Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 80-83)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } ذكر محاجة قومه ولم يبين فيما حاجوه ، لكن في الجواب بيان أن المحاجة فيما كانت ، وهو قوله : { قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ } . ثم تحتمل المحاجة في الله : في توحيد الله ودينه . وتحتمل في اتباع أمر الله وطاعته . وذكر في بعض القصة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } : في آلهتهم وخوفوه بها ، وقالوا : إنا نخاف آلهتنا ، وأنت تشتمها ولا تعبدها ، أن تخبلك وتفسدك . وذلك محتمل ؛ وهو كقول قوم هود لهود - عليه السلام - { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] . ثم قال لهم إبراهيم - عليه السلام - : لما [ لا ] تخافون أنتم منها ؟ . قالوا : كيف نخاف ونحن نعبدها ؟ ! قال : لأنكم تسوون بين الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، أما تخافون الكبير إذ سويتموه بالصغير ، وما تخافون الذكر إذ سويتموه بالأنثى ؟ ! ويحتمل أنهم خوفوه بالله بترك عبادة آلهتهم ، لما كانوا يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، ويقولون : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] فخوفوا إبراهيم [ بالله ] بترك عبادتهم لما كان عندهم أن عبادتهم إياها تقربهم إلى الله زلفى وترك العبادة لها يبعدهم ، فقال : { وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } وقد هداني ، ولا أخاف مما تشركون به . ويحتمل قوله : { وَقَدْ هَدَانِ } [ ما ذكرنا في قوله { أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } ] الدين والتوحيد وهداني طاعته والاتباع لأمره فقال : كيف أخاف وقد هداني . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } هذا يحتمل وجهين . [ الأول ] : يحتمل لا أخاف إلا إن عصيت ربي شيئاً ، فعند ذلك أخاف ، وأما إذا هداني ربي فإني [ لا ] أخاف بتركي عبادتهم . والثاني : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي } إلا أن يبتليني ربي بشيء من المعصية ، فعند ذلك أكون في مشيئته إن شاء عذبني ، وإن شاء لم يعذبني . وقوله - عز وجل - : { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } . أي : علم ذلك كله عنده عصيت أو أطعت . وقوله - عز وجل - : [ { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ } عن ابن عباس ] { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } به من الأصنام { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً } يقول : عذراً في كتابه { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } ؟ أي : أهل [ دينين ] أنا وأنتم { أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أني أعبد إلهاً واحداً ، وأنتم تعبدون آلهة شتى ؟ ! وقيل : إنهم كانوا يخوفونه بتركه عبادة آلهتهم وإشراكه إياها في عبادة الله ، فقال : وكيف أخاف ما أشركتم أنتم بالله من الآلهة ، ولا تخافون أنتم بما أشركتم بالله غيره ما لم ينزل به عليكم سلطاناً ؟ ! أي : حجة بأن معه شريكاً . ثم قال : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } أنا أو أنتم من عبد إلهاً واحداً [ يأمن عنده ] [ أحق ] ، أم من عبد آلهة شتى صغارا وكباراً ذكوراً وإناثاً ؟ ! أو أن يقال : إني كيف أخاف آلهتكم التي تعبدون من دون الله بتركي عبادتها ، وهي لا تملك ضرا إن تركت ذلك ، ولا نفعاً إن أنا فعلت ذلك ، ولا تخافون أنتم بترككم عبادة إلهي ، وهو يملك الضر إن تركتم عبادته ، والنفع إن عبدتموه ، فأي الفريقين أحق بالأمن : من عبد إلها يملك الضر والنفع ، أو من عبد إلها لا يملك ذلك ؟ ! فقيل : رد عليه قومه فقالوا : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } برب واحد يملك الضر والنفع ، { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قيل : لم يخلطوا تصديقهم وإيمانهم بشرك ، ولم يعبدوا غيره دونه ، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } : من الضلالة والشرك . قيل : الظلم - هاهنا - : الشرك ؛ روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " لما نزلت هذه الآية : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على المسلمين فقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه ؟ ! قال : " ليس ذلك إنما هو الشرك ، أو لم تسمعوا ما قال لقمان لابنه : { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } " . وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] ، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } ؟ فقالوا : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] : ثم عملوا له واستقاموا على أمره ، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } ، أي : لم يذنبوا فقال : لقد حملتمونا على أمر شديد ، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } : بشرك ، { ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] : عليها فلم يعدلوا عنها بشرك ولا غيره . فإن ثبتت هذه الأخبار فهو ما ذكر فيها أن الظلم هو الشرك ، وإلا احتمل الظلم ما دون الشرك أن من لم يظلم ولم يذنب [ فهو في أمن ] من الله ، ومن ارتكب ذنباً أو ظلماً فله الخوف ، وهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له وعفا عنه . وقوله - عز وجل - : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ … } الآية : ينقض قول من يقول بأن إبراهيم كان غير مؤمن في ذلك الوقت و [ لا ] عارفاً بربه ؛ لأنه أخبر أنه آتاه حجته على قومه ، ولو كان هو على ما قالوا لكانت الحجة التي آتاه عليه ، فلما أخبر أنه آتاه حجته على قومه ، دل أنه ليس على ما قالوا ، ولكن كان عارفاً بربه مخلصاً له على ما سبق ذكره . فإن قال قائل : إن الحجة التي أخبر أنه آتاها إبراهيم على قومه [ هي ] قوله : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ . … } إلى آخر ما ذكر . فيقال : إن هذه ليست بمحاجة ، إنما هو تقرير التوحيد والدين . ألا ترى أنه قال : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } [ الآية ] والمحاجة ما ذكر في قوله : { لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } [ الأنعام : 76 ] وقوله : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] وغيرها من الآيات التي فيها وصف توحيد الربّ - عز وجل - وألوهيته وفساد آلهتهم ، من ذلك قوله : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 95 - 96 ] ، وقوله : { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] ، وقوله : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ … } [ الشعراء : 72 ] إلى قوله : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] . وفيه دليل نقض قول المعتزلة ؛ لأنه قال : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } والإيتاء هو الإعطاء ، والنجوم والشمس ، والقمر وما ذكر قد كانت ؛ دل أن الذي آتى إبراهيم هو محاجته قومه بما ذكرنا واحتجاجه عليهم بذلك ؛ دل أن له في محاجة إبراهيم قومه صنعاً حيث أضافها إلى نفسه ، وهو أن خلق محاجته قومه ، وبالله العصمة . وقوله - تعالى - : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } : الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، وهو ما بين سفههم في عبادتهم الأصنام ، حيث قال في غير آية وعلى نمرود حين قال : { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ … } إلى آخر الآية [ البقرة : 258 ] . وقوله - عز وجل - : { نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ } . فيه - أيضاً - دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد شاء لكل أحد أن يبلغ المبلغ الذي إذا بلغ ذلك يصلح للنبوة والرسالة ، لكنهم شاءوا ألا يبلغوا ذلك المبلغ ، يجعلون المشيئة في ذلك إلى أنفسهم دون الله ، والله أخبر أنه يرفع درجات من يشاء وهم يقولون : لا يقدر أن يرفع ، بل هم يملكون أن يرفعوا درجات أنفسهم ؛ فدلت الآية على أن من نال درجة أو فضيلة إنما ينال بفضل الله ومنِّه . ثم قوله : { نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ } : تحتمل الدرجات وجوهاً . تحتمل : النبوة ، وتحتمل : الدرجات في الآخرة أن يرفع لهم . وتحتمل : الذكر والشرف في الدنيا لما يذكرون في الملأ من الخلق . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . أي : حكيم في خلق الخلائق ، خلق خلقاً يدل على وحدانيته ، ويدل على أنه مدبر ليس بمبطل في خلقهم ، ثم عليم بأعمالهم وعليم بمصالح الخلق وبما يصلح لهم ، [ وبما لا يصلح ] والحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير .