Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 9-11)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، واختلف فيه : فمنهم من قال : هذه الآية في المنافقين . ومنهم من قال : في المؤمنين . فإن كانت في المنافقين ، فكأنه يقول : يا أيها الذين أظهرتم بلسانكم الإيمان ، لا تلهكم أموالكم [ ولا أولادكم ] عن ذكر الله . وإن كان في المؤمنين ، فكأنه قال : يا أيها الذين حققوا الإيمان ، لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله . ثم اختلفوا في معنى ذكر الله : فمنهم من قال : معناه القرآن على مثال قوله : { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ … } [ الطلاق : 10 - 11 ] يعني : قرآنا ورسولا . ومنهم من قال : معنى الذكر التوحيد . فإن كان تأويله القرآن ، فهو يتوجه إلى المنافقين والمؤمنين جميعاً ، فإن كان في المنافقين فكأنه قال : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن النظر والتأمل في القرآن ؛ لأن الله تعالى بين [ في القرآن ] أموراً تطهر سرائرهم وما يظهر عندهم أن الرسول لا يختلقه من تلقاء نفسه ، وأنه إنما يقوله بالوحي ، فكأنه يقول : إذا تأملتم النظر في القرآن ، حملكم ذلك على التحقيق في الإيمان ، فلا يحملكم حب المال والولد على ترك التأمل في القرآن ؛ لأنكم إذا نظرتم فيه ، وتأملتم ، حصلتم منه على تحقيق الإيمان ، والله أعلم . وإن كان في المؤمنين ، فمعناه : ألا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن النظر في القرآن ؛ فإنكم إذا نظرتم فيه ، صرتم من أهله ، وجل قدركم . وإن كان المراد من الذكر التوحيد ، فهو راجع إلى الناس كافة : فأما المؤمنون ، فكأنه حذرهم عن حب المال والولد أن يحملهم غاية حبهما على أن ينسوا وحدانية الله تعالى والإيمان بالرسل والبعث ، فكأنه يقول : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم كما ألهى الكفرة ، فيحذرهم عن أن يقعوا في الهلاك من حبه كما قال : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] يعني : اتقوا السبب الذي يفضي بكم إلى النار المعدة للكافرين ، فكذلك الأول . وإن كان في المنافقين فكأنه قال : لا يحملكم حب المال والولد أن تتركوا حقيقة الإيمان به والتوحيد له والطاعة لرسوله ، عليه السلام . وقوله تعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . فعلى ما ذكرنا من التأويلين في إنكار البعث والتوحيد ظاهر ، وإن كان في المؤمنين فمعنى الخسار : هو الخوف من أن يقع به الوعيد . وقوله - تعالى - : { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ } . يجوز أن يكون صلة قوله : { لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } فيمنعكم ذلك عن الإنفاق ؛ فإنكم إذا امتنعتم عن الإنفاق ازداد حبكم ، فتنسون وحدانية الله تعالى وطاعة رسوله ، عليه السلام . وقوله - تعالى - : { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } . قال بعضهم : تمنى الرجعة ؛ لما رأى من الهلاك والعذاب حيث ترك الحقوق . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " لو كان ثمة خير لما تمنى الكرَّة " . ولكن المعنى في ذلك عندنا - والله أعلم - أنه يتمنى الرجوع ؛ ليتصدق ليس الإنفاق خاصة ، ولكن ليتصدق ، وليكون من الصالحين ، أي : من الموحدين ، وذلك مستقيم أن يقال إذا ترك التوحيد فنزل به الموت : إنه يتمنى الرجوع ؛ لما يرى من الهلاك والعقوبة . ويجوز أن يكون المعنى في هذا إن كانت الآية في المؤمنين الموحدين : أنهم يتمنون الرجوع ؛ حياء من ربهم ؛ لما ارتكبوا من الزلات وتركوا ما يستوجبون به الحسنات ، وقصروا فيما فرض الله عليهم من العبادات ، وحق على كل مؤمن أن يستحي من ربه إذا لقيه بما ترك من حقوقه التي ألزمها عليه والأسباب الواجبة . وقوله : { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ … } الآية . ليس يحتمل تأخير الله تعالى أجله إذا جاء ؛ لأنه لو أخره ، دل على أنه بدا له في أجله ، ومن بدا له في أمر فذلك دليل الجهل بالعواقب ، ولا يوصف [ رب ] العالمين بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . أي : لا يخفى عليه شيء من أعمالكم : سركم وعلانيتكم ، والله أعلم [ بحقيقة ما أراد ، والحمد لله رب العالمين ] .