ؛ إذ ليس إنشاء الثاني بأعسر من الأول . ثم يحتمل الآيات آيات القرآن . ويحتمل : الآيات ما كان أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات سوى آيات القرآن . ثم أخبر عن تعنتهم ومكابرتهم بقوله : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } ، فإذا أعرضوا عنها لم ينتفعوا بها ؛ ليعلم أنه إنما ينتفع بالآيات من تأملها ونظر فيها لا من أعرض عنها . ثم سورة الأنعام إنما نزلت في محاجة أهل الشرك ، ولو لم يكن القرآن معجزاً كانت سورة الأنعام معجزة ؛ لأنها نزلت في محاجة أهل الشرك في إثبات التوحيد والألوهية لله والبعث ، فكيف يكون وقد جعل الله القرآن آية معجزة عَجَزَ البشرُ عن إتيان مثله ، ولم يكونوا يومئذ يعرفون التوحيد والبعث ، كانوا كلهم كفاراً عبدة الأوثان والأصنام لا يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّف ذلك وأنشأه من ذات نفسه ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله . وفيه دلالة إثبات المحاجة في التوحيد والمناظرة فيه ؛ لأن أكثرها نزلت في محاجة أهل الشرك ، وهم كانوا أهل شرك ، وينكرون البعث والرسالة ، فتنزل أكثرها في محاجتهم في التوحيد وإثبات البعث والرسالة . وفيه أنه إذا ثبت فساد قول أحد الخصمين ، ثبت صحة قول الآخر ؛ لأن إبراهيم لما قال : { هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } [ الأنعام : 76 ] أثبت فساد عبادة من يعبد الآفل بالأفول . وقوله - عز وجل - : { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } يحتمل الحق : الآيات التي كان يأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات التوحيد وآيات البعث . ويحتمل القرآن ، ولو لم يكن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية كانت نفسه آية عظيمة من أول نشأته إلى آخر عمره ؛ لأنه عصم حتى لم يأت منه ما يستسمج ويستقبح قط ؛ فدل أن ذلك إنما كان لما جعل آية في نفسه ، وموضعاً لرسالته ، وعلى ذلك تخرج إجابة أبي بكر - رضي الله عنه - في أول دعوة دعاه إلى ذلك لما كان رأى منه من آيات ، فلما دعاه أجابه في ذلك مع ما كان معه [ من ] آيات عظيمة ، وأعلام عجيبة . وقوله - عز وجل - : { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } معناه - والله أعلم - [ أن ] يأتيهم وينزل بهم ما نزل بالمستهزئين ، [ وإلا كان أتاهم أنباء ما نزل بالمستهزئين ] ، ولكن معناه ما ذكرنا ، أي : ينزل بهم ويحل ما نزل وحل بالمستهزئين . ويحتمل قوله وجهاً آخر : { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } وهو العذاب ؛ لأن الرسل كانوا يوعدونهم أن ينزل بهم العذاب بتكذيبهم الرسل ، فعند ذلك يستهزئون بهم ؛ كقوله : { عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } [ ص : 16 ] وكقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [ العنكبوت : 53 ] وغير ذلك ؛ إذ قالوا : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] فأخبر أنه ينزل بهم ذلك كما نزل بأولئك . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } قال الحسن : ألم يروا : ألم يعتبروا { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } . وقال أبو بكر الكيساني : { أَلَمْ يَرَوْاْ } قد رأوا { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } [ قال ] : وهو واحد ، قد رأوا آثار الذين أهلكوا بتكذيبهم الرسل ، وتعنتهم ومكابرتهم ، لكنهم لم يعتبروا بذلك . وقوله - عز وجل - : { مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } قال بعضهم : أعطيناهم من الخير والسعة والأموال ما لم نمكن لكم يا أهل مكة أي : لم نعطكم ، ثم إذا كذبوا الرسل أهلكهم الله - تعالى - وعاقبهم بأنواع العقوبة . ويحتمل : مكناهم في الأرض من القوة والشدة ؛ كقوله : { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ثم مع شدة قوتهم أهلكوا إذ كذبوا الرسل . ويحتمل وجها آخر : { مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : في قلوب الخلق ، من نفاذ القول ، وخضوع الناس لهم ؛ لأنهم كانوا ملوكاً وسلاطين الأرض ، من نحو نمرود ، وفرعون ، وعاد ، مع ما كانوا كذلك أهلكوا إذ كذبوا الرسل ، وأنتم يا هؤلاء ليس لكم شيء من ذلك ، أفلا تهلكون إذا كذبتم الرسل ؟ ! وإنما حملهم على تكذيب الرسل - والله أعلم - لما كانوا ذوي سعة وقوة ، فلم يروا الخضوع لمن دونهم في ذلك [ لما رأوا الأمر بالخضوع لمن دونهم في ذلك ] جوراً غير حكمة ، وإنما أخذوا ذلك من إبليس اللعين ؛ حيث قال عند أمره بالسجود لآدم ، فقال : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] فعلى ذلك هؤلاء الكفرة رأوا الأمر بالخضوع لمحمد صلى الله عليه وسلم جَوْراً منه ، حتى قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } قال القتبي : مدرارا بالمطر : أي غزيرا ، ومن درّ ويدرّ . وقال أبو عوسجة : أي : درت عليهم السماء بالمطر ، أي : كثر ودام وتتابع واحدا بعد واحد في وقت الحاجة { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ } [ أخبر عن سعة ] أولئك ، وما أنعم عليهم من كثرة الأمطار والأنهار ما لم يكن ذلك لهؤلاء ، ثم مع ما كان أعطاهم ذلك أهلكهم إذ كذبوا الرسل . فإن قيل : [ كيف ] ذكر إهلاك هؤلاء ، وخوف أولئك ذلك بتكذيبهم الرسل ، وقد أهلك الرسل والأولياء من قبل ؟ قيل : لأن إهلاك أولئك إهلاك عقوبة وتعذيب ؛ لأنه كان أهلكهم هلاك استئصال واستيعاب ؛ خارجاً عن الطبع ، وأهلك أولئك الرسل والأولياء لا إهلاك عقوبة خارجاً عن الطبع ؛ لذلك كان ما ذكر .