Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-62)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } . هذا - والله أعلم - يحتمل أن يكون صلة قوله : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [ الأنعام : 50 ] ، وصلة قوله : { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } ؛ كانوا يطلبون منه صلى الله عليه وسلم ويسألونه أشياء من التوسيع في الرزق ، وغير ذلك مما كان يعدهم من الكرامة والمنزلة والسعة ، وكان يوعدهم بالعذاب ويخوفهم بالهلاك ، فيستعجلون ذلك منه ويطلبون منه ما أوعدهم فقال : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } ، ليس ذلك عندي ، لا يعلم ذلك إلا هو . ومفاتح : من المفتح ، ليس من المفتاح [ ؛ لأن المفتاح ] يكون جمعه مفاتيح ، والمفتح : يقال في النصر والمعونة ؛ يقال : فتح الله عليه بلدة كذا ، أي : نصره وجعله غالباً عليهم ، ويقال فيما يحدثه ويستفيد منه : فتح فلان على فلان باب كذا ، أي : علمه علم ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } . أي : من عنده يستفاد ذلك ومنه يكون ، ومن نصر آخر إنما ينصر به ، ومن علم آخر علما إنما يعلمه به ، ومن وسع على آخر رزقاً إنما يوسعه بالله ، كل هذا يشبه أن يخرج تأويل الآية . وقوله - عز وجل - : { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } . هذا يحتمل وجوهاً ؛ يحتمل [ أي يعلم ] ما في البر والبحر من الدواب ، وما يسكن فيها من ذي الروح ، كثرتها وعددها وصغيرها [ وكبيرها ] لا يخفى عليه شيء . والثاني : { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي : يعلم رزق كل ما في البر والبحر من الدواب ويعلم حاجته ، ثم يسوق إلى كل من ذلك رزقه . يذكر هذا - والله أعلم - ليعلموا أنه لما ضمن للخلق لكل منهم رزقه ، يسوق إليه رزقه من غير تكلف ولا طلب ؛ [ كما يسوق أرزاق ] كل ما في البر والبحر من غير طلب ولا تكلف ، لا تضيق قلوبهم لذلك ، فما بالكم تضيق قلوبكم على ذلك ، وقد ضمن ذلك لكم كما ضمن لأولئك ؟ ! والثالث : يعلم ما في البر والبحر من اختلاط الأقطار بعضها ببعض ، ومن دخول بعض في بعض ، يخرج هذا على الوعيد : أنه لما كان عالماً بهذا كله يعلم بأعمالكم ومقاصدكم . فإن قيل : هذا الذي ذكر كله في الظاهر دعوى ، فما الدليل على أنه كذلك ؟ قيل : اتساق التدبير في كل شيء وآثاره فيه يدل على أنه كان بتدبير واحد ؛ لأن آثار التدبير في كل شيء واتساقه على سنن واحد ظاهرة بادية ، فذلك يدل على ما ذكر . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ … } [ الآية ] . يحتمل الكتاب - هاهنا - : التقدير والحكم اختلف فيه ؛ قال بعضهم : قوله : { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } أي : محفوظ كله عنده ؛ يقول الرجل لآخر : عملك كله عندي مكتوب ، يريد الحفظ ، أي : محفوظ عندي ، وذلك جائز في الكلام . وقيل : الكتاب - هاهنا - : [ هو ] اللوح المحفوظ ، أي : كله مبين فيه . وقال الحسن - رحمه الله - : إن الله يخرج كتاباً في كل ليلة قدر ، ويدفعه إلى الملائكة ، وفيه مكتوب كل ما يكون في تلك السنة ؛ ليحفظوه على ما يكون . أو كلام نحو هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } . قال بعض أهل الكلام : إن لكل حاسة من هذه الحواس روحاً تقبض عند النوم ، ثم ترد إليها ، سوى روح الحياة فإنها لا تقبض ؛ لأنه يكون أصم بصيراً متكلماً ناطقاً ، ويكون أعمى سميعاً ، ويكون أخرس سميعاً بصيراً ، فثبت أن لكل حاسة من حواس النفس روحاً على حدة تقبض عند النوم ، ثم ترد إليها إذا ذهب النوم . وأما الروح التي بها تحيا النفس : فإنه لا يقبض ذلك منه إلا عند انقضاء أجله وهو الموت . وقالت الفلاسفة : الحواس هي التي تدرك صور الأشياء بطينتها . وقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } . فيه دلالة أن ليس ذكر الحكم في حال أو تخصيص الشيء في حال دلالة سقوط ذلك في حال أخرى ؛ لأنه قال : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } ، ليس فيه أنه لا يعلم ما جرحنا بالليل ، بل يعلم ما يكون منا بالليل والنهار جميعاً ، وليس فيه أنه لا يتوفانا بالنهار وألا نجرح بالليل ، لكنه ذكر الجرح بالنهار والوفاة بالليل ؛ [ لما أن الغالب أن يكون النوم بالليل والجرح بالنهار ؛ فهو كقوله - تعالى : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] ليس ألا يبصر بالليل ، لكن ذكر النهار ] لما أن الغالب مما يبصر إنما يكون بالنهار ؛ فعلى ذلك الأول . ثم فيه دلالة أن النائم غير مخاطب في حال نومه ؛ حيث ذكر الوعيد فيما يجرحون بالنهار ولم يذكر بالليل . وقوله - عز وجل - : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } . قال بعضهم : جرحتم ، أي : أثمتم بالنهار . وقيل : يعلم ما كسبتم بالنهار . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } . يستدل بقوله : { يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } على الإحياء بعد الموت ؛ لأنه يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها إليها من غير أن يبقى لها أثر ، فكيف تنكرون البعث بعد الموت وإن لم يبق من أثر الحياة [ شيء ] ؟ ! ثم القول في الجمع بعد التفرق مما الخلق يفعل ذلك ويقدر عليه ؛ نحو ما يجمع من التراب المتفرق فيجعله طيناً ، ورفع البناء من مكان ، ووضعه في مكان آخر ، وغير ذلك من جمع بعض إلى بعض ، وتركيب بعض على بعض ؛ فدل أن الأعجوبة في ردّ ما ذهب كله حتى لم يبق له أثر ، لا في جمع ما تفرق ، والله أعلم . وقوله - عز جل - : { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } . أي : يوقظكم ، ويرد إليكم أرواح الحواس . { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى } . أي : مسمى العمر إلى الموت . { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . خرج هذا على الوعيد لما ذكرنا ؛ ليكونوا على حذر . وقوله - عز وجل - : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } ، وقوله : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } . يعلم كل ما يغيب عن الخلق ولا يخفى عليه شيء ؛ لأنه عالم بذاته لا يحجبه شيء ، ليس كعلم من يعلم بغيره ، فيحول بينه وبين العلم بالأشياء الحجب والأستار ، فأما الله - سبحانه وتعالى - فعالم بذاته لا يعزب عنه شيء ، ولا يكون له حجاب عن شيء . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } : فيه جميع ما يحتاج أهل التوحيد في التوحيد ؛ لأنه أخبر أنه قاهر لخلقه وهم مقهورون ، ومن البعيد أن يشبه القاهر المقهور بشيء ، أو يشبه المقهور القاهر بوجه ، أو يكون المقهور شريك القاهر في معنى ؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لم يكن قاهرا من جميع الوجوه ، ولا كان الخلق مقهوراً في الوجوه كلها ، فإذا كان الله قاهراً بذاته الخلق كله كانت آثار قهره فيهم ظاهرة ، وأعلام سلطانه فيهم بادية ؛ دل على تعاليه عن الأشباه والأضداد ، وأنه كما وصف { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . وقوله : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } . يكون على وجهين : أحدهما : وهو القاهر وهو فوق عباده . الثاني : على التقديم والتأخير ؛ وهو فوق عباده القاهر . ويحتمل قوله : { فَوْقَ عِبَادِهِ } : بالنصر لهم والمعونة والدفع عنهم ؛ كقوله : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] ، أي : بالنصر والمعونة ، والعظمة والرفعة والجلال ، ونفاذ السلطان والربوبية . وقوله - عز وجل - : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } . أخبر أنه القاهر فوق عباده ، وأنه أرسل عليهم الحفظة ؛ ليعلموا أن إرسال الحفظة عليهم لا لحاجة له [ في ذلك لما أخبر [ أنه ] قاهر فوق عباده ولو كان ذلك لحاجة له ] لم يكن قاهراً ؛ لأن كل من وقعت له حاجة صار مقهوراً تحت قهر آخر ، فالله - تعالى - يتعالى عن أن تمسه حاجة ، أو يصيبه شيء مما يصيب الخلق ، بل إنما أرسلهم عليهم لحاجة الخلق : إما امتحاناً منه للحفظة على محافظة أعمال العباد والكتابة عليهم ، من غير أن تقع له في ذلك حاجة ، يمتحنهم على ذلك ، ولله أن يمتحن عباده بما شاء من أنواع المحن ، وإن أكرمهم ووصفهم بالطاعة في الأحوال كلها بقوله : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] ، وغير ذلك من الآيات . والثاني : يرسلهم عليهم بمحافظة أعمالهم والكتابة عليهم ؛ ليكونوا على حذر في ذلك [ العمل ] ، [ وذلك في الزجر أبلغ وأكثر ؛ لأن من علم أن عليه رقيباً في عمله وفعله كان أحذر في ذلك العمل ] . وأنظر فيه ، وأحفظ له ممن لم يكن عليه ذلك ، وإن كان يعلم كل مسلم أن الله عالم الغيب لا يخفى عليه شيء ، عالم بما كان منهم وبما يكون أنه كيف يكون ؟ ومتى يكون ؟ ثم اختلف في الحفظة هاهنا : قال بعضهم : هم الذين قال الله [ فيهم ] : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ * وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ * وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ * ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ * كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 1 - 12 ] يكتبون أعمالهم ويحفظونها عليهم . وقال آخرون : هم الذين يحفظون أنفاس الخلق ، ويعدون عليهم إلى وقت انقضائها وفنائها ، ثم تقبض منه الروح ويموت ؛ ألا ترى أنه قال على أثره : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } ؛ دل على أن الحفظة - هاهنا - هم الذين سلطوا على حفظ الأنفاس ، والعد عليهم إلى وقت الموت ، والله أعلم . ثم في قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } دلالة خلق أفعال العباد ؛ لأنه ذكر مجيء الموت وتوفي الرسل ، وقال : { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] ومجيء الموت هو توفي الرسل وتوفي الرسل هو مجيء الموت . ثم أخبر أنه خلق الموت دل أنه خلق توفيهم ، فاحتال بعض المعتزلة في هذا وقال : إن الملك هو الذي ينزع الروح ويجمعه في [ موضع ] ، ثم إن الله يتلفه ويهلكه . فلئن كان ما قال ، فإذن لا يموت بتوفي الرسل أبداً ؛ لأنهم إذا نزعوا وجمعوا في موضع تزداد حياة الموضع الذي جمعوا فيه ؛ لأنه اجتمع كل روح النفس في ذلك الموضع ، فإن لم يكن دل أن ذلك خيال ، والوجه فيه ما ذكرنا من الدلالة ، وهو ظاهر بحمد الله ، يعرفه كل عاقل يتأمل فيه ولم يعاند ، وبالله التوفيق . ثم اختلف في قوله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } : قال بعضهم : هو ملك الموت وحده ، وإن خرج الكلام مخرج العموم بقوله : { رُسُلُنَا } ، والمراد منه الخصوص ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] ، أخبر أنه هو الموكل والمسلط على ذلك . وقال آخرون : يتوفاه أعوان ملك الموت ، ثم يقبضه ملك الموت ويتوفاه . وقال قائلون : يكون معه ملائكة تقبض الأنفس ، ويتوفاه ملك الموت . لكن [ ذكر ] ذلك لا ندري أن كيف هو ، ؟ ليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة ، ولكن إلى معرفة ما ذكرنا . وقوله : { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } فيه إخبار عن شدة طاعة الملائكة ربهم ، وأن الرأفة لا تأخذهم فيما فيه تأخير أمر الله وتفريطه ؛ لأن من دخل على من في النزع ، أخذته من الرأفة ما لو ملك حياته لبذل له ، فأخبر عز وجل أنهم لا يفرطون فيما أمروا ولا يؤخرونه ؛ لتعظيمهم أمر الله وشدة طاعتهم له ، وعلى ذلك وصفهم : { غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] ، وقال - عز وجل - : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] ، وقال : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [ الأنبياء : 19 ] . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } . ذكر الرد إلى الله ، وأنه مولاهم الحق ، وإن كانوا في الأحوال كلها مردودين إلى الله ، وكان مولاهم الحق في الدنيا والآخرة . وكذلك قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] وكذلك قوله : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] كان الملك له في الدنيا والآخرة ، وكانوا بارزين له جميعاً في الأوقات كلها ؛ لما كانوا أصحاب الشكوك ، فارتفع ذلك عنهم ، وخلص بروزهم وردهم إلى الله خالصاً لا شك فيه ؛ وكذلك كان الملك [ له ] في الدنيا والآخرة وهي الأيام كلها ، لكن نازعه غيره في الملك في الدنيا ، ولا أحد ينازعه في ذلك اليوم في الملك ، فقال : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ؛ وعلى ذلك قوله : { مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } ، كان مولاهم الحق في الأوقات كلها والأحوال ، ولكن عند ذلك يظهر لهم أنه كان مولاهم الحق . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ } . يحتمل : ردوا إلى ما وعدهم وأوعد . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } . يحتمل قوله : { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } : في تأخير الموت والحياة ، وقبض الأرواح ، وتوفي الأنفس . ويحتمل [ قوله ] : { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } في التعذيب في النار والثواب والعقاب ليس يدفع ذلك عنهم دافع سواه ، ولا ينازعه أحد في الحكم . { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } . عن الحسن قال : هو سريع العقاب ؛ لأنه إنما يحاسب ليعذب كما روي : " من نوقش الحساب عذب " وهو أسرع الحاسبين ؛ لأنه لا يحاسب عن حفظ ولا تفكر ، ولا يشغله شيء ، وأما غيره : فإنما يحاسب عن حفظ وتفكر وعن شغل ، فهو أسرع الحاسبين ؛ إذ لا يشغله شيء .