Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 8-12)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } ، وصف الله تعالى القرية بالعتو ، ومعلوم أنها لا تعتو ، ولكن المراد منه ، أي : عتا أهلها عن أمر ربهم ، وقد يجوز أن يكنى بالمكان عن الأهل ، كما قال في آية أخرى { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } [ يوسف : 82 ] [ يعني : واسأل أهل القرية ] وفي هذا دلالة أن ما خرج مخرج الكناية في الحقيقة ، لم يكن كذبا ، وإن كان في ظاهره يرى أنه كذب ؛ ألا ترى إلى قوله : { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } [ ص : 23 ] ، ومعلوم أنه لم يكن هناك نعجة ، ولكن كناية عن النساء ، فخرج على الصدق في الحقيقة ؛ كأنه قال : إن هذا أخي ، لو كان له تسع وتسعون امرأة ، فكذلك الأول والله أعلم . والعتو : النهاية في الاستكبار ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } [ الفرقان : 21 ] . وقوله - عز وجل - : { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } : له أوجه من التأويل : أحدها : يقول : { فَحَاسَبْنَاهَا } ، أي : بلغوا في الكفر والعتو والاستكبار مبلغا صاروا من أهل الحساب الشديد والعذاب المنكر . أو يجعل ما ذكر الله تعالى من نزول النقمة بالأمم الماضية ؛ لعتوهم واستكبارهم حساباً شديداً لهذه الأمة ؛ ليتذكروا ويتعظوا . أو يكون معناه { فَحَاسَبْنَاهَا } أي : سنحاسب حساباً شديداً في الآخرة ، كما [ كان معنى ] قوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] بمعنى : وإذ يقول الله ، فكذلك الأول ، والله أعلم . ووجه نزول هذه الآيات : أن يكون له معنيان : أحدهما : تخويف أمة محمد صلى الله عليه وسلم والكفرة من أهل مكة بما نزل بالأمم الخالية حين تركوا اتباع رسلهم والإيمان بهم ، واستكبروا في أنفسهم ، وعتوا لكي ينتهي أهل قريته - عليه السلام - عما هم فيه من الكفر والعتو ، ويحظروا الوقوع فيه في حادث الأوقات . ويحتمل أن يكون هذا تسكينا لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتهوينا عليه ما يلقى من كفر قومه وعصيانهم وعتوهم ، وليعلم ما لقيت الرسل المتقدمة من أممهم حتى بلغ كفرهم واستكبارهم المبلغ الذي وقع اليأس منه عن إيمانهم ، حتى أنزل الله تعالى بهم ما أنزل من النقم والعقوبة . ويجوز أن يكون هذه محنة امتحن بها رسوله ؛ ليعلم شفقته على أمته في ترك الدعاء عليهم بالإهلاك ، والله أعلم . وقوله : { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } . أي : شدة أمرها ، أو نقمة أمرها ، وعقوبة كفرها . وقوله : { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } . أي : عاقبة عتوها خسارة في الآخرة . وقوله : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } . أي : فاتقوا الله يا من تدعون أن لهم لُبّاً ، فاتقوه عن أن تكفروا به وبرسوله . وفيه دلالة : أن خطاب الله إنما يتناول العقلاء منهم ، وأن من لا عقل له لا خطاب عليه . وقوله : { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } ، له وجهان : أحدهما : أن يجعل الذكر والرسول كله واحداً ، فيقول : أنزل الله إليكم ذكرا ، وهو الرسول ، وإنما سماه : ذكرا ؛ لوجهين : أحدهما : أن من اتبعه شرُفَ وصار مذكورا . أو سماه : ذكرا ؛ لأنه يذكرهم المصالح والمضار ، وما يرجع إليهم من أمر دينهم وعقباهم . ويجوز أن يكون فيه إضمار ، وهو أن يقول : أنزل الله إليكم ذكراً ، وأرسل إليكم رسولا . وقوله - عز وجل - : { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ } . [ بالخفض ؛ فمعناه أنه يبين الحلال والحرام والأمر والنهي ونصب ] الآيات والأعلام والحجج . فمن قرأ { مُبَيِّنَاتٍ } بالخفض ، فمعناه : أنها تبين الحلال والحرام والأمر والنهي . ومن قرأ بالنصب ؛ فكأنه يريد به : أن الله - تعالى - أوضح آياته وبينها ، حتى إن من تفكر فيها وفي جوهرها ، علم أنها من عند الله . وقوله - عز وجل - : { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } كل من آمن ، فقد خرج من الظلمات إلى النور . وإذا كان هذا هكذا فحق هذا الكلام أن يقول : ليخرج الذين كفروا من الظلمات إلى النور ، ولكن يحتمل أن يكون معناه : ليخرج الذين يؤمنون ؛ على ما جاز أن يراد من الماضي المستقبل . وقوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } [ المائدة : 116 ] . أي : إذ يقول الله : يا عيسى بن مريم ، جاز أن يراد من المستقبل