Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-70)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . يشبه أن يكون قوله : { يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ أن يكون ] أي : يكفرون بها ويستهزئون بها ؛ كما قال في سورة النساء : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } [ النساء : 140 ] فيكون خوضهم في الآيات الكفر بها والاستهزاء بها ، ويكون قوله - تعالى - : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، أي : لا تقعد معهم ؛ كما قال : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [ النساء : 140 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . يحتمل : النهي عن القعود معهم على ما ذكرنا من قوله : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ } [ النساء : 140 ] . ويحتمل الإعراض : الصفح عنهم وترك المجازاة لمساويهم ؛ كقوله - تعالى - : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } [ الزخرف : 89 ] ؛ [ و ] كقوله تعالى : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } [ النساء : 63 ] وفيه الأمر بالتبليغ فينهى عن القعود معهم والأمر بالتبليغ . وقوله - عز وجل - : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } معناه - والله أعلم - : أن الشيطان إذا أنساك القعود معهم فلا تقعد بعد ذكر الذكرى ، ومعنى النهي بعد ما أنساه الشيطان ، أي : لا تكن بالمحل الذي يجد الشيطان إليك سبيلا في ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } . قيل فيه رخصه الجلوس معهم ؛ وهو كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنعام : 52 ] ثم نسخ ذلك بقوله - تعالى - : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [ النساء : 140 ] وكان النهي عن مجالستهم ليس للجلوس نفسه ، ولكن ما ذكرنا من خوضهم في آيات الله بالاستهزاء بها [ والكفر بها ] هو الذي كان يحملهم على ذلك ، ليس ألا يجوز أن تجالسهم ، وكذلك ما نهانا أن نسبهم ليس ألا يجوز لنا أن نسبهم ، ولكن لما كان سبنا إياهم هو الذي يحملهم على سب الله . { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . يحتمل النهي عن القعود معهم وجهين . [ أحدهما ] : نهى هؤلاء عن القعود معهم لما كان أهل النفاق يجالسونهم ، ويستهزئون بالآيات ويكفرون بها ، فنهى هؤلاء عن ذلك ؛ ليرتدع أهل النفاق عن مجالستهم . والثاني : أنه نهى المؤمنين عن مجالستهم ؛ ليمتنعوا عن صنيعهم حياء منهم ؛ لأنهم لو امتنعوا عن مجالستهم فيمنعهم ذلك عن الاستهزاء بها والكفر بها ، لما كانوا يرغبون في مجالسة المؤمنين ، فيتذكرون عند قيامهم عنهم ، فيتقون الخوض والاستهزاء ، ولا يخافون أن يعرفوا في الناس بترك مجالستهم المؤمنين ، فيحملهم ذلك على الكف عن الاستهزاء بالآيات وبرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } أي : وذر الذين اتخذوا لعبا ولهوا دينا ؛ على التقديم والتأخير . والثاني : اتخذوا اللعب واللهو دينهم ؛ حتى لا يفارقوا اللعب واللهو ؛ لأن الدين إنما يتخذ للأبد ، فعلى ذلك اتخذ أولئك اللعب واللهو للأبد كالدين . ثم هو يخرج على وجوه : أحدها : اتخذوا دينهم عبادة ما لا ينفع ولا يضر ، ولا يبصر ولا يسمع ولا يعلم ، ومن عبد من هذا وصفه ، واتخذ ذلك دينا - فهو عابث لاعب . والثاني : اتخذوا دينهم ما هوته أنفسهم ، ودعتهم الشياطين إليه ، ومن اتخذ دينه بهوى نفسه ، وما دعته نفسه إليه - فهو عابث لاعب . والثالث : صار دينهم لعباً وعبثاً ؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ، ومن لم يقصد بدينه الذي دان به عاقبة فهو عابث مبطل ؛ كقوله - تعالى - : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً … } الآية [ المؤمنون : 115 ] صير عدم الرجوع إليه عبثاً . وقوله : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } . أي : شغلهم ما اختاروا من الحياة الدنيا والميل إليها عن النظر في الآيات والبراهين والحجج . أو أن يكون قوله : { وَغَرَّتْهُمُ } ، أي : اغتروا بالحياة الدنيا ؛ أضاف التغرير إلى الحياة الدنيا [ لما بها ] اغتروا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } . قيل : وذكر به قبل أن تبسل نفس بما كسبت ، وإنما يذكرهم بهذا لئلا يقولوا غداً : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] . وأصل الإبسال : الإهلاك ، أو الإسلام للجناية والهلاك . ثم اختلف في قوله : { أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } : عن ابن عباس قال : أن تفضح نفس بما كسبت . وقيل : تبسل : تؤخذ وتحبس ؛ وهو قول قتادة ؛ وكذلك قال في قوله : { أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } ، أي : حبسوا بما كسبوا . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : { أُبْسِلُواْ } أي : فضحوا ؛ على ما قال في { تُبْسَلَ } . وعن الحسن : { تُبْسَلَ } ، [ أي ] : تسلم وعن مجاهد كذلك . قال أبو عوسجة : { تُبْسَلَ نَفْسٌ } : أي : تسلم ، وذلك أن الرجل يجني جناية ، فيسلم إلى أهل الجناية . وقال القتبي : { تُبْسَلَ } أي تسلم للهلكة . وعن الكيساني : { تُبْسَلَ } : تجزي نفس بما كسبت . وقال الفراء : { تُبْسَلَ } : ترهن . وأصل الإبسال : هو الإسلام ، [ وتفسيره ] ما ذكر على أثره ، وهو قوله : { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } ؛ كما يكون بعضهم شفيعاً لبعض في الدنيا ، وأعواناً لهم وأنصاراً في دفع المضار والمظالم عنهم وجر المنافع إليهم ، وأما في الآخرة : فإن كل نفس تسلم بما كسبت ، لا شفيع لها ولا ولي ؛ كقوله : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ … } [ عبس : 34 ] . وكقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } [ البقرة : 167 ] ، وغير ذلك من الآيات تسلم كل نفس إلى كسبها لا شفيع لها ولا ولي . وقوله : { وَذَكِّرْ بِهِ } ، يحتمل بالقرآن والآيات ويحتمل { بِهِ } ، أي : بالله ، أي : عظ به أن تهلك نفس بما كسبت . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ } . اختلف فيه : قال بعضهم : العدل : الفداء ؛ يقول : وإن فدت [ نفس ] كل الفداء لتتخلص مما حل بها ، لم يؤخذ منها ولم يقبل منها ذلك . وقال الحسن : العدل : كل عمل البر والخير ، أي : وإن عملت كل عمل البر والخير من الفداء والتوبة ، لم يقبل منها ذلك ؛ يخبر أن الدار الآخرة ليست بدار العمل ، ولا يقبل فيها الرشا كما تقبل في الدنيا ، وأخبر ألا يكون شفعاء يشفعون لهم ، ولا أولياء ينصرونهم ، ليس كالدنيا ؛ لأن من أصابه في هذه الدنيا شيء ، أو حل به عذاب أو غرامة - فإنما يدفع بإحدى هذه الخلال الثلاثة ، إما بشفعاء يشفعونه ، أو بأولياء ينصرونه ، أو بالرشا ، فأخبر أن الآخرة ليست بدار تقبل فيها الرشا ، فتدفع ما حل بهم ، أو أولياء ينصرونهم في دفع ذلك عنهم ، أو شفعاء يشفعونهم . فإن قيل : ما معنى ذكر العدل والفداء ، وليس عنده ما يفدي [ ولا يبذل وما يمكَّن ] من العمل ؟ قيل : معناه - والله أعلم - أي : لو مكن لهم من الفداء ما يفدون في دفع ذلك عن أنفسهم ، ومكن لهم من العمل ما لو عملوا ، لم يقبل ذلك منهم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } . قد ذكرنا الاختلاف في الإبسال ، وأصله : الإسلام يسلمون لما اكتسبوا لا يكون لهم شفعاء ولا أولياء ، ولا يقبل منهم الرشا . وقوله - عز وجل - : { لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } . قيل : الحميم : هو ماء حار قد انتهى حره يغلي ما في البطن إذا وصل إليه ، فيشبه أن يكون لهم من الشراب ما ذكر ؛ لما تناولوا في الدنيا من الشراب المحرم ، فكان لهم في الآخرة الحميم مكان ذلك ، والعذاب الأليم ؛ لما أعطوا أنفسهم في الدنيا من الشهوات واللذات جزاء ذلك .