Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 31-32)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } . يحتمل قوله - تعالى - : { كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } ، أي : كذبوا لقاء وعد الله ووعيده في الدنيا وعلى هذا يخرج قوله : { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 5 ] أي : يرجو لقاء وعد الله [ في الدنيا ] ووعيده ، خسروا في الآخرة بتكذيبهم ذلك في الدنيا ، وعلى ذلك يخرج ما روي في الخبر : " من أحبّ لقاء الله " أي : أحب لقاء ما أعد الله له " ومن كره لقاء الله " أي : كره لقاء ما أعد له ، وأصله : من أحبّ الرجوع إلى الله أحب الله رجوعه ، ومن كره الرجوع إلى الله كره الله رجوعه إليه ، والمحبة لله اختيار أمره وطاعته ؛ وعلى ذلك ما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا جنة الكافر ، يلعب فيها ويركض في أمانيها ، وسجن المؤمن ، وراحته بالموت " . وأصله : أنها سجن المؤمن ؛ لأن المؤمن يمنعه دينه من قضاء شهواته لما يخاف هلاكه ، ويحذره مما يفضي به إلى الهلاك ، والكافر لا يمنعه شيء من ذلك عما يريد من قضاء شهواته في الدنيا ، فتكون له كالجنة ، وللمؤمن كالسجن ، على ما ذكرنا . ويحتمل [ قوله ] وجهاً آخر : وهو أن الكافر عند الموت يعاين مكانه وما أعدَّ له في النار ، فتصير عند ذلك الدنيا كالجنة له يكره الرجوع ، والمؤمن يعاين موضعه في الجنة ، فتصير كالسجن له . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } . قيل : سميت القيامة ساعة لسرعتها ، ليست كالدنيا ؛ لأن في الدنيا يتغير فيها على المرء الأحوال ، يكون نطفة ، ثم يصير علقة ، ثم مضغة ، ثم يصير خلقاً آخر ، ثم إنسانا ثم يكون طفلا ثم رجلا يتغير عليه الأحوال ، وأما القيامة فإنها لا تقوم على تغير الأحوال فسميت الساعة لسرعتها بهم . وقيل : سميت القيامة الساعة لأنها تقوم في ساعة ، وهو كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] . وقيل : سميت الساعة [ لما تقوم ساعة فساعة ] . وقوله - عز وجل - : { بَغْتَةً } أي : فجأة . وقوله - عز وجل - : { يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } . قيل : التفريط : هو التضييع ، فيحتمل قوله : { مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } ، أي : ما ضيعنا في الدنيا من المحاسن والطاعات . ويحتمل : ما ضيعنا في الآخرة من الثواب والجزاء الجزيل بكفرهم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } . هو - والله أعلم - على التمثيل ، ليس على التحقيق ، وهو يحتمل وجهين : يحتمل : أنه أخبر أنهم يحملون أوزارهم على ظهورهم بما لزموا أوزارهم وآثامهم ، لم يفارقوها قط ، وصفهم بالحمل على الظهر ، وهو كقوله - تعالى - : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] لما لزم ذلك صار كأنه في عنقه . والثاني : إنما ذكر الظهر ؛ لما بالظهر يحمل ما يحمل ، فكان كقوله : { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] و { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] لأن الكفر لا يكتسب بالأيدي ولا يقدم بها ، لكن اكتساب الشيء وتقديمه لما كان باليد ذكر اكتساب اليد وتقديمها . وكقوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ آل عمران : 187 ] أنهم لما تركوا العمل به والانتفاع ، صار كالمنبوذ وراء الظهر ؛ لأن الذي ينبذ وراء الظهر هو الذي لا يعبأ به ولا يكترث إليه . ويحتمل وجهاً آخر : ما ذُكرَ في بعض القصة أنه يأتيه عمله الخبيث على صورة قبيحة ، فيقول له : كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات ، وأنت اليوم تحملني ، فيركب ظهره ؛ فذلك قوله - تعالى - : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } . وقوله - عز وجل - : { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } . يحتمل أن يكون هذا صلة قوله : { وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 29 ] قال : { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ الأنعام : 32 ] . أي : الحياة الدنيا للدنيا خاصة ؛ لأن العمل إذا لم يكن لعاقبة تتأمل فهو عبث ، كبانٍ يبني بناء لا لعاقبة تتأمل وتقصد ببنائه فهو لعب ، وعبث ، فعلى ذلك الحياة الدنيا ، لا لدار أخرى يتأمل ويرجى بها الثواب والعقاب [ فهذا ] ليس بحكمة ، وإنما هو لعب ولهو ؛ وعلى ذلك يخرج قوله - تعالى - : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً … } [ الآية ] [ المؤمنون : 115 ] ، أخبر أن خلقه إياهم إذا لم يكن للرجوع إليه فهو عبث ، فعلى ذلك الحياة الدنيا ، إذا لم يكن هناك بعث ولا حياة بعد الموت للثواب والعقاب ، فهي لعب ولهو . واللهو : ما يقصد به قضاء الشهوة خاصة ، لا يقصد به العاقبة ، واللعب : هو الذي لا حقيقة له ولا مقصد . وقوله - عز وجل - : { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أي : الدار الآخرة خير للذين يتقون الشرك والفواحش كلها من الحياة الدنيا ، وأصله : أن الحياة الدنيا على ما عند أولئك الكفرة لعب ولهو ؛ لأن عندهم أن لا بعث ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فإذا كانت عندهم هكذا فتصير لعباً ولهواً ؛ لأنه يحصل إنشاء لا عاقبة له ، فيكون كبناء البناء الذي ذكرنا إذا كانت عاقبته غير مقصودة ، فهو لا انتفاع به .