Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 5-16)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } . قال جعفر بن حرب : { ٱلْمَفْتُونُ } في هذا الموضع هو المفتون بضلالته ، المعجب بخطئه المشغوف بجهله . وقال الحسن : { ٱلْمَفْتُونُ } هو الذي معه الشيطان . وقيل : { ٱلْمَفْتُونُ } من به الفتنة كما يقال : فلان لا معقول له ، أي : ليس له عقل . وقيل : { ٱلْمَفْتُونُ } : المعذب ؛ كقوله - عز وجل - : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] أي : يعذبون ؛ فكأنه يقول : ستعلمون أيكم المعذب ؟ وأيكم الضال ؟ إن حمل على ما ذكر الحسن ، وأيكم المغتر إن كان معناه على ما ذكروا أن المفتون من الفتنة . وجائز أن يكون نسبوه إلى الاغترار فيما كان يدعي من الرسالة ، ويزعمون أنه مغتر بها ، ويغر بها غيره كما قال المنافقون : { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] ، فحق هذا عندنا ألا يتكلف تفسيره ؛ لأنه قال : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } ، فذكر هذا جوابا عما وقعت فيه الخصومة ، فكانوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المفتون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنهم هم المفتونون ، فخرج هذا جوابا عن تلك الخصومة : أنهم وأنت ستبصرون ، وقد وقعت الخصومات من أوجه : فمرة كانوا يدعون أنه ساحر ، ومرة [ كانوا ] يدعون أنه مجنون ، ومرة بأنه ضال ، ومرة أنه مفتر وغيرها من الوجوه ، فإذا ثبت أن الآية نزلت في حق الجواب فما لم يعلم بأن الخصومة فيم كانت ، لم يعلم إلى ماذا يصرف الجواب ، والله أعلم . ويشبه أن تكون الخصومة الواقعة في الضلال والهدى ، فكانوا يدعون أنهم على الهدى ، وأنهم بالله أحق وإليه أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعي أنهم على الضلال ، وأنه على دين الحق والهدى ، يدل على ذلك ذكر الضلال والهدى بعد ذكر المفتون ، وهو قوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } . ثم هذه الآيات كأنها نزلت جوابا من الله تعالى عما كان يحق لمثله الجواب [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ولكن الله تعالى لما امتحن رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو والإعراض عن المكافأة في الجواب ، تولى الله تعالى الجواب عنه بقوله - تعالى - { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ } ، [ أي : قد تعلمون أن ربكم أعلم ] { بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } ، وسنبين لكم ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ، وقال في موضع آخر : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] ، ليس في قوله : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أمر من الله تعالى بأن يطيع المصدقين ؛ لأن من صدقه وآمن به [ لا يجوز له ] أن يتقدم بين يديه فيأمره أو ينهاه عن أمر ، ويدعوه إلى الطاعة ، بل ينظر إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه ؛ فيأتمر بأمره ، ويطيعه فيما يدعوه إليه ، وأما من كذبه ، فقد يدعوه إلى طاعته ؛ فخص ذكر المكذب عندما نهاه عن طاعته ؛ لأن الدعاء إلى الطاعة لا يوجد من المصدق دون أن يتضمن قوله : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أمرا بطاعة المصدق ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] ، فليس فيه أنه إذا لم يخش الإملاق يسعه قتله ، ولكنه خص تلك الحالة ؛ لأن تلك الحالة هي التي كانت تحملهم على القتل ، ولم يكونوا يقدمون على القتل عند الأمن من الإملاق ، وفي هذا دلالة إبطال قول من قال بأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على أن الحكم فيما غايره بخلافه ، والله أعلم . وقوله : { ٱلْمُكَذِّبِينَ } هم المكذبون بآيات الله تعالى أو بوحدانيته أو برسله أو بالبعث . ثم يجوز أن يكون هذا الأمر منهم في أول الأحوال ؛ فكانوا يطمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإجابة لهم فيما يدعونه إليه ؛ إذ كانوا يرجون منه الموافقة لهم بما يبذلون له من المال ؛ فيكون النهي راجعاً إلى ذلك [ الوقت ] ، فأما بعدما ظهرت منه الصلابة في الدين والتشمير لأمر الله تعالى فلا يحتمل أن يطيعهم أو يخاف منهم ذلك فينهى عنه . وجائز أن يكون دعاؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر من قوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } والمداهنة هي [ الملاطفة والملاينة ] في القول . ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر آلهتهم بالسوء ويسفههم بعبادتهم إياها ويسفه أحلامهم ويجهلهم ، وهم لم يكونوا يجدون في رسول الله صلى الله عليه وسلم مطعنا ؛ فكانوا ينسبونه إلى الكذب مرة وإلى الجنون ثانيا وإلى السحر ثالثا ، وكانوا يتخذونه هزوا إذا رأوه ، وكانوا يطعنون فيه من هذه الأوجه بإزاء ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسفههم ويذكر آلهتهم بسوء ، مع علمهم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [ الأنعام : 33 ] ، فأخبر - تعالى - أنهم ليسوا يكذبونه لما وقفوا منه على الكذب ، بل قد كانوا عرفوه بالأمانة والصدق ، ولم يكونوا وقفوا منه على كذب قط ، وإنما الذي حملهم على التكذيب واتخاذهم إياه هزوا ذكر آلهتهم بسوء ، وكذلك قال : { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } [ الأنبياء : 36 ] ، فكانت معاملتهم هذه مجازاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } . يخرج على هذا - إن شاء الله تعالى - : هو أنك لو تركت ذكر آلهتهم بسوء ، ولم تسفه أحلامهم ؛ لامتنعوا هم أيضاً عما هم عليه من نسبتهم إياك إلى الجنون والسحر والكذب وغير ذلك ، ولكنه كان يذكرهم [ بما يذكرهم ] وهو في ذلك محق ، وهم كانوا يذكرونه بما قالوا بالباطل والزور ؛ فيكون قوله : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } فيما يدعونك إلى المداهنة ، ثم هم لو داهنوا كانوا في مداهنتهم محقين ، فإذا تركوا ذلك فقد تركوا الحق الذي كان عليهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لو داهنهم ، لم يكن في مداهنتهم محقّاً ؛ فلذلك نُهِي عن المداهنة . وقال بعض [ أهل التفسير ] : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } ، أي : لو ترفض ما أنت عليه من الدين ؛ فيرفضون ما هم عليه من الدين ؛ وهذا لا يستقيم ؛ لأنه إذا رفض ما هو عليه من الدين كفر ، وهم لو تركوا ما هم عليه ، صاروا مسلمين ، [ فيبقى بينهم الاختلاف ] الذي لأجله دعوا إلى المداهنة وودوها . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } . قيل : إن هذه الآيات نزلت في واحد يشار إليه ، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وفيما يشار إلى واحد لا يطلق فيه لفظة " كل " فيقال : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } ، والحلاف المهين ليس إلا واحداً ، ولكن معناه : ولا تطع هذا ولا كل من يوجد فيه هذه الصفة ، ثم ذكر المرء بقوله : { حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } يخرج مخرج الهجاء والشتم في الشاهد ؛ لأن ذكر المرء بما هو عليه من ارتكاب الفواحش والمساوى تهجينٌ [ له ] وشتم ، وجل الله ورسوله [ أن يقصدوا إلى شتم إنسان ] ، فالآية ليست في تثبيت فواحشه ، وإنما هي في موضع التوبيخ والزجر عن اتباع مثله ، وذلك أنه كان من رؤساء الكفرة ، وممن بسطت عليه الدنيا ؛ فكان القوم يتبعونه وينقادون له فيما يدعوهم إلى الصد عن سبيل الله ، فذكر الله تعالى فيه هذه الأشياء ، وأظهرها للخلق ؛ ليزهدهم عن اتباعه ؛ إذ كل من كانت فيه هذه الأحوال ، لم تسْخُ نفس عاقل باتباعه ، ولا احتمل طبعه طاعة مثله ؛ فلا يتمكن من صد الناس عن سبيل الله تعالى ، فكان في ذكره بالعيوب التي هي فيه زجر الناس عن طاعته ؛ فذكرها لإثبات هذا الوجه ، لا أن يكون فائدتها تحصيل الشتم والهجاء ؛ وكذلك ذكر أبا لهب بالتب والخسار وما هو عليه من الفواحش ؛ ليزجر الناس عن اتباعه . وفي هذه الآيات دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الوجه الذي نذكره في سورة " تبت " إن شاء الله تعالى . ثم قيل : المهين من المهانة ، ومن المهنة ، ومن [ الوهن ، وهو الضعف ] . ثم قوله : { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } جائز أن يكون استوجب المهانة ؛ لكونه همازا مشاء بالنميم وبمنعه الخير واعتدائه ؛ فيكون هذا كله تفسير { مَّهِينٍ } ، فإن كان هكذا فقوله : { مَّهِينٍ } من المهانة هاهنا . ثم لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى عليه طاعة من هذا وصفه ، وأن يميل قلبه إليه ، ولكن النهي لمكان غيره وإن كان هو المشار إليه بالذكر . وجائز أن يكون قوله : { كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } تمام الكلام ، ويكون قوله : { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } على الابتداء ؛ فكأنه يقول : لا تطع كل حلاف مهين ، وكل هماز مشاء بنميم ، وكل معتد أثيم ، وكل عتل زنيم . وتفسير الهمز يذكر في [ تفسير ] سورة الهُمَزَة ، إن شاء الله تعالى . والمشاء بالنميم : هو الذي يسعى في الفرقة بين الإخوان ، ويقوم فيما بينهم بالقطيعة . والمناع للخير : قال بعضهم : إنه كان يمنع أهل الآفاق مَنْ كان بحضرته عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : إنه ضال مضل ، فقيل : مناع للخير ؛ لهذا . ومنهم من ذكر : أنه كان يمنع ولده من الاختلاف إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجائز أن يكون منعه للخير هو امتناعه عن أداء [ الحقوق التي لله ] تعالى الواجبة في ماله . وقوله - عز وجل - : { مُعْتَدٍ } . أي : معتد حدود الله تعالى ، أو ظالم لنفسه . وقوله - عز وجل - : { أَثِيمٍ } . الأثيم : هو المرتكب لما يأثم به . وقوله - عز وجل - : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } . العتل : الفظ الغليظ ، والشديد الظلوم . وقيل : هو الفاحش اللئيم الضريبة . وقال مجاهد : العتل : الشديد الأشر ، أي : الخلق ، وقد روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري [ ولا العتل الزنيم " ، فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ، وما الجواظ ] والجعظري والعتل الزنيم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما الجواظ فالذي جمع ومنع تدعوه لظى نزاعة للشوى ، وأما الجعظري : فالفظ الغليظ ؛ قال الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [ آل عمران : 159 ] ، وأما العتل الزنيم : هو الشديد الخلق ، الرحيب الجوف المصحَّح ، الأكول الشروب ، الواجد للطعام والشراب ، الظلوم للناس " ، وأما الزنيم : هو الدعي الملصق بالقوم الملحق في النسب . واستدلوا على ذلك بقول الشاعر : @ زَنِيمٌ ليس يُعْرَفُ مَنْ أبوه ؟ بَغِىُّ الأمِّ ذو حسب لئيم @@ ويقول آخر : @ زَنِيمٌ تَداعاه الرجال زِيادَة كَمَا زِيدَ في عرْض الأدِيم الأكَارعُ @@ ومنهم من قال : إنه كانت به زنمة في أصل أذنه يعرف بها . ومنهم من يقول : الزنيم : هو العلم في الشر . ولقائل أن يقول : إذا كان تأويل العتل ما ذكر في الخبر ، ومعنى الزنيم : الدعيّ أو ما ذكر من العلامة ، فكيف عير بهذه الأشياء ، ولم يكن له في ذلك صنع ، والمرء إنما يعير بما له فيه صنع لا بما لا صنع له فيه ؟ ! فيجاب عن هذا من وجهين : أحدهما : ما ذكرنا : أن ذكره بما فيه من العيوب ليس لمكان المذكور نفسه ، ولكن لزجر الناس عن اتباعه ؛ لأن من اشتمل على العيوب التي ذكرها ، وكان مع ذلك عتلا زنيما ، فأنفس الخلق تأبى عن اتباعه ، ففائدة تعييره بما أنشئ عليها ما ذكرنا من الحكمة لا تعييره . والثاني : أن ذكر أصله كناية عن سوء فعله ؛ ليعلم أن خبث الأصل يدعو الإنسان إلى تعاطي الأفعال الذميمة ، وصحة الأصل و [ حسنه ونقاوته ] يدعو صاحبه إلى محاسن الأخلاق وإلى الأفعال المرضية . وقوله - عز وجل - : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } . فيخبر أن من يتبعه ، يتبعه لكثرة أمواله وبنيه ؛ وذلك لأن كثرة المال للإنسان مِنْ أحد ما يستدعي قلوب الخلق إلى تعظيمه ، فذكر ما فيه من العيوب والمساوى ؛ لئلا يستميل قلوب الضعفة إلى نفسه بماله ، فيقول : كيف تتبعونه وهو بهذا الوصف الذي وصفه الله تعالى ؟ ! ثم أخبر عن معاملته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، ثم قوله : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، وإن كان عامّاً بظاهره ، لكن لم يرد به العموم ؛ لأن [ قوله : ] { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنعام : 25 ] ليس في كل الآيات ، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة ، وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث ، فقوله فيها ما قال في سورة المدثر : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } [ المدثر : 24 - 25 ] ، وهذا دليل على أنه لا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } . قيل : شَيْناً لا يفارقه ، فجائز أن يكون جعل هذا في الدنيا ؛ لكي يعلمه ويذكره من رآه فيجتنب صحبته ؛ فهو يصير شينا من هذا الوجه ؛ فيخرج هذا مخرج العقوبة لشدة تعنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم أذاه له . وجائز أن يكون هذا في الآخرة ، فيجعل الله تعالى في أنفه علما يتبين به ، ويمتاز من غيره يوم القيامة ؛ زيادة له في العقوبة ، كما جعل لآكلي الربا يوم القيامة علما يعرفون به ، وذلك قوله : { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } [ البقرة : 275 ] . وجائز أن يكون : نسم خرطومه خصوصا له من بين الكفرة ، فيحشره ولا أنف له ؛ لأنه ذكر أن سائر الكفرة يحشرون يوم القيامة [ عميا وبكما ] وصما ، ولم يذكر في أنوفهم شيئاً ، فجائز أن [ يكون ] يحشر ولا أنف له ، وذلك هو النهاية في القبح ، والله أعلم .