Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 7-9)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . إن الله أمر المؤمنين بمعاداة الكفرة ومنابذتهم وترك موالاتهم ما داموا كفارا ، ثم وعد أن يجعل بيننا وبينهم مودة إذا آمنوا ؛ فكان في هذا أعظم الدليل على أن الخلق عند الله - تعالى - في كل حال على ما هم عليه في أحوالهم وأمورهم . وقال بعض الجهال : إنه [ من ] يؤمن في وقت من الأوقات ؛ فهو عند الله مؤمن في حال كفره ، وهذا خلاف ما وصف الله - تعالى - نفسه في هذه الآية ، والله أعلم . ثم المعتزلة قد خالفوا هذه الآيات وعاندوها على قولهم ؛ وذلك أن الله - تعالى - قال : { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [ الممتحنة : 1 ] ، ومن قولهم : إن [ من ] كان على خلاف مذهبهم فهو عدو لهم ، ولا شك أنهم يوالونه ويصافونه ، وقد نهى الله - تعالى - عن ذلك فهذا أحد الخلافين . والثاني : أن الله - تعالى - وعد أن يجعل بيننا وبينهم مودة ، ومن قولهم : إنه لا يقدر على شيء من أفعال العباد فكأن الله - تعالى - على قولهم وعد ما لا يقدر عليه ، وهذا لا يليق بأسفه خلق الله ؛ فكيف برب العالمين ؟ ! فثبت أنهم عاندوا الآيات ، والله أعلم . وخلاف ثالث : أن الله - سبحانه وتعالى - وصف نفسه بالقدرة ، { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ } ، ومن قولهم : إنه ليس بقدير على خلق أفعال الخلق ؛ فأي خلاف أشهر من هذا وأظهر ؟ ! والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ } . لا يحتمل أن يكون النهي في الإقساط ؛ لأن الإقساط هو العدل ، وليس ينهى عن العدل إلى ما كان وليا أو عدوا ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ } [ المائدة : 8 ] ، فقد أخبر أنه لا يحل له ترك العدل لمكان العداوة ، وإذا كان كذلك ثبت المراد من هذا النهي وغيره ، وهو قوله : { أَن تَبَرُّوهُمْ } . ثم الذي لم ينه عنه خلاف ما نهى في الظاهر ؛ لأنه قال : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ } ، وقال فيما نهى { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ } ، ومعلوم أنه قد يجوز أن يبر من لا يجوز أن يتولاه ؛ ألا ترى إلى قوله : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [ لقمان : 15 ] ؟ ! ثم نهى عن تولي الكفار بقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [ الممتحنة : 1 ] ، ولكنه لما جاز أن يجتمع في نفس واحدة البر وترك التولي ؛ فكذلك جاز أن يؤمر بالبر بمن ينهى عن التولي معه ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } يحتمل أن يكون المراد منه لا ينهاكم ، بل يأمركم . ويحتمل أن يكون معناه : يرخص لكم ؛ كقوله : { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } [ البقرة : 16 ] ، ومعناه : بل خسرت ، وإن كان قد يجوز أن يكون التجارة إذا لم تربح لا تخسر ؛ فكذلك قوله - تعالى - : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } ، بل يأمركم أن تبروهم . ويحتمل أن يكون المراد : بل يرخص لكم أن تبروهم ، والله أعلم . ثم اختلفوا فيمن أمر ببرهم ونهى [ عن ] توليهم : فقال بعضهم : هم المستضعفون من أهل مكة الذين آمنوا في السر وخشوا إظهاره من المشركين ، فأمر الله - تعالى - المؤمنين بالمدينة أن يبروهم بالكتب إليهم ؛ ليحتالوا في انقياد أنفسهم ؛ لأن المشركين من أهل مكة إذا علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لقتالهم كان يجوز أن يخشى على أولئك المؤمنين المستضعفين ؛ فأمر هؤلاء أن يبروهم بالكتاب إليهم ليتأهبوا في أنفسهم ويحتالوا ؛ لما يخشى عليهم من المشركين ، والله أعلم . وقال بعضهم : هذا في الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وذمة ؛ فأمر المؤمنين أن يبروا أولئك في إيفاء عهودهم إلى مدتهم ، ونهاهم عن أن يتولوا من قاتلهم ونقض عهودهم . وقال بعضهم : في النساء والولدان من المشركين : أمر المؤمنين أن يبروهم بترك القتال ، وألا يتولوا من قاتلهم من جملة الرجال من المشركين من الرجال ، بل يقاتلوهم . ثم قال : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } . أي : ومن يتولهم في الاعتقاد فأولئك هم الظالمون في حق الاعتقاد . أو من يتولهم في الأفعال فأولئك هم الظالمون في حق الأفعال ، كما وصفنا في قوله : { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ البقرة : 108 ] .