Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } . يعلم بالإحاطة أن هذا ونحوه خرج على الجواب لأسئلة كانت منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لسنا نعلم ما كانت تلك الأسئلة [ التي ] كانت من أولئك ، حتى كان هذا جواباً لهم ، فلا نفسر ، ولكن نقف ؛ مخافة الشهادة على الله . ويحتمل : أن يكون جواباً لما ذكر في آية أخرى ، وهو قولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } [ الإسراء : 90 - 91 ] ، فقال : عند ذلك : { لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ، [ وقال : ] { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } جواباً لسؤال [ عن ] وقت الساعة ، أو وقت نزول العذاب . وقوله - عز وجل - : { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } جواب لقولهم : { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ الإسراء : 93 ] فقال عند ذلك : لا أقول : إني أعلم الغيب ؛ حتى أعلم وقت نزول العذاب أو قيام الساعة ، ولا أقول : إني ملك حتى أرقى في السماء . وقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } . أي : تعرفون أنتم أنه لا يستوي الأعمى ، أي : من عمي بصره ، والبصير : أي : من لم يعم بصره ، فكيف لا تعرفون أنه لا يستوي من عمي عن الآيات ومن لم يعم عنها ؟ ! أو نقول : إذا لم يستو الأعمى والبصير ، كيف يستوي من يتعامى عن الحق ومن لم يتعام ؟ ! { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } أنهما لا يستويان . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } . في آيات الله وما ذكركم . أو نقول : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } في وعظكم ، بالله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } [ الأنعام : 51 ] . اختلف فيه : قال بعضهم : هو صلة قوله : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ … } الآية ، أيئس الكفرة عما سألوا من الأشياء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالإنذار الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم وهم المؤمنون ، أي : يعلمون أنهم يحشرون إلى ربهم ، وأن ليس لهم [ ولي ] يدفع عنهم ما يحل بهم ، ولا شفيع يسأل لهم ما لم يعطوا . وجائز أن يكون تخصيص الأمر بإنذار المؤمنين لما كان الإنذار ينفعهم ولا ينفع غيرهم ، وليس فيه لا ينذر غيرهم ؛ وهو كقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ يس : 11 ] ليس فيه أنه لا ينذر من لم يتبع الذكر ولا خشي الرحمن ولكن أنبأ أنه إنما ينفع هؤلاء ؛ كقوله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] أخبر أن الذكرى تنفع المؤمنين ولا تنفع أولئك ، ينذر الفريقين : من اتبع ، ومن لم يتبع ، ومن انتفع ، ومن لم ينتفع ، ويكون قوله : { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ } ، يعني : ليس لأولئك أولياء ولا شفعاء ؛ لأنهم يقولون : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ونحوه أخبر أن ليس لهم ولي ولا شفيع دونه . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ … } . يذكر في بعض القصة أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلسون قريباً منه ، فيجيء أشراف القوم وساداتهم ، وقد أخذ أولئك المجلس فيجلس هؤلاء ناحية ، فقالوا : نحن نجيء فنجلس ناحية ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا سادات قومك وأشرافهم ، فلو أدنيتنا منك [ في ] المجلس ، فهمّ أن يفعل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم [ بقوله ] : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ … } الآية . وإلى هذا يذهب عامة أهل التأويل ، لكنه بعيد ؛ إذ ينسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوحش فعل وأفحشه ما لو كان فيه إسقاط نبوته ورسالته ؛ إذ لا يحتمل أن يكون [ النبي ] صلى الله عليه وسلم يقرب أعداءه ويدني مجلسهم منه ، ويبعد الأولياء ، هذا لا يفعله سفيه فضلا أن يفعله رسول الله المصطفى على جميع بريته ، أو يخطر بباله شيء من ذلك ، وكان فيه ما يجد الكفرة فيه مطعنا يقولون : يدعو الناس إلى التوحيد والإيمان به والاتباع له ، فإذا فعلوا ذلك وأجابوه طردهم وأبعد مجلسهم [ منه ] ، هذا لعمري مدفوع في عقل كل عاقل ، ولكن إن كان فجائز أن يكون منهم طلب ذلك طلبوا منه أن يدني مجلسهم ويبعد أولئك ؛ هذا يحتمل ، وأما أن يهم أن يفعل ذلك أو خطر بباله شيء من ذلك فلا يحتمل . وجائز أن يكون هذا من الله ابتداء تأديباً وتعليماً ؛ يعلم رسوله صحبة أصحابه ومعاملته معهم ؛ كقوله : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [ الكهف : 28 ] ، ونهاه أن يمد عينه إلى ما متع أولئك ؛ كقوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ … } الآية [ طه : 131 ] ويخبره عن عظيم قدرهم عند الله . وقد ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي والحظر ، بل العصمة تزيد في النهي والزجر ، وأخبر أن ليس عليه