Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 103-112)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ } . يحتمل قوله : ثم بعثنا من بعد هلاك قرون كثيرة موسى رسولاً بآياتنا إلى فرعون وملئه ، يحتمل قوله : { بِآيَٰتِنَآ } ، حججنا ، ثم يحتمل حجج وحدانية الله وألوهيته ، ويحتمل آيات رسالته ونبوته ، وعلى قول الحسن : بآياتنا : ديننا ، وعلى ذلك يتناول جميع الآيات التي ذكرت في القرآن . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } . إن موسى كان مبعوثاً إليهم جميعاً إلى فرعون والملأ والأتباع جميعاً ، لا أنه كان مبعوثاً إلى فرعون وملئه خاصة دون الأتباع ، وكذلك ذكر في مكان آخر إلى فرعون خاصّة ، وهو بعث إليهم جميعاً ، لكن يخرج تخصيص ذكر هؤلاء القادة - والله أعلم - لما أن الذي ينازع الأنبياء والرسل هم الكبراء والرؤساء دون الأتباع والسفلة ، والأتباع هم الذين يصدرون لآراء الكبراء ، ويتبعونهم فيما يدعونهم إليه ، وعلى ذلك سموا الكبراء والرؤساء أضداد الرسل ، وإلا كان موسى مبعوثاً إليهم جميعاً ؛ الوضيع منهم والرفيع . وقوله - عز وجل - : { فَظَلَمُواْ بِهَا } . قال بعضهم : قوله : { فَظَلَمُواْ بِهَا } أي : ظلموا بالآيات والحجج التي أتى [ بها ] موسى إلى فرعون وقومه ، سمي ظلماً ؛ لأنهم سموا تلك الآيات سحراً بعد ما عرفوا أنها منزلة من الله ، فوضعوها غير موضعها ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه . وقال قائلون : قوله : { فَظَلَمُواْ بِهَا } أي : ظلموا نعم الله التي أنعمها عليهم حيث عبدوا غيره ، فصرفوا شكر تلك النعم إلى غير الذي أنعمها عليهم ، فذلك ظلم ، شكروا من لم ينعم عليهم وصرفوا عمن أنعم عليهم ، والله أعلم . ويحتمل : ظلموا الأتباع بتلك الآيات حيث منعوهم عن اتباع الرسول واستتبعوهم . أو يقول : ظلموا بها أنفسهم حيث تركوا اتباعها . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } . هذا الخطاب في الظاهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المراد بالخطاب غيره ، أمر كلاً بالنظر في عاقبة المفسدين لما حل بهم بفسادهم ؛ لأن من نظر في عاقبة ما حل بغيره بمعصية أو فساد يمتنع عن مثله ، وأمكن أن يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهين : أحدهما : لما له بما حل بهم بعض التسلي لأذاهم إياه ؛ لأن من توسم حلول الهلاك على عدوه في العاقبة صبر على أذاه ، ويكون له بعض التسلي في ذلك [ والثاني ] يذكرهم وينبئهم بما يحل بهم في العاقبة ؛ ليمتنعوا عما ارتكبوا من المعاصي ؛ لأن ذلك أزجر . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . فإن قيل : كيف قال إني رسول الله وذلك يخرج في الظاهر مخرج الامتداح والتزكية ، وقد نهينا عن ذلك ؛ لأنه أخبر [ أنه ] بمحل الذي توضع الرسالة فيه ، وأنه أهل لها ؟ قيل : ليس فيه امتداح نفسه ولا تزكية له ؛ لأنه إنما يذكر منة الله تعالى أنه جعله بحيث توضع فيه الرسالة ، وجعله أهلاً لها والتزكية والامتداح إنما يقع فيما هو فعله حقيقة لا فعل الله ، أو إن كان تزكية وامتداحاً فهو أمر بذلك ، فجاز ذلك بالأمر . أو أراد بذلك تعريفه ؛ لما كان من عادة الملوك أنهم إذا بعث بعضهم إلى بعض رسولاً فإنهم لا يستقبلون الرسل بالمكروه والشر ، بل يعظمون الرسل ويكرمونهم ، وإن كان بينهم معاداة ، فذكر أنه رسول من ربّ العالمين ؛ لئلا يستقبل بالمكروه . وقوله : { مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قيل : العالم : هو جوهر الكل ، وهو قول الفلاسفة . وقال أبو بكر الأصم : رب العالمين ، أي : مليك الخلائق . وقوله - عز وجل - : { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } . قال أهل التأويل : إن موسى لما قال لفرعون [ إني رسول من رب العالمين فقال له كذبت فعند ذلك قال له موسى { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } ، وأمكن أن يكون ذلك منه على غير تكذيب القول من فرعون ولكنه قال ذلك ؛ لما أنه ] حقيق على كل أحد أكرمه الله بالرسالة واختاره لها ألا يقول على الله إلا الحق ، أو أن يقول : إني رسول من ربّ العالمين حقيق على [ بعد ] ما أكرمني بالرسالة أن لا أقول على الله إلا الحق . وقوله : { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } : قد ذكرنا ألا يصح الابتداء بهذا إلا بعد أن يسبق من فرعون كلام خرج ذلك الكلام من موسى جواباً لما كان منه ، وهو ما قال أهل التأويل : [ أنه قال له : لما قال : إني رسول من رب العالمين إليك - : كذبت ؛ لم يرسلك إلينا ، وكلاماً نحو هذا ؛ فعند ذلك قال : { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } أي ما كان ينبغي لي أن أقول على الله الكذب وهو كما ] قال عيسى : { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [ المائدة : 116 ] ، لما قال له : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله كان ذلك القول من عيسى [ بعد ] ما ادعى قومه على عيسى أنه قال لهم ذلك ، وكذلك قول الملائكة : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [ سبأ : 41 ] بعد ما قال لهم : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] ، فعند ذلك قالوا : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [ سبأ : 41 ] ، خرج ذلك القول منهم جواب ما تقدم ، فعلى ذلك قول موسى : { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } ، خرج على تقدم قول كان منهم ، والله أعلم . ومن قرأ : { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } فتأويله : محقوق : على ألا أقول على الله إلا الحق ، ومن قرأ بتشديد عليَّ فتأويله : حق عليّ ألا أقول على الله إلا الحق . وقوله - عز وجل - : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } . يحتمل : { بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ما يبيّن وحدانية الله تعالى وألوهيته . ويحتمل : ببينة الرسالة ما يبين أني رسول رب العالمين ، غير كاذب عليه ولا مفتر . وقوله - عز وجل - : { فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي : لا تستعبدهم ؛ فإنهم ليسوا بعبيد ، لم يرد إرسالهم معه ، ولكن طلب استنقاذهