Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 46-49)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } . اختلف فيه ؛ قال بعضهم : يراد بأخذ السمع والبصر والختم على القلوب : أخذ منافع هذه الأشياء ، أي : إن أخذ منافع سمعكم ، ومنافع بصركم ، ومنافع عقولكم ، من إله غير الله يأتيكم به : [ أي يأتيكم ] بمنافع سمعكم ، [ ومنافع ] بصركم ، [ ومنافع ] عقولكم ، فإذا كانت الأصنام والأوثان التي تعبدون من دون الله وتشركون في ألوهيته وربوبيته لا يملكون ردّ تلك المنافع التي أخذ الله عنكم ، فكيف تعبدونها وتشركونها في ألوهيته ؟ ! وقيل : يراد بأخذ السمع والبصر وما ذكر : أخذ أعينها وأنفسها ، أي : لو أخذ الله سمعكم وبصركم وعقولكم ، لا يملك ما تعبدون رد هذه الأشياء إلى ما [ كانوا عليه ] : لا يملكون رد السمع إلى ما كان ، ولا رد البصر والعقل الذي كان إلى ما كان ، فكيف تعبدون دونه وتشركون في ألوهيته ؟ ! يُسفِّهُ أحلامهم لما يعلمون أن ما يعبدون ويجعلون لهم الألوهية لا يملكون نفعاً ولا ضرّاً ، فمع ما يعرفون ذلك منهم يجعلونهم آلهة معه . وقوله - عز وجل - : { كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } . أي : نبين لهم الآيات في خطئهم في عبادة هؤلاء ، وإشراكهم في ألوهيته . { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } . أي : يعرضون عن تلك الآيات . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } . معناه - والله أعلم - : أنهم يعلمون أن العذاب لا يأتي ولا يأخذ إلا الظالم ، ثم [ مع علمهم ] أنهم ظلمة ؛ لعبادتهم غير الله ، مع علمهم أنهم لا يملكون نفعاً ولا ضرّاً يسألون العذاب كقوله : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] . وقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [ الحج : 47 ] . وقوله : { عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } : أخبر أنه لم يرسل الرسل إلا مع بشارة لأهل الطاعة ، ونذارة لأهل معصيته ، وفيه أن الرسل ليس إليهم الأمر والنهي ، إنما إليهم إبلاغ الأمر والنهي . ثم بين البشارة فقال : { فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } : لما ليس لذلك فوت ولا زوال ، ليس نعيمها كثواب الدنيا [ و ] أنه على شرف الفوت والزوال . { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } : لأنه سرور لا يشوبه حزن ، ليس كسرور الدنيا يكون مشوباً بالحزن والخوف . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } : هذه هي النذارة . وقوله - عز جل - : { يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ } . ذكر المس - والله أعلم - لما لا يفارقهم العذاب ، ولا يزول عنهم . والفسق في هذا الموضع : الكفر ، والشرك ، وما ذكر من الظلم هو ظلم شرك وكفر . وقوله - عز وجل - : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } . لم يحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - حيث قال : إنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله عليك كنزاً تستغني به ؛ فإنك محتاج ، ولا جعل لك جنة تأكل منها فتشبع من الطعام ؛ فإنك تجوع ، فنزل عند ذلك هذا ، لا يحتمل أن يقولوا له ذلك ، فيقول لهم : إني لا أقول لكم إني ملك ، وليس عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ، فإن كان من السؤال شيء من ذلك ، فإنما يكون على سؤال سألوا لأنفسهم ؛ كقوله : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } [ الإسراء : 90 - 91 ] ، ونحو ذلك من الأسئلة التي سألوا لأنفسهم ، فنزل عند ذلك ما ذكر ، فهذا لعمري يحتمل ، فيقول لهم : [ إنه ] ليس عندي خزائن الله فأجعل لكم هذا ، ولا أعلم الغيب ، ولا أقول لكم : إني ملك ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي . والثاني : جائز أن يكون النبي - عليه السلام - أوعدهم بالعذاب وخوفهم ، فسألوا العذاب استهزاء وتكذيباً ، فقالوا : متى يكون ؟ ! كقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 48 ] ، فقال عند ذلك : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ومفاتيحه ، أُنْزِلُ عليكم العذاب متى شئت ، { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } متى وقت نزول العذاب عليكم ، { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } نزلت من السماء بالعذاب ، إنما أنا [ رسول ] بشر مثلكم ، ما أتبع إلا ما يوحى إليّ ، هذا محتمل جائز أن يكون على أثر ذلك نزل . ويحتمل وجهاً آخر وهو : أنه يخبر ابتداء ، أي : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ؛ لأني لو قلت : عندي خزائن الله ، وأنا أعلم الغيب ، وإني ملك - كان ذلك أشد اتباعاً [ لي ] وأرغب وأكثر لطاعتي ، لكن أقول : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ما أتبع إلا ما يوحى إليّ ؛ لتعلموا أني صادق [ في قولي ] ومحق فيما أدعوكم إليه .