Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 11-13)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني : بأمر الله ، وهو قول الحسن . وقال بعضهم : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني : بعلم الله . وقال بعضهم : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني : بمشيئة الله . ولكل من ذلك وجه : فأما من قال : بأمر الله ، فمعناه وحجته : أن هذه المصائب كلها عقوبات ؛ ألا ترى إلى قوله : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] . ومعلوم أن جزاء ما كسبت يده عقوبة له ، والتعذيب والعقوبة إنما يكون بأمر الله ؛ فلذلك قال : معنى قوله : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بأمر الله . لكن عندنا هذا يرجع إلى ما يصيبهم من أيدي الخلق ، كقوله تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [ التوبة : 14 ] ، وقوله : { هَلْ تَرَبَّصُونَ … } [ التوبة : 52 ] إلى قوله : { أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } [ التوبة : 52 ] ونحو ذلك ، وهذه المصائب لا تحتمل [ تأويلاً للأمر ] من الله تعالى . ومن قال : بعلم الله ، فوجه ذلك : أن هذه المصائب فيها إهلاك العبيد ، وفي الشاهد أنه لا يحب أحداً أن يعلم بما فيه هلاك عبيده وخدمه ، فأخبر - عز وجل - أن هذه المصائب وإن كان فيها هلاك عبيده فإنما يكون ذلك بعلمه ، وأن هلاكهم لا يضره ، ولا ينقص من ملكه ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أنشأ ما أنشأ من الخلائق لحاجة لهم ، ولمنفعة ترجع إليهم ومضرة تلحقهم ؛ فحلول ما يحل بهم من المصائب لا يضره ولا ينفعه [ لذلك كان علمها ما ذكر ] . ومن قال : بمشيئة الله وإرادته فوجه ذلك : أن الله تعالى وعد وأوعد ، ولا محالة يريد من عبيده ما يكون بوعيده عادلا وأن يضع وعده موضعه ، وإذا كان كذلك ثبت أنه يريد من كل أحد ما يعلم أنه يكون منه ؛ لأنه إذا خلق النار ، وأوعد عليها ، فلو أراد من كل منهم الطاعة ، لكان إذا أحرق بالنار أحرق من أراد منه الطاعة فدخل في حد الجور ، ولو كان يريد [ من كل منهم ] المعصية ، لكان إذا أنجز وعده ، وأدخله [ الجنة ، كان يضع ثوابه غير موضعه ويخرج عن حد الحكمة ، وإذا كان ] كذلك ، ثبت أنه أراد من كل ما علم أنه يختاره ، ويكون منه ليخرج فعله على الحكمة ، والله الموفق . ونحن نقول : قد ذكر الله تعالى الإذن في مواضع مختلفة ، ولكل من ذلك وجه غير وجه صاحبه ، فالواجب أن يصرف معناه في كل موضع إلى ما يليق به ، والله أعلم . وقوله عز وجل : { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } . قال أبو بكر : أي : من آمن بما شاهد من التدبير ، يهديه الله تعالى ؛ ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة . ويجوز أن يكون تأويله على وجه آخر ، وهو أن يقول : من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر - يهدِ قلبه ؛ ليسكن ، ويعلم أن الله أولى به ؛ فيسترجع عند ذلك ، وذلك تأويل من قرأ { يهدأ قلبه } أي : يسكن ؛ من الهدوء وهو السكون ، والله أعلم . والثاني : يحتمل أن تكون هذه الهداية وإن خرجت على لفظ الإحداث ، فليس على الإحداث ولكن معناه : أن إيمانه بالله تعالى إنما كان بهدايته منه ؛ لأنه لا يجوز أن يكون الإيمان متقدما والهداية متأخرة ، ولكن حين هداه ، آمن بما هداه ؛ وهذا على ما قال الله تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] فهذا خرج في الظاهر على لفظ الإحداث ، ولكنه في الحقيقة ليس عليه ولكن على معنى أنهم لما آمنوا ، أخرجهم بالإيمان من الظلمات إلى النور بعد الإيمان ، فكذلك الأول ، والله أعلم . ويجوز أن يكون تأويله : أن الله يهدي قلبه ، أي : يتوب عليه من الزلات عند الموت ؛ على ما قال الله تعالى : { وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ الأحزاب : 73 ] . وقيل : فيه لغات أربع { يَهْدِ قَلْبَهُ } بنصب الياء والباء جميعاً ، و { يُهد قلبُه } برفع الياء والباء جميعاً ، و { يَهْدَ قلبُه } بفتح الياء وضم الباء ، أي : يهتدي ، و { يَهْدِ قَلْبَهُ } من السكون . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . الأصل في الأسماء المشتركة إذا أضيف شيء منها إلى الله تعالى ، فحق التخصيص في الإضافة إليه أن يضاف بحق الكليات ليكون فرقا بينه وبين العباد فيقال : { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، ويقال في الخلق : فلان عليم بكذا على الخصوص ، وليعلموا أن العبيد إنما يعملون ما يعملون بعلمه ، وكذلك هذا في قوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 284 ] وهذا على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله - عز وجل - ليس بقادر على كثير من الأشياء فكأنهم أشركوا في اسم القدرة غيره ؛ لأنه لا أحد من الخلق إلا وله جزء من القدرة ، فلو قلنا : إن الله تعالى يقدر على بعض [ ولا يقدر على بعض ] لسوينا بينه وبين خلقه ، وشبهناه بهم ، جل الله - سبحانه وتعالى - عن [ مثل هذا الوصف ] والله المستعان . وقوله - عز وجل - : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } . يعني : أطيعوا الله فيما تعبدكم به ، وأطيعوا الرسول فيما أخبر عنه . أو أطيعوا الله فيما أمركم وأطيعوا الرسول فيما دعاكم إليه ، وهذا كله واحد إلا التعبُّد ؛ فإنه لا يجوز أن يضاف إلى الرسول ، وما سواه من الألفاظ من الأمر والدعاء والإخبار ، فهو جائز أن يضاف [ إلى الله تعالى ] وإلى الرسول - عليه السلام - . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَولَّيْتُمْ } . يعني : توليتم عن إجابة الرسول إلى ما دعاكم إليه وعن طاعته . وقوله : { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } . فيه بيان : أن توليهم عن إجابته وكفرهم به ، لا يوجب تقصيرا في التبليغ . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُو } . يجوز أن يكون هذا صلة ما تقدم من الآيات من قوله : { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التغابن : 1 ] و { عَلِيمٌ } و { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النحل : 19 ] ، ثم قال الله الذي له الأوصاف التي تقدمت هو الذي لا إله إلا هو ، أي : لا معبود إلا هو ، وأن معبودهم ليس يجوز أن يكون معبودا ؛ لتعريه عن هذه الأوصاف التي تقدم ذكرها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . فيه بيان : أن معتمد المؤمنين على الله تعالى ، وإن قلت أعوانهم وأنصارهم ، وأنهم ليسوا كالمنافقين والكفرة ؛ حيث تركوا اتباع المؤمنين لما رأوا من قلة الأتباع والأعوان لهم وأخبر أن المؤمنين بخلاف تلك الصفة ، وأن ثقتهم واعتمادهم على الله تعالى ليس على كثرة الأنصار ، والله أعلم .