من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء ، فإنما عليك البلاغ وعليهم الإجابة ؛ وهو كقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] . وقوله - عز وجل - : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } . يشبه أن يكونوا يجتمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل غداة ومساء ، فيسمعون منه ، ثم يفترقون على ما عليه أمر الناس من الاجتماع في كل غداة ومساء عند الفقهاء وأهل العلم . وجائز أن يكون ذكر الغداة والعشي كناية عن الليل كله وعن النهار جملة ؛ كقوله : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 1 - 2 ] ليس يريد بـ { وَٱلضُّحَىٰ } [ الضحى : 1 ] الضحوة خاصة ولكن النهار كله . ألا ترى أنه قال : { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 2 ] ذكر الليل دل أنه كان الضحى كناية عن النهار جملة ؛ فعلى ذلك الغداة والعشي يجوز أن يكون كناية عن الليل والنهار جملة ، والله أعلم . وجائز أن يكون أصحاب الحرف والمكاسب ، لا يتفرغون للاجتماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستماع منه في عامة النهار ، ولكن يجتمعون إليه ويستمعون منه بالغداة والعشي ، فكان ذكر الغداة والعشي لذلك أو لما ذكرنا . وجائز أن يكون المراد بذكر الغداة والعشي صلاة الغداة ، وصلاة العشاء ؛ يقول : لا تطرد من يشهد هاتين الصلاتين ، وإنما [ كان ] يشهدهما أهل الإيمان ، وأما أهل النفاق : فإنهم [ كانوا ] لا يشهدون هاتين الصلاتين ، ويحتمل [ غير ] ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . [ الظلم ] على وجوه : ظلم كفر ، وظلم شرك ، وظلم يكون بدونه ، وهو أن يمنع أحدا حقه أو أخذ منه حقا بغير حق ؛ فهو كله ظلم . والظلم - هاهنا والله أعلم - : يشبه أن يكون هو وضع الحكمة في غير أهلها ؛ لأنه لو كان منه ما ذكر من [ طرد أولئك وإدناء أولئك ] لم يكن أهلا للحكمة ، ويجوز أن يوصف واضع الحكمة في غير موضعها بالظلم ؛ على ما روي في الخبر : " أن من وضع الحكمة في غير أهلها فقد ظلمها ، ومن منعها عن أهلها فقد ظلمهم " . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } . قوله : { وَكَذٰلِكَ } لا يتكلم إلا على أمر سبق ، فهو - والله أعلم - يحتمل أن يقول لما قالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء الأعبد من قومك ، أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء ، ونحن سادة القوم وأشرافهم ؟ ! فقال عند ذلك : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي : كما فضلتكم على هؤلاء في أمر الدنيا فكذلك فضلتهم عليكم في أمر الدين ، ويكونون هم المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدنين مجلسهم إليه ، وأنتم أتباعهم في أمر الدين ، وإن كانوا هم أتباعكم في أمر الدنيا ؛ فكذلك امتحان بعضهم ببعض . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن يقال : كما كان له امتحان كل في نفسه ابتداء محنة ؛ كقوله : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] . وكقوله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] . وقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ … } الآية [ البقرة : 155 ] . فعلى ذلك له أن يمتحن بعضكم ببعض . وأشد المحن أن يؤمر المتبوع ومن يرى لنفسه فضلا بالخضوع للتابع ومن هو دونه عنده ، يشتد ذلك عليه ويتعذر ؛ لما كانوا يرون هم لأنفسهم الفضل والمنزلة في أمر الدنيا ، فظنوا أنهم كذلك يكونون في أمر الدين ؛ وعلى ذلك يخرج امتحانه إبليس بالسجود لآدم لما رأى لنفسه فضلا عليه فقال : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } [ الأعراف : 12 ] ولم ير الخضوع لمن دونه عدلا وحكمة ، فصار ما صار ؛ فعلى ذلك هؤلاء لم يروا أولئك الضعفة أن يكونوا متبوعين عدلا وحكمة ، وظنوا أنهم لما كانوا مفضلين في أمر الدنيا ، وكان لهؤلاء إليهم حاجة - يكونون في أمر الدين كذلك ، ويقولون : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] ونحوه من الكلام . وقوله - عز وجل - : { لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } . قال بعضهم : هو موصول بالأول بقوله : { فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ } يقول الكافر قول الكفر والمؤمن قول الإيمان . ثم ابتدأ فقال : { أَهَـٰؤُلاۤءِ } أي : يقول الكفرة { أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } ليس بمفصول من قوله { لِّيَقُولوۤاْ } ولكن موصول به { لِّيَقُولوۤاْ } يعني الكفرة { أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } . ثم يحتمل قوله { أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } بالحظ بالتقريب والإدناء في المجلس وجعلهم متبوعين من بيننا بعد ما كانوا أتباعاً لنا فقال عند ذلك { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } أي : عرف هؤلاء نعمة الله تعالى ، ووجهوا شكر نعمه إليه وأنتم وجهتم شكر نعمه إلى غيره بعد ما عرفتم أنه هو المنعم عليكم والمسدي إليكم .