Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-4)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } الآية . والتسبيح يحتمل أوجهاً ثلاثة ، وقد سبق ذكره . وقوله : { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يحتمل وجهين : أحدهما : يحتمل الملك : الولاية والسلطان . والثاني : يقول : { لَهُ ٱلْمُلْكُ } يعني : ملك كل الملوك ، كما قال في آيات أخرى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ … } الآية [ آل عمران : 26 ] ، فأخبر أن ملك الملوك كلها له ، وأن من استفاد الملك إنما يستفيده بالله تعالى ، وبامتنانه عليه ، والله أعلم . وقوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } . يحتمل أوجها ثلاثة من التأويل : أحدها : أن يقول : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يعني : له الثناء الحسن بصفاته العلا وأسمائه الحسنى . والوجه الثاني : أن يقول : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يعني : حمد كل من يحمد ، فحقيقة ذلك الحمد له بما أحسن إلى عباده وأنعم عليهم ، وذلك معنى قوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [ الفاتحة : 2 ] أي : الحمد والثناء الحسن لله تعالى على إحسانه إلينا وإنعامه علينا . والثالث : أن يجعل معنى الحمد معنى الشكر ؛ لأن الحمد قد يستعمل في موضع الشكر . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . يحتمل أن يكون معناه : وهو على كل شيء أراده قدير ، وهو [ حجة ] على المعتزلة ؛ لأن الله - تعالى - لا يزال يمدح نفسه بأنه بصير عليم وأنه على كل شيء قدير ، وأقرت المعتزلة بأنه بصير عليم ، وأبت عن الإقرار بأنه قدير على أفعال العباد ، أو على إصلاح أحد من العباد ، وهذا خلاف ما مدح الله [ تعالى نفسه به ] والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } ، يحتمل أن يكون تأويله : فمنكم من يدين بدين الكفر ، ومنكم من يدين بدين الإسلام ، ودل هذا على أن المعصية والطاعة يجتمعان في دين واحد ، وأن المعصية لا تخرجه من دينه ؛ لأن المعصية ، لم يرتكبها تدينا بها ، ولكن لغلبة شهوة أو غضب عليه ، وأما الكفر والإيمان فإنه يأتي بهما المرء اختيارا ويتدين بالكفر والإيمان ؛ لما عنده أنه حق ، وفي هذه الآية دلالة أنه ليس بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ، وليس كما قالت المعتزلة : إن صاحب الكبيرة بين منزلتين بين الكفر والإيمان ، والله تعالى قسم الناس [ صنفين ] : فمنهم من خلقه كافرا ، ومنهم من خلقه مؤمنا ، ولم يجعل فيما بينهما منزلة ثالثة ، فلا يجب أن نجعل ، والله الموفق . وفيه أيضاً وجه لطيف سوى ما ذكرنا ، وهو أن كل أحد في الدنيا مؤمن وكافر في الحقيقة ؛ لأن من كان مؤمنا بالله فهو كافر بالطاغوت ، ومن كان كافرا بالله فهو مؤمن بالطاغوت ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يبحث عن معنى قوله : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } ومعناه عندنا : أن الحقيقة وإن كانت كذلك فالإيمان إذا ذكر مطلقا لم يفهم منه إلا الإيمان بالله تعالى ، والكفر إذا أطلق أيضاً لم يفهم منه إلا الكفر بالله تعالى ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يكون لفظ الكتاب خارجا على ما عليه المعهود من المتعارف المعتاد ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } في الأزل بما يعمله العباد ، وأنه ليس كما قال بعض الناس : ألا يعلم فعل العبد إلا وقت فعله ، واحتجوا في ذلك أنا لو قلنا إن الله تعالى بصير في الأزل بما نفعله ، لكان قولا بما لا يستقيم في المعقول ؛ ألا ترى أنا لا نرى في الشاهد من يبني بناء يعلم أنه يضره أو يشتري عبدا يعلم أنه يعاديه ، فكذا لا يستقيم