Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-4)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . قال هاهنا : { سَبَّحَ } ، وقال في موضع آخر : { يُسَبِّحُ } [ الجمعة : 1 ، التغابن : 1 ] ؛ ليعلم أنه تسبيح غير منقطع ، وأنه يسبح من حين كان ، ويسبح إلى أن يكون . وفيه تسفيه أولئك الكفرة المتمردة ؛ وذلك أن التسبيح والثناء في الشاهد إنما يرجعان إلى المسبح والمثني ؛ لأنه لا يثني إلا على من يستحق الثناء ، ولا يسبح إلا من يستحقه ، فإنما تسبيح المسبح وثناؤه خضوع له وتقرب إليه ، وذلك يزيده شرفا ونبلا ، فكأن الله - عز وجل - : أخبر أنه قد خضع لله تعالى ، واستسلم له ، وأتى بما فيه شرف له وزين وتقرب إلى ربه - كلُّ شيء إلا الكفرة ؛ فإنهم تركوا التسبيح لله تعالى مع ما فيه من نبلهم وشرفهم وزينهم ، والله الموفق . ويجوز أن يكون ذكر سفههم أيضاً من وجه آخر ، وهو أنه لو كان لله تعالى بتسبيح شيء من الخلائق حاجة ، لكان في تسبيح من ذكر كفاية وغناء عن تسبيح الكفرة ، ولكنهم تركوا التسبيح ، والله تعالى غني عنهم وعن تسبيحهم ؛ فما تركوه إلا لسفههم ، والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } . يدل على أنه عزيز في ذاته ، وأن ترك التسبيح من الكفرة إياه لا يذله ، بل هو عزيز منيع . وقوله : { ٱلْحَكِيمُ } : يعني : حكيم ؛ حيث جعل في الأشياء المتضادة علم ألوهيته ، وآية وحدانيته . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } . قال بعضهم : هذه الآية في أهل النفاق في القتال ؛ لأنهم تمنوا القتال ، فلما أمرهم الله تعالى به قالوا : { لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } [ النساء : 77 ] فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } ، أي : لم تعدون ما لا تفون به ؟ ومنهم من قال : إنها في بعض المؤمنين في القتال أيضاً ، وإنها على التقديم والتأخير . ووجه ذلك : أنهم أحبوا أن يعملوا بأحب الأعمال إلى الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم … } الآية [ الصف : 10 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } . فلما يفوا بما وعدوا ؛ فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } . ويجوز أن تكون هذه الآية في كل مؤمن ؛ لأنه قد اعتقد كل من آمن بإيمانه الوفاء بما وعده من الطاعة لله تعالى والاستسلام له والخضوع ، فإذا لم يف بما وعد ، خيف عليه في كل زلة أن يدخل في هذه الآية ، وليس أحد من المؤمنين قد وفى بما وعد كله ، والواجب عليه أن يتوب من ذلك توبة بليغة . وقوله - عز وجل - : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ } . المقت : البغض ، ومن استوجب مقت الله ، لزمه العقاب [ عنه ] لا محالة ، ولكنه يحتمل أن يكون هذا فيمن اعتقد ترك الوفاء بما وعد واستحلال ما نهاه الله تعالى [ عنه ] ؛ فيستوجب مقت الله تعالى ونقمته لا محالة . وإن كان فيمن تثبت على اعتقاده ، وزل في أفعاله ، فالواجب أن يقسم الذنوب ؛ فيلزمه الخوف على مراتبها ودرجاتها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } . ليس فيه أن الله تعالى لا يحب المبارز ؛ لأن الجهاد والقتال على المبارز أشد ، وذلك أنه إذا كان في الصف أعانه على القتال غيره ؛ فكان أمنه على نفسه في الصف أكثر ، وأما المبارز فإنه وحده ليس له معين ؛ فإن ظفر على صاحبه وإلا هلك ، والخوف عليه في ذلك أشد ؛ فيجب أن تكون المحنة فيه أكثر . ولكنه يجوز أن يكون الله تعالى علمهم بهذه الآية كيفية القتال ؛ ليستعين بعضهم ببعض ، وليكون كلمتهم واحدة ؛ لأنهم إذا تفرقوا اختلفت آراؤهم ، فيخشى عليهم الهزيمة والإدبار ، وإذا كانت آراؤهم متفقة ، وكلمتهم واحدة ، وشوكتهم واحدة ، فذلك قوة في القتال وزيادة نصرة ، والله أعلم . ثم قوله : { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } ، قال بعضهم : ضرب هذا المثل للثبات ، يعني : إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الذي يكون ثابتا مستقرّاً لا ينتقض بأدنى شيء . ومنهم من [ قال ] : ضرب هذا المثل ؛ لأن يكون كلمتهم واحدة ، ويعين بعضهم بعضاً . ويشبه أن يكون للأمرين جميعاً ؛ لأنهم إذا ثبتوا أعان بعضهم بعضاً ، وكانت كلمتهم واحدة ، وإذا كانت كلمتهم واحدة ، كان ذلك أدعى إلى الثبات وأقرب إليه ؛ فلذلك قلنا : إنه يجوز أن يكون للأمرين جميعاً ، والله أعلم . ثم المحبة تحتمل وجهين : أحدهما : عن الخلق . والثاني : الثناء عليهم بما يفعلون .