Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 27-30)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } . عن الحسن قال : سترى إذ وقفوا على النار . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( ولو ترى إذ عرضوا على النار ) [ وكذلك في : ( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) ، إذ عرضوا على ربهم ] . ولولا ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وقفوا : عرضوا على النار ، وإلا يجوز أن يحمل قوله : { إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } ، أي : عند النار ، أو في النار " على " مكان " عند " ، أو مكان " في " ، وذلك جائز في اللغة ، ولكن ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أقنعنا عن ذلك . ثم يحتمل - والله أعلم - أن يكون هذا صلة [ قوله ] { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنعام : 25 ] [ كأنه يقول : ولو ترى يا محمد إذ وقفوا على النار لرحمتهم ؛ لما كان منهم من القول فيك { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وهكذا الواجب على كل أحد أن يرحم عدوه إذا كان عاقبته النار والتخليد فيها ، وألا يطلب الانتقام منه بما كان منه بمكانةٍ ، وأن يقال : ولو تراهم إذ وقفوا على النار من الذل والخضوع لرحمتهم بما كان منهم من التكبر والاستكبار في الدنيا ، وهو كقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } الآية [ السجدة : 12 ] ، أخبر عن ذلهم وخضوعهم في الآخرة بما كان منهم في الدنيا من الاستكبار والاستنكاف ؛ فعلى ذلك يخبر نبيّه عمّا يصيبهم من الذلّ بتكبرهم في الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . تمنوا عند معاينتهم العذاب العود والرد إلى الدنيا . ثم فيه دليلان : أحدهما : أنهم عرفوا أن ما أصابهم [ إنما أصابهم ] بتكذيبهم الآيات وتركهم الإيمان ، حيث قالوا : { يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا } . والثاني : أن الإيمان هو التصديق الفرد لا غير ؛ لأنهم إنما فزعوا عند معاينتهم العذاب فتمنوا الرد والعود إلى الدنيا ؛ لأن يكونوا من المؤمنين ، [ و ] لم يفزعوا إلى شيء آخر من الخيرات - دل أن الإيمان هو التصديق الفرد لا غير ، وأنه ضد التكذيب ، والتكذيب هو فرد فعلى ذلك التصديق . وقوله - عز وجل - : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } . قيل فيه وجوه : قال بعضهم : قوله - تعالى - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [ الأنعام : 25 ] إنما نزل في المنافقين ، يدل على ذلك قوله : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } ، وهو سمة أهل النفاق أنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين ، ويضمرون الخلاف ، ويخفون العداوة لهم . ويحتمل قوله - تعالى - : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } رؤساؤهم كانوا عرفوا في الدنيا أنه رسول ، وأن ما ( أنزل ) عليه هو من ربه ، وعرفوا أن البعث حق ، لكنهم أخفوا ذلك على أتباعهم ، وستروه ، ثم ظهر ما كانوا يخفون على أتباعهم . وقيل : قوله : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } وذلك أنهم حين قالوا : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . وقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } ، [ يحتمل قوله { وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } أي : حبسوا إذ لو وقف حبس ] ، والنار لا يوقف عليها ، بل يكون فيها ما قال - عز وجل : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] وقال : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] ويحتمل الوقف عندها قبل الدخول في حال الحساب للمساءلة ؛ كقوله : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ … } الآية [ الصافات : 22 ] { وَلَوْ تَرَىٰ } أي : لو ترى ذلهم وخضوعهم ، كقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ } [ السجدة : 12 ] ولم يذكر جواب " لو " ، وقد يترك جواب ( لو ) لما يعلم ربما [ يعلم ] بالتأمل أو بالذكر ؛ كقوله : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً } [ النور : 12 ] بمعنى ظننتم ، أو على ما ذكر في موضع آخر ؛ نحو قوله : { قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } [ النور : 16 ] وكذلك قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [ النور : 10 ] وغير ذلك ، فلعل معناه : لو ترى ذلهم بعد استكبارهم لرحمتهم على ما هم عليه ، ولهان عليك التصبر لأذاهم ، ولأشفقت عليهم . ويحتمل قوله : ولو ترى ما ينزل بهم من نقمة الله ، ويحل بهم من عذابه ، لعلمت أن القوة لله جميعاً ، وأنه بحلمه ورحمته يملي لهم ويسترجعهم ؛ كقوله : { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } [ البقرة : 165 ] . ويحتمل أن يكون جوابه فيما ذكر من تمنيهم العود ، وندامتهم على ما سلف منهم ، وشدة تلهفهم على صنيعهم لرأيت ذلك أمراً عظيماً ، وجزاء بالغاً ، لما يكون ما ينزل بهم أعظم عندك مما تلقى منهم . وقد يخرج الخطاب لرسول الله على تضمن تنبيه كل مميز وتبصير كل متأمّل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ } . قيل : إلى الدنيا . وقيل : إلى المحنة من حيث لا يحتمل كون الدنيا بعد كون الآخرة ، لكن هذا تكلف تحقيق مراد قوم ظهر سفههم ، ولعله ليس عندهم هذا التمييز ، أو يقولون سفها كما قالوا كذباً بقوله : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . وقوله - عز وجل - : { بِآيَٰتِ رَبِّنَا } . قال الحسن : بدين ربنا . وقال قوم : بحجج ربنا ، فيكون في الآية اعتراف أنهم على التعنت كذبوا في الأوّل لا على الجهل ، وإن كان ثم آيات عاندوها ، وهم قوم قد سبق من الله الخبر عنهم مما فيه العناد منهم ؛ كقوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، وذلك يدل على تعنتهم في القول ؛ ليتخلصوا عما بلوا بجميع ما يحتمل وسعهم ، لا أن ذلك كذلك في قلوبهم ؛ لذلك - والله أعلم - قال الله - تعالى - { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . ثم دل قوله : { وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أنهم قد عرفوا أن الإيمان هو التصديق لوجهين : أحدهما : أنهم جعلوا الإيمان مقابل التكذيب ؛ ليعلم أنه التصديق . والثاني : أنهم ذكروا الآيات ، والآيات يكذب بها ويصدق لا أن يعمل . وبعد ، فإن الذي في حد إمكان الإتيان مما فات هو التصديق ؛ إذ مشكلة الغير لو توهم الأمر ليوجد ما سبق من الترك والتصديق لو أمر ، فهو لما سبق من التكذيب على أنه أجمع ألا يؤمر من آمن بقضاء شيء مما فات ، فثبت أنهم أرادوا به التصديق ، وفيه [ أنه ] اسم لذلك حتى عرفه أهله وغير أهله معرفة واحدة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } [ قيل فيه بوجوه فقال بعضهم : إنه ] يخرج على أوجه : أحدها : على أن الآية في أهل النفاق أظهرت ما قد أضمروا من الكفر . والثاني : أن تكون الآية في رؤساء الكفرة العلماء بالبعث ، وبأن الرسل تكون من البشر ، وألاَّ شريك لله ، فبدا للأتباع ما كان الرؤساء يخفون في الدنيا . ويحتمل : وبدا لهم من صنيعهم ما قد أسروه وأضمروه في أنفسهم ظنوا أنه لا يطلع على ذلك أحد ، وذلك كقوله : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] ، وقوله : { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } [ العاديات : 10 ] وغير ذلك . ويحتمل : ما كانوا يخفون من الخلق ، أو بدا لهم ذلك بالجزاء . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ رُدُّواْ } أي : إلى ما تمنوا أن يردّوا إليه . { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } . أخبر الله عن علمه بما قد أسروه في ذلك الوقت إنما كان في علمه أن يكون ، وإن كان من حكمه ألا يردوا في ذلك [ و ] أن الآية لا تضطر صاحبها ، ولا قوة إلا بالله . وقال قوم : إن الخلود يلزم في النار بما هم في علم الله أنهم يلزمون ما هم عليه لو مكثوا للأبد . وقال قوم : لم يجز لزوم العذاب بما يعلم الله من العناد من أحد لو امتحن بلا محنة ولا خلاف ، فعلى ذلك أمر الخلاف ، لكن الآية في خاص منهم ، وهم الذين اعتدوا [ وعاندوا ] الحق بعد الوضوح ، على ما ذكر في كثير من الكفرة أنهم لا يؤمنون أبدا ، ثم أمهلهم على ذلك ، وهذا يبين أنه ليس يمنع الإعادة لما يعودون له لو كان يحتمل في الحكمة الإعادة ؛ إذ قد أمهل وأبقى على العلم بذلك ، فعلى ذلك الإفادة ، لكنه أخبر عن تعنتهم . ثم ظنت المعتزلة أن الله لو علم أنهم يؤمنون لردهم إلى ذلك [ و ] إذ بين أنهم لا يؤمنون فيستدلون بهذا على أنه ليس لله قبض روح مَنْ يعلم أنه لو لم يقبضه يؤمن يوماً من الدهر وقد بينا نحن أن ذلك لا يجب ، وإن كان أولئك في علم الله لن يعودوا إلى ذلك بما قد يترك في الدنيا من يعلم أنه يلزم الكفر ، وينجي عن المهالك من يعلم أنه يعود ، ثم قد يترك من يعود إلى الكفر على وجود ما به النجاة عنه ، والله أعلم . وبعد ، فإن الله - تعالى - قال : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 27 ] فبين أنه لم يبسط لئلا يبغوا ، وقال : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ … } الآية [ الزخرف : 33 ] ، ثم قد جعل لكثير ممن ضل بهم قوم نحو الفراعنة ولكثير منهم وقد بغوا في الأرض ؛ إذ لو لم يكن البسط لفرعون لم يكن ليدعي الألوهية لكن الأول : طريق الفضل يفضل به ، والثاني : طريق العدل وما يجوز في الحكمة ، فعلى ذلك الإمهال ، يبين لك ما كان الله يأمر بقتل من لعله يؤمن لو أمهل بما ندب إلى القتال ، ولا يحتمل أن يأمر في قتل من ليس له قبض روحه ، وقد يبقى من به يهلك ويضل ، وإن قبض كثيراً منهم بما يضل به لو أبقى ؛ كما قال : { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } [ الكهف : 80 ] ، والله أعلم . وظنت الخوارج بهذه الآية أن كل من يرتكب كبيرة يظهر منه كذبه فيما وعد أنه لا يفعل ؛ إذ الله سماهم كذبة بما في علمه أنهم يعودون إلى ذلك . فإذا تقرر عندنا من أحد [ ركوب ما كان في ] عهده وإيمانه أنه [ لا ] يرتكب يظهر به كذبه . وذلك خطأ ؛ لما لو كان كذلك لكان الصغائر والكبائر واحداً ، ومن كذب في أمر الصغائر في العهد أو رد يكفر ، ومن ارتكب [ الصغيرة ] لم يصر كذلك ، فعلى ذلك الكبائر . لكن الآية تخرج على أوجه : أحدها : أنها في قوم أرادوا بذلك دفع العذاب لا أن عزموا على ما ذكروا ، دليله فتنتهم بقوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . والثاني : أنه ذكر كذبهم ، أنطق الله جوارحهم ، فشهدت عليهم بما كتموا من الشرك ، فتمنوا عند ذلك العود والرد . ويحتمل : { بَدَا لَهُمْ } : ظهر لهم ما كانوا يخفون من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته في الدنيا وكتموه ، والله أعلم . وقوله - تعالى - : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } تعلق بظاهر هذه الآية الخوارج والمعتزلة . أما المعتزلة فإنهم قالوا : إنهم لما طلبوا الرد ولم يردهم لما علم أنه لو ردهم لعادوا إلى التكذيب ثانياً ، ولو علم منهم أنهم لا يعودون لكان يردهم ، فدل أنه إنما لم يردهم لما علم منهم أنهم يعودون إلى ما كانوا من قبل ، فيستدلون بظاهر هذه الآية على أن الله لا يفعل بالعبيد إلا الأصلح لهم في الدين ، وقالوا : لو علم منهم الإيمان لكان لا يجوز له ألا يردهم . ومن قولهم : إنه إذا علم من كافر أنه يؤمن في آخر عمره لم يجز [ له ] أن يميته . وغير ذلك من المخاييل والأباطيل . وقالت الخوارج : أخبر أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه ، وسماهم بالقول كاذبين بما في علمه أنهم لا يفعلون بما يقولون ، فعلى ذلك كل صاحب كبيرة إذا كان في اعتقاده الذي أظهره أنه لا يأتي بها ، فإذا أتى بها يصير فيما اعتقده ألا يأتي بها كاذباً ؛ ولذلك يجعلون أصحاب الكبائر كذبة في القول الأول أنهم لا يأتون بها ، وعلى ذلك كانت المبايعة بقوله - عز وجل - : { يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ … } الآية [ الممتحنة : 12 ] فإذا سرقن صرن كاذبات في البيعة ، كما جعل من ذكر كاذباً في الوعد إذا أخلف ، وعلى ذلك يجعلونه كافراً . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . يحتمل { لَكَاذِبُونَ } أي : ليكذبون لو ردوا ، أو أنهم لكاذبون في قولهم : { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : يضمرون أنهم لا يؤمنون ؛ كقوله - تعالى - : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } إلى قوله : { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] يقولون : إنك لرسول الله ، لكنهم لما أضمروا خلاف ذلك في قلوبهم سماهم كاذبين ، فعلى ذلك هؤلاء لما أضمروا في أنفسهم التكذيب وإن ردوا فهم كاذبون في ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ رُدُّواْ } . قيل : إلى الدنيا ، ولكن [ لو ] ردوا إلى المحنة ثانياً لعادوا لما نهوا عنه . والثاني : أنه ذكر كذبهم بما اعتادوا العناد ، وظهر منهم الجحود في القديم ، فبذلك سماهم كذبة ، كما سمي أهل النار كفرة بما كان من كفرهم قبل أن يصيروا إليها ؛ فعلى ذلك هذا . والثالث : أن يكون على الخبر عن عاقبتهم أنهم يصيرون كاذبين لو ردوا ، وعرض عليهم ذلك ، وبعث إليهم الرسل بالآيات ، لا أن يكذبوا في ذلك الوعد . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . قوله تعالى : { إِنْ هِيَ } يحتمل { هِيَ } : الحياة الدنيا ، ويحتمل { هِيَ } الدنيا . ثم هذا القول يحتمل أن يكون من الدهرية ؛ لأنهم ينكرون البعث والحياة بعد الموت ، ويقولون : إن هذا الخلق كالنبات ينبت ثم يتلاشى ؛ فعلى ذلك الخلق يموتون ويصيرون تراباً ، ثم يحيون في الدنيا ؛ كقوله : { نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] . ويحتمل أن هذا القول كان من مشركي العرب لما لم يروا إلا الدهر ، ولم يشاهدوا غيره ، فظنوا أنه ليس يهلكهم إلا ذلك الدهر الذي تدور الدنيا عليه ، فإن كان ذلك منهم ، فإنما كان ذلك من كبرائهم ورؤسائهم على علم منهم بذلك ، أي : بالبعث ، يلبسون ذلك على السفلة والأتباع ؛ ليكونوا أشد اتباعاً لهم وانقياداً ؛ لأنهم لو أعلموا الأتباع بالبعث بعد الموت لعلهم يتركون طاعتهم واتباعهم ؛ لما يشتغلون بالاستعداد لذلك والعمل له ، ففي ذلك ترك اتباعهم وطاعتهم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } . أي : لربهم ؛ كقوله - تعالى - : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] وكقوله - تعالى - : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [ المائدة : 3 ] أي : للنصب ، وأصله : ما روي في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( ولو ترى إذ وقفوا أذْ عرضوا على ربهم ) . وقوله - عز وجل - : { قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } . يحتمل قوله : { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } ، أي : البعث بعد الموت ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، ويقولون : إنه باطل . ويحتمل : بما كانوا أوعدوا العذاب إن لم يؤمنوا ، فكذبوا ذلك ، فقال : أليس ما أوعدتم في الدنيا حقّاً ، فأقروا فقالوا : { بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } : في الدنيا .