أن يقال [ إن الله ] تعالى خلق عبداً قد كان يعلم من قبل أنه إذا خلقه عاداه . والجواب عن هذا : أن هذا الذي وصفه غير مستقيم في الشاهد ؛ لأن منافع ما يفعله العباد ومضاره ترجع إلى أنفسهم ، وليس من العقل أن يفعل المرء فعلا يعلم أنه يضره ، وأما رب العالمين فإنه لا يرجع شيء من المنافع والمضار إليه ؛ فجاز أن يخلق خلقا يعلم أنه يختار عداوته ؛ ليظهر عند الخلق أنه لا يرجع شيء من المنافع والمضار إليه بعد أن يكون في الحكمة ذلك ، والله أعلم . ثم في قوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } و { عَلِيمٌ } [ البقرة : 29 ] و { ٱلْوَكِيلُ } [ آل عمران : 173 ] ، و { بِحَفِيظٍ } [ الأنعام : 104 ] إلزام المراقبة والتحفظ والتيقظ وبيان الترغيب والترهيب ؛ لأنه إذا علم المرء أن عليه في كل ما يفعله رقيباً يتيقظ ، ولم يفعل إلا ما يُرضي به ربه ، والله المستعان . وقوله - عز وجل - : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } . قد وصفنا أن الحق إذا جرى ذكره يصرف في كل شيء إلى ما هو أليق به ؛ فإذا ذكر في الأخبار أريد به : الصدق ، وإذا ذكر في الأحكام أريد به : العدل ، وإذا ذكر في الأقوال أريد به : الإصابة ، فلما قال : { بِٱلْحَقِّ } هاهنا [ فكأنه ] أراد به : الحكمة ، كأنه يقول : خلق السماوات والأرض بالحكمة . وقال بعضهم : { بِٱلْحَقِّ } يعني : للحق ، وهو البعث ، فكأنهم عنوا به : أن الله تعالى لم يخلقهما عبثاً بل خلقهما للعبادة . وقوله - عز وجل - : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يحتمل هذا وجهين : أحدهما : { فَأَحْسَنَ } ، أي : أتقن ، وأحكم ، ومعنى ذلك : أن الله تعالى خص صور بني آدم في الاستدلال بوحدانيته وربوبيته في أن جعل في أنفسهم حقيقة المعرفة والاستدلال بأنفسهم على [ وحدانية الله ] تعالى ، وأما غيرهم من الصور فإنما يقع الاستدلال لغيرها بما ليس لنفس تلك الصور حقيقة المعرفة والاستدلال بوحدانية الله تعالى ؛ ولذلك كان خلق صور بني آدم أتقن وأحكم ، والله أعلم . والثاني : أن يصرف الحسن إلى حسن المنظر ، ومعنى ذلك : أن الله تعالى خلق بني آدم على صورة لا يودون أن يكون صورتهم مثل صورة غيرهم من الخلائق ، فثبت أن صورتهم في المنظر أحسن صورة ، فذلك معنى قوله تعالى : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ، والله أعلم . وقوله : { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني : البعث ، وأضاف ذلك إلى نفسه ؛ لأنه هو النهاية والمقصود في خلقهم ، ولما لم يفهم أحد من قوله : { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } معنى الانتقال والتحول من مكان إلى مكان من حيث إنه يضاف إلى الله تعالى ؛ لأن هذا فعل يكون باثنين ، فإن من صار إلى شيء صار ذلك إليه ، مثل الملاقاة والإتيان ونحو ذلك ، فلما لم يفهم منه الانتقال لم ينبغ أن يفهم من قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] معنى الانتقال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } . في إخباره عن علمه بذلك كله إيجاب المراقبة والتيقظ والتبصر ، والمحافظة على ما أمره الله تعالى ونهاه ، وفي هذا إخبار أن الله تعالى مطلع على ما يضمرون ، محصٍ عليكم جميع ما تظهرون ، فاحذروا أن ترتكبوا ما فيه سخطه في الحالين جميعاً ، والله المستعان . وقوله - عز وجل - : { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } قال أهل التفسير : أي : بما في الصدور . ويحتمل أن يكون المراد منه بالأنفس التي لها الصدور ، وكل من كان ذا فكرة وتدبير فإنه يسمى : ذات الصدور ، ومعناه : أن التدبير إنما يصدر عن ذلك الموضع ، ويرجع إليه ، وكل بنو آدم خصوا بهذا المعنى ؛ فلذلك ذكر هذا فيهم ، والله أعلم .