Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 14-18)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } . يحتمل أن يكون على تحقيق العداوة ، ويحتمل أن يكون على فعل العداوة ؛ فإن كان على تحقيق العداوة فهو يحتمل وجهين : أحدهما : عداوة ظاهرة ، وهي عداوة الكفر والشرك ؛ وذلك أنه كان في ذلك الزمان يسلم الرجل ويبقى ولده وزوجته على الكفر ، فعلمهم الله تعالى صحبة الأولاد والزوجات : أنه إذا دعوكم إلى الكفر والشرك ، فاحذروهم أن تطيعوهم وأن تعفوا عن عقوبتهم على ما دعوكم إليه ، وتغفروا ؛ فإن الله غفور رحيم . ثم ذكر الله - عز وجل - في صحبة الأولاد والزوجات إذا كانوا كفارا - العفو والصفح ، ولم يذكر ذلك في الوالدين المشركين ، ولكنه أمره أن يصاحبهما في الدنيا معروفا لقوله : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [ لقمان : 15 ] ، فوجه ذلك - عندنا والله أعلم - : أن يجري سلطانه وغلبته وقهره على زوجته وولده ، فأمره هاهنا بالعفو والصفح ، وأما في الوالدين فليس يجري [ له عليهما ] السلطان والقهر والغلبة ؛ فلا معنى [ للعفو والصفح ] عنهما ، لكنه أمر [ أن يصاحبهما ] في الدنيا معروفا وألا يطيعهما فيما أمراه من المنكر ، والله أعلم . ويحتمل أن تكون هذه العداوة عداوة مستورة ، وهي عداوة النفاق ، فكأنه قال : إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم وأنتم لا تشعرون ، وإن تعفوا عن جنايتهم ولم تؤذوهم عليها وتصفحوا وتغفروا ؛ فإن الله غفور رحيم ؛ ألا ترى إلى ما حذر الله المؤمنين من أهل النفاق مع أنهم من الضعف والفشل [ ؛ كما أخبر الله ] - عز وجل - عنهم بقوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } [ المنافقون : 4 ] فكذلك الأزواج والأولاد وإن كانوا تحت قهره [ وغلبته ، أمره ] بالحذر عنهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون على فعل العداوة ، ليس أنهم أعداء في الحقيقة ، وذلك أنهم في المتعارف والمعتاد يدعون الآباء إلى البخل والمنع عن الإنفاق على غيرهم ، ويشتد عليهم صنع أبيهم من الإحسان والبر في حق الناس ، ويكرهون ذلك ، وهذا في الظاهر فعل العدو ؛ فيجوز أن يكون الله تعالى علم صحبة هؤلاء أن من أزواجكم وأولادكم من يظهر فعل العداوة فاحذروهم أن تمتنعوا عن وجوه الإحسان إليهم والتبرع بقولهم ، وإن تعفوا عن صنيعهم بكم وتغفروا { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } . المفتون : [ هو ] المولع بالشيء العاشق له ، فكأنه قال : إنما أموالكم وأولادكم معشوقكم ؛ فلا يحملكم حبهم على أن تتركوا ابتغاء الأجر العظيم عند الله تعالى . ويحتمل أن يكون معناه : أن الله تعالى لم يخلق الأزواج والأولاد لكم مجانا ، وإنما خلقهم ليبتليكم ، ويمتحنكم : أن كيف تعاملون الله تعالى فيما أمركم به ونهاكم عن حبهم ، ثم أخبر أن الله عنده أجر عظيم ؛ ليتحملوا المؤنة العظيمة في أوامره ونواهيه عن حبهم الأولاد والأموال ، وهذا معنى ما قال بعضهم : إن الأزواج والأولاد كانوا يتعلقون بهم ، ويقولون : ننشدك بالله أن [ لا ] تذرنا وتضيعنا ، إذا أراد الرجل أن يهاجر إلى المدينة . والأشبه ألا يكون هذا ؛ لأن هذه الآية نزلت بالمدينة وأفعالهم هذه إنما كانت بمكة ، إلا أن يكونوا كتبوا إليهم بها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } . قال بعضهم : نسخت هذه الآية قوله تعالى : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] حيث أمر هاهنا بالاتقاء على قدر الاستطاعة ، وثم بخلافه ، ولكن هذا لا يستقيم ؛ لأن قوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعون لا فوق الطاقة والاستطاعة ، لكنه إن كان [ فوجهه : أن ] { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] وإن هلكت فيه طاقتكم ؛ لأنهم أمروا بتقوى تهلك به طاقتهم على ما قال : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } [ النساء : 66 ] ، ولو كتب عليهم أن يقتلوا أنفسهم جاز ولكنه تهلك طاقتهم فيه ، فكذلك الأول ، ثم قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } تخفيفا عليهم وتيسيرا والله أعلم . ولكن الكلام في أن كيف قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } ولم نكن نتقي لولا هذه الآية إلا ما استطعنا ، ولكن معناه - والله أعلم - : على جهة البشارة : أنكم إذا قصدتم قصد التقوى ، آتاكم الله - تعالى - الاستطاعة في تقواه ، وهو كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } [ الليل : 5 - 8 ] . وهذه الآية على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الاستطاعة تتقدم الفعل ، وهي تزول عن الفاعل وتقدم عند الفعل ، ولو كان كذلك كان يجعل قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } استطاعة زالت عنهم ، وكذلك قوله : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } [ الأعراف : 145 ] ، وكذلك قوله : { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [ البقرة : 63 ] ، زالت عنهم هذا مستحيل ، والذي يؤيد قولنا قول الله جل ثناؤه : { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } [ المجادلة : 4 ] ، والحاجة إلى هذه الاستطاعة تقع عند أداء البدل عن الأصل ، فأما قبل ذلك إن كان مستطيعا أو غير مستطيع فهو سواء . قوله تعالى : { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } . أي : اسمعوا إلى ما أمركم الله تعالى به ورسوله . أو يكون قوله : { وَٱسْمَعُواْ } بمعنى : أجيبوا لما أمركم الله به ، وإلى ما دعاكم الله ورسوله ؛ كقوله : " سمع الله لمن حمده " ، أي أجابه . وقوله - تعالى - : { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } . أي : وأنفقوا مما رزقناكم خيرا لكم من أن تدعوا الإجابة لما أمركم والإنفاق مما رزقكم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } . قال سفيان بين عيينة : أي : ومن يوق ظلم نفسه ، والشح : الظلم . [ وقال بعضهم : الشح : البخل ، الذي فيه الحرص . قال : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } ] أضاف الوقاية إلى نفسه ؛ ليعلم أن من اتقاه فإنما اتقاه بما وقاه الله تعالى بلطفه وكرمه ، ألا ترى إلى قوله : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] كيف علمهم ذلك التقوى بقوله : { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] [ أن قولوا : وقنا عذاب النار ؛ ليعلم أن ] جميع أفعال العباد إنما تقوم وتصح بتدبير الله - تعالى - وتوفيقه وتسديده وتقديره ، والله أعلم . ثم قوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } فيه أوجه من الدلالة : أحدها : أن قوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } لم يبين فاعله ، ففيه بيان أن في سلطان الله وملكه ما يقي