Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 7-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } يخبر بشدة تعنتهم أنهم وإن أتوا ما سألوا من الآيات لم يؤمنوا به ؛ لأنهم كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل كتاباً يعاينونه ، ويقرءونه ، كقوله : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] وكقوله : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [ الفرقان : 32 ] ونحوه من الآيات ، وقوله : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ } أي : في صحيفة ، مكتوباً ، يعلمون أنه لم يكتب في الأرض ، ولمسوه بأيديهم ، وعاينوه لم يؤمنوا به ، ولا صدقوه ، وقالوا : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يؤمنون ، ويخبره بشدة تعنتهم أنهم لا يؤمنون وإن جئت بكل آية ؛ إذ قد أتاهم من الآيات ما إن تأملوا ولم يتعنتوا لدلتهم على ذلك ، لكنهم أعرضوا عنها ، ولم يتأملوا فيها لتعنتهم ، وشدة مكابرتهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أن مشركي العرب كانوا لا يعرفون الرسل ، ولا الكتب ، ولا كانوا آمنوا برسول ولا كتاب ، فقالوا : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] ونحوه من السؤال ، فيسألون إنزال الملك . ثم يحتمل سؤالهم إنزال الملك لما لم يكونوا رأوا الرسل يكونون من البشر ، وإنما رأوا الرسول إن كان يكون ملكاً ، فقالوا : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } [ الفرقان : 21 ] . ويحتمل أن يكون سؤالهم إنزال الملك سؤال عناد وتعنت ، لا سؤال طلب الرسول من الملائكة ، فقال : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً } على ما سألوا { لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي أن الملك إذا نزل على إثر سؤال العناد والتعنت ينزل بالعذاب والهلاك ، فهذا يبين أن سؤالهم سؤال تعنت وعناد . وقوله - عز وجل - : { لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي أنهم كانوا يسألون إنزال الملك آية لصدقه - عليه السلام - فقال : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي : يهلكون ؛ لأن الآيات إذا نزلت على إثر سؤال القوم ثمّ خالفوا تلك الآيات وكذبوها لنزل بهم العذاب والهلاك ، وإن جاءت الآيات على غير سؤال ، فكذبوها يمهلون ، ولا يعذبون عند تكذيبهم إياها ، [ و ] الله أعلم . وقوله - عزو جل - : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } : قيل : آدميّاً بشراً ، [ و ] يحتمل هذا وجوهاً : [ أحدها ] : أي : لو بعثنا الرسول ملكاً لجعلناه على صورة البشر ؛ لأنه لو كان على صورة الملائكة لصعقوا ودهشوا ؛ لأنه ليس في وسع البشر رؤية الملك على صورته . ألا ترى أن جبريل - عليه السلام - إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل على صورته ، ولكن كان ينزل على صورة البشر ، حتى ذكر أنه كان ينزل عليه على صورة دحية الكلبي ، وأنه متى رآه على صورته صعق وتغير حاله ، فإذا رأوا ذلك في وجهه قالوا : إنه لمجنون ، فقال : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } ويكون فيه ما في رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللبس به . والثاني : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } ؛ لأنهم لا يعرفون صدقه ، فيحتاجون إلى الدلائل ، والآيات [ التي ] تدلهم على أنه ملك ، وعلى صدقه ، فذلك لا يعرف إلا بالبشر ؛ لأنهم [ لا يعرفون صدقه ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ … } الآية . قالوا : لا يجوز إضافة اللبس إلى الله - تعالى - إلا على المجازاة للبس ، كالاستهزاء ، والمكر ، والخداع . ويحتمل قوله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } أي : لو جعلناه ملكاً للبسنا عليهم ما لبس [ أولئك ] على صنيعهم ؛ حيث قالوا : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ المؤمنون : 24 ] و { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ يس : 15 ] وغير ذلك من الكلام ، لكنا لا نفعل حتى لا يكون ذلك لبساً ؛ إذ ليس في وسعهم النظر إلى الملك ، ولو جعلنا ذلك ملكاً لكان ذلك لبساً . فإن قال لنا ملحد في قوله : { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } [ سألوا أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ملك ] وقال : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } ] وأنتم تقولون : إنه قد أنزل عليه الملك ، وهو أخبر لو أنزل عليه الملك لقضي الأمر ، ولم يقض الأمر ، كيف لآيات لكم إنما اختار ذلك من نفسه ؛ لأن الله أنزل عليه ذلك . قيل : إنهم إنما سألوا أن ينزل عليهم الملك - وإن لم يذكر في الآية السؤال - لما ذكر في آية أخرى ؛ كقولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] أو سألوا أن تأتيهم الملائكة وتأتيه ، قالوا : كيف يخَصُّ هو بإتيان الملائكة دوننا وهو كواحد منا ؛ كقوله : { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الحجر : 7 ] وهذا جائز أن يكون أسئلة لم تذكر ، ويكون في الجواب بيان ذلك ، على ما ذكرنا من قبل في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } . يصبر رسوله على تكذيب قومه ليعلم أنه ليس هو أول مكذب ، ولكن قد كذب الرسل الذين من قبلك ، ويخبره أنه يلحق هؤلاء بتكذيبك كما لحق أولئك بتكذيبهم الرسل . وقوله - عز وجل - : { فَحَاقَ } . قال أبو عوسجة : " حاق " أي : رجع ، يقال : حاق يحيق حيقاً ، أي : رجع عليهم . وقال الكيساني : حاق بهم أي : [ أحاط بهم ونزل ] . وقوله - عز وجل - : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ليس على الأمر بالسير في الأرض ، ولكن على الاعتبار والتفكر فيما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل ؛ لأنه - عز وجل - أراهم آيات عقلية وسمعية ، فلم ينفعهم ذلك ، فأراد أن يريهم آيات حسية ليمنعهم ذلك عن التكذيب والعناد .