الماضي ، وهذا سائغ في اللغة . ويحتمل أن يقول : ليخرج الذين آمنوا من ظلمات تحدث لهم بعد إيمانهم إلى النور ، والله أعلم . وقيل قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني : الذين وحدوا الله ، وعظموه وبجلوه من معاني الشبه ووصفوه بالتعالي [ عن العيوب ] والآفات ، وعملوا في إيمانهم صالحاً إذا خافوه ورجوه بإيمانهم وذلك عملهم الصالح في الإيمان ، وذلك معنى قوله : { أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } [ الأنعام : 158 ] ، ومعنى ذلك الكسب : ما وصفنا من التعظيم والتبجيل والرجاء والخوف في نفس الإيمان ، والله أعلم . ويجوز أن يكون معنى قوله : { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } في أداء الفرائض التي افترض الله عليهم . وقوله - عز وجل - : { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } . أي : طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة ؛ وذلك معنى قوله : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] ، وفي هذه الآية دلالة أن من نال الإيمان ، فإنما ناله بفضل الله تعالى وبرحمته ، لأنه لولا ذلك ، لم يكن ليمن الله - تعالى - عليه بذلك . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } . اختلفوا في قوله : { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } : منهم من قال { مِثْلَهُنَّ } أي : طباقاً مثل السماوات بعضها طباق فوق بعض . ومنهم من قال { مِثْلَهُنَّ } يعني : سبع جزائر ، على مثل ما قال : { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [ لقمان : 27 ] ، فكذلك خلق سبع جزائر . ومنهم من قال : خلق هذه الأرض التي نشاهدها على حد السماء ومقدارها ، والست من وراء هذه السماء ، والله أعلم . وليس بنا إلى أن نعرف ما بينها وكيفيتها وعددها حاجة ؛ لأنه ليس في تعرفها حكم يتعلق به ، والله أعلم . وقوله : { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } . له تأويلان : أحدهما : ينزل الوحي بينهن ، وما ينزل الله تعالى من الكتب والرسل بينهن ، ومعناه : أن الله تعالى ذكر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم لم يخصوا بمحنة الرسل والكتب والوحي ، بل كل من في السماوات والأرض ممتحن بذلك . والثاني : { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } يعني التكوين ، ووجه ذلك : أنه لا يخلو مكان في السماوات والأرض في كل وقت من مكون يكونه الله تعالى ، أو محدث يحدثه ، وذلك قوله : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] ؛ فيجوز أن يكون المراد بالأمر في قوله : { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ } : أمر التكوين ، ومعناه : ما وصفنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . أي : لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السماوات والأرض ، وما جرى من التدبير فيهما أن من بلغت قدرته هذا المبلغ كانت قدرته ذاتية ، لا يعجزه شيء عما أراده . أو يدل هذا التدبير أنه خرج عن عالم لا يخفى عليه شيء ، والله أعلم . قوله : { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . يحتمل أوجها : أحدها : أن الله تعالى [ على ] خلق فعل كل فاعل من خلائقه قدير . ووجه ذلك : أن الله تعالى قد كان أعلمهم بخلق السماوات والأرضين بقوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } فلما قال : { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، لم يكن بد من أن يكون هذا في غير خلق السماوات والأرضين ؛ فثبت أن فيه دلالة قدرته على خلق فعل كل مخلوق . ولأنه لما بلغ قدرته وتدبيره في السماوات والأرضين مع عظم أمرهما وشأنهما ، ومع عجز البشر عن تدبير مثلهما ؛ فلأن يبلغ قدرته وتدبيره فيما يقع فيه تدبير البشر - وهو أفعالهم - أحق ، والله المستعان . ووجه آخر : أن يقول : { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } بما وعد وأوعد أو على كل شيء من منافع العباد [ ومضارهم قدير ] ، وعلى قول المعتزلة : إن الله تعالى لا يقدر على فعل بعوضة فما فوقها ، ولا يقدر على إصلاح أحد من خلقه وإن أنفد جميع خزائنه ، وإن من صلح فإنما يصلح بنفسه ، ومن فسد فإنما يفسد بنفسه ؛ وهذا خلاف ما وصف الله به نفسه من أنه على كل شيء قدير . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } . يعني : أن علمه لا يشذ عنه شيء ، ولا يخفى عليه شيء من الفعل والأمر وغيره ، والله أعلم .