به شح عبده ، وأنه إذا وقاه شح نفسه أفلح ، وكذلك في قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] إخبار أن من ينصره الله فلا يغلب ، وقد يرى في الشاهد من لا يوق شح نفسه ألبتة ، ومن قد يوق شح نفسه ولا يفلح ، وقد نرى من يجاهد أعداءه فيغلب ، مع ما وعده وأخبر أنه هو الغالب وأنه لا يغلب ، فلا بد في ذلك من أحد وجهين : إما أن لم يكن لله تعالى النصرة في ملكه وسلطانه كما ادعى ، فهو كاذب فيما ادعى ، وإما أن آتاه من القوة ما يقي به شح نفسه فلم يفلح ؛ فصار كاذبا في خبره . [ فأما المعتزلة فإنهم زعموا ] أن الله تعالى قد آتى عبده جميع ما يقي به شح نفسه حتى لم يبق في خزانته شيء يؤتيه ليقي به شح نفسه - كذبة ، وإذا لم يكن بد من نسبة الكذب إلى الله تعالى أو إلى المعتزلة ، كانت المعتزلة أولى أن ينسبوا إلى الكذب من رب العالمين فيما أخبروا هم ، وأن الله تعالى [ فيما أخبر صادق ] وأن في ملكه وسلطانه ما لم يؤت عبده ليقي به شح نفسه ، والله المستعان . وفيه دلالة على إبطال قول من قال : إن على الكفرة أداء هذه العبادات ، والحقوق واجبة ، وذلك أن الله تعالى وعد في هذه الآية أن من وقي شح نفسه ، وأدى ما وجب عليه من هذه الحقوق فقد أفلح ، وقد ترى الكافر في الشاهد [ يوقي شح نفسه ] ويؤدي [ حقوق أمواله ] ويسخو بماله على الناس ، ولا يفلح ولو كان عليه هذه الحقوق واجبة ، لكان يحصل له الفلاح ، ثبت أنه ليس عليه أداءها وإنما عليه قبولها ، والله أعلم . وفيه أن صاحب الكبيرة قد يرجى له الفلاح وإن لم يتب عن الكبيرة حتى مات ؛ لأنا قد نرى صاحب الكبيرة قد يوقي شح نفسه ، وقد وعد الله - عز وجل - أن من وقي شح نفسه ، فهو من المفلحين ، فإذا كان صاحب الكبيرة قد يوقي شح نفسه ؛ فقد ثبت أنه يرجى له الفلاح ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ، تولد من هذه الآيات ظنون فاسدة : أحدها : ظن اليهود ، حيث قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ؛ وذلك أنهم لما سمعوا أن الله تعالى يقول : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } والاستقراض في الشاهد يدل على الحاجة إلى ما يستقرض ، وكذلك قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [ التوبة : 111 ] ، والشراء يدل على حاجة في المشتري ، وحيث استعمل عبيده في الأعمال ، ثم قال : { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 179 ] ، ورأوا أن من يستعمل آخر فإنما يستعمله في عمل ترجع منفعته عليه ويحتاج إلى عمله ، ظنوا بذلك أن الله فقير وأنه محتاج . وظنت المعتزلة أن أنفس العبيد وأملاكهم ملك لهم حقيقة ليس لله - تعالى - في شيء من ذلك ملك ولا تدبير ، قالوا : وذلك أن الله تعالى استقرض من عبيده ، والمرء في الشاهد لا يستقرض ملك نفسه ، فلما استقرض واستباع دل أن هذه الأشياء كانت ملكا لهم حقيقة . والذي يدل على أن قول المعتزلة على ما وصفنا : أن من قولهم : إن ليس لله تعالى أن يمرض أحداً ولا يؤلم ذاته إلا بعوض ، ومن لم يملك فعل شيء إلا بعوض أو بدل تبين أنه لا يملكه ؛ فثبت على أن عندهم أنه لا يملك حقيقة ، وأن حقيقة الملك فيه للعبيد . ويشبه أن يكون ظن [ اليهود والمعتزلة ] جميعاً إنما تولد من قولهم : إن ليس لله تعالى أن يفعل بعبيده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم ، فذهبت اليهود إلى أن هذا لما كان حقّاً على الله أن يفعله لا محالة حتى إذا لم يفعله يكون جائرا ، ومن كان مأخوذا بحق أو بشيء يفعله ، ففيه بيان أن حقيقة ذلك الفعل لغيره حتى أخذ به لا محالة ؛ لذلك قلنا : إن ظنونهم تولدت عن القول بالأصلح ، والله المستعان . وأما الحكماء وأهل العقل ومن انتفع بعقله ، حمل هذه الآيات من الله تعالى على نهاية الكرم وغاية الغناء ؛ لأن الله تعالى أعطى عبده ، ثم استقرض منه ذلك الذي أعطاه ؛ ليصير ذلك العطاء دائما ببدله الدائم ، وهو النعيم في الآخرة ، ومعلوم أن من أراد دوام عطاء من أعطاه فهو في غاية الكرم ، وكذلك اشترى منه حياة فانية ؛ [ ليعطي له ] حياة دائمة ، وهذا من غاية الجود ، ومن استعمل عبده في عمل يوصف بأنه جواد سخي ويشرف به ، ويكرم ثم وعد له على ما فيه شرفه أجراً دائماً ، دل على غناه ، فثبت أنه أراد بهذه الآيات أن يعلمنا غاية كرمه وغاية جوده ونهاية غناه ، وأن جوده وكرمه مما لا تدركه عقولنا ، والله المستعان . والذي يدل على غاية كرمه وغاية جوده : أن جعل ما نتصدق به على فقرائنا وما نصل به أرحامنا قرضا حسنا على نفسه ، ووعد الأجر بعمل يعمله العبد لنفسه ، وعلى عمل [ على ] العبد فعله لا محالة ، ولا شك أن ذلك من غاية [ الجود والكرم ] والله المستعان . ثم قوله : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } . قال بعضهم : القرض : هو القطع ، كأنه قال : اقطعوا شيئاً من أموالكم لله تعالى قطعا حسنا . وقال بعضهم : اقرضوا ، أي : اجعلوا ما تتصدقون به مما فضل عن حاجاتكم على فقرائكم قرضا حسنا على الله تعالى يؤتكم أجره عند حاجتكم إليه . وقوله : { يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } . يعني : يضاعف ما يعطيكم في الآخرة من الثواب الذي تكرمون به ، بما شرفتم به ، وتزينتم في الدنيا بالتصدق . وقوله : { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } . يعني : شكور ؛ حيث شكر لكم على ما أعطيتموه شيئاً هو أعطاكم إياه . وقوله : { حَلِيمٌ } . وصف نفسه بالحلم ، وعلى قول المعتزلة لا يتحقق هذا الوصف ؛ لأنهم يقولون : إنه إذا وجبت العقوبة ، فليس لله تعالى أن يؤخرها كرماً منه ، وأنه فيما أخرها كان ذلك حقّاً عليه ؛ حيث رأى الأصلح في تأخيرها ، ومعلوم أن من أدى حقّاً عليه لم يوصف بالحلم ، ولكنه يقال : إنه ينفي الجور ، والحليم من يحلم عن عقوبة لزمت فيؤخرها ويتركها ويعفو صاحبها عنها ؛ فيوصف بالحلم عند ذلك ، وأما أن يكون عليه تأخيرها ، فلا يوصف بالحلم في هذا الموضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . يعني : عالم ما غاب من أفعال الخلق عن الملائكة ، وعالم بما شهدوا من أفعالهم ، وعالم بما غاب عن العباد ، وبما شهده العباد . وقوله : { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . [ العزيز ] : الذي لا يعجزه شيء ، والحكيم : الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره ، ثم المعتاد في القرآن أنه يذكر العزيز الحكيم بعد ذكره خلق الكفرة ؛ ليعلم أن فسادهم لا يوجب وهْناً في حكمته وتدبيره ، ولا يبطل عزه وسلطانه ؛ لأن من صنع إلى آخر شيئاً يعلم أنه يفسد ؛ دل ذلك على جهله بالتدبير وإذا استعمل عبده بما يهلكه ؛ دل على ذله فأخبر بعد خلق الكفرة : أنه عزيز ليعلم أن كفرهم لا يوجب نقصا في عزه ، ولا يدخل ذلا عليه ، وأن فسادهم لا يخرجه عن الحكمة والتدبير ، [ والله أعلم بالصواب ] .