Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 71-73)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } : يحتمل هذا وجوهاً : يحتمل : أن يكون أولئك الكفرة دعوا رسول الله أو المؤمنين إلى عبادة الأصنام التي كانوا يعبدونها ، فقال عند ذلك : { أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } ، بعدما عبدنا الله الذي يملك نفعنا وضرنا . أو كان أهل الكفر يدعون أهل الإسلام إلى عبادة الأوثان التي كانوا يعبدونها : إما طمعاً بشيء يبذلونه ؛ ليرجعوا إلى عبادة الأوثان [ والأصنام ] عن عبادة الله ، أو تخويفاً منهم لهم ، فقال : قل يا محمد أندعو من دون الله ما لا يملك نفعنا إن عبدناه ، ولا يملك ضرنا إن تركنا عبادته ، بعدما عبدنا الذي يملك نفعنا إن عبدناه ، ويملك ضرنا إن تركنا عبادته ؟ ! وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } : هذا مثل ضربه الله للأصنام التي عبدوها دون الله ، ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى الله وإلى عبادته ؛ كمثل رجل ضل به الطريق ؛ فبينما هو ضال إذ ناداه مناد : يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق . وقوله - عز وجل - : { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا } : في الكفر والشرك . { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ } . يقول : مثلهم إن كفروا بعد الإيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق فحيرته الشياطين [ واستهوته ] في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : ائتنا ؛ فإنا على الطريق ، قال : فلم يأتهم ؛ فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة بمحمد ، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعوهم إلى الطريق وهو الهدى . ويحتمل أن يكون المثل الذي ضربه من وجه آخر ، وهو أن مثل هؤلاء كمثل من كان في بعض المفاوز والبراري ، فضل الطريق [ به ] ، فذهب به الغيلان حتى أوقعوه في الهلكة ؛ وهو الذي تقدم ذكره . ويشبه أن يكون قوله : { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا } أنه ما من أحد : من مشرك ومؤمن ، إلا وله أصحاب يدعونه : أما المؤمن : فله أصحاب من الملائكة يدعونه إلى الهدى ، والكافر : له شياطين يدعونه إلى الشرك ؛ هذا أشبه أن يحمل عليه ، لكن أهل التأويل حملوا [ الآية ] على ما ذكرنا . قال قتادة : هذه خصومة علمها الله محمدا [ يخاصم بها ] أهل الشرك ؛ لأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : { ٱسْتَهْوَتْهُ } : أضلته . قال أبو عوسجة : أي : ذهبت به ، استهوته وأهوته واحد ، أي : دعته إلى الهلكة ، وقيل : أضلته . وقوله : { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا } . أي : نرجع عن الإيمان إلى الشرك ، { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ } . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } . قيل : بيان الله هو البيان . وقيل : إن دين الله هو الهدى وهو الدين . وقوله - عز وجل - : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . قيل : هذا صلة قوله : { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ } { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وقال بعضهم : ليس على الصلة ، ولكن على الابتداء : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وقل لهم : { أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ } . { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } قد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } . قيل : قوله : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : خلق السماوات والأرض بالحق لم يخلقهما باطلا ؛ كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] . قيل : لم يخلقهما باطلا ، ولكن خلقهما بالحق ، وهو يحتمل وجوهاً : قيل : خلقهما للعاقبة ؛ لأن كل أمر لا عاقبة له فهو باطل ليس بحق ، فإنما خلق السماوات والأرض وما بينهما للعاقبة وذلك لأمر عظيم ؛ كقوله : { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 5 - 6 ] . وقيل : قوله : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : خلقهما ليمتحن فيهما ولمحنة سكانهما ، لم يخلقهما لغير شيء . وقيل : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : خلقهما بالحكمة من نظر فيهما وتدبر ؛ للدلالة على أن لهما خالقاً ومدبراً ، والدلالة على أن مدبرهما ومنشئهما واحد ، فإذا كان كذلك كان خلقهما بالحق بالحكمة والعلم . وقوله - عز وجل - : { كُن فَيَكُونُ } . قد ذكرنا أن قوله : { كُن } هو أوجز كلام في لسان العرب يعبر به فيفهم منه ، لا أَنْ كَانَ مِنَ اللهِ كافٌ أو نونٌ ، لكنه ذكر - والله أعلم - ليعلموا أن ليس على الله في الإحياء والإنشاء بعد الموت مؤنة ؛ كما لم يكن على الخلق في التكلم بـ " كن " مؤنة ، ولا يصعب عليهم ذلك ؛ فعلى ذلك ليس على الله في البعث بعد الموت مؤنة ولا صعوبة . والثاني : ذكر هذا لسرعة نفاذ البعث ؛ كقوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] أخبر أن خلقهم وبعثهم ليس إلا كخلق نفس واحدة ، وبعث نفس واحدة ، وكقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] يخبر لسرعة نفاذ الساعة وبعثهم ، وذلك أن الرجل قد يلمح البصر وهو لا يشعر به ؛ فعلى ذلك القيامة قد تقوم وهم لا يشعرون . والثالث : يذكر هذا - والله أعلم - أن البعث بعد الموت والإحياء إعادة ، وإعادة الشيء عندكم أهون من ابتداء إنشائه ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] أي : هو أهون عليه عندكم . وقوله - عز وجل - : { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } . يحتمل : { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } ، أي : البعث بعد الموت حق على ما أخبر . ويحتمل : { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } ، أي : ذلك القول منه حق يكون كما ذكر . وقوله - عز وجل - : { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } [ أي ] : ملك ذلك اليوم ؛ كقوله : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ؛ وكقوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } [ الحج : 56 ] ذكر هذا - والله أعلم - لما لا ينازعه أحد في ملك ذلك اليوم ، وقد نازعه الجبابرة في الملك في الدنيا ، وإن لم يكن لهم ملك ولا ألوهية . ويحتمل قوله : { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } ، أي : ملك جميع الملوك له في الحقيقة ؛ كقوله : { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّور } : قال بعضهم : النفخ : هو الروح ، والروح من الريح ، والروح إنما تدخل بالنفخ { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] . وقال بعضهم : لا يكون هناك في الحقيقة نفخ ، ولكن يذكر لسرعة نفاذ الساعة ؛ لأن الرجل قد يتنفس وهو لا يشعر به ، فذكر هذا لسرعة نفاذ الساعة ؛ لأنه ليس شيء أسرع جرياناً ونفاذاً من الريح . وقال بعضهم : هو على حقيقة النفخ وهو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فِي ٱلصُّورِ } قال بعضهم : في صور الخلق ، وقال بعضهم : الصور قرن ينفخ [ فيه ] إسرافيل فلا ندري كيف هو ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى أن فيه ما ذكرنا من سرعة نفاذ البعث . وقوله - عز وجل - : { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } . أي : يعلم ما يغيب الخلق بعضهم من بعض . { وَٱلشَّهَٰدَةِ } ، ما يشهد بعضهم بعضاً . أو يحتمل عالم الغيب ، أي : يعلم ما يكون إذا كان كيف كان ، أو يعلم وقت كونه ، والشهادة : ما كان وشوهد ؛ يخبر أنه لا يغيب عنه شيء ولا يعزب عنه . { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } : في خلق السماوات والأرض ، وخلق ما فيهما ، والحكيم : في بعثهم ، و [ الحكيم ] هو واضع الشيء موضعه . { ٱلْخَبِيرُ } بكل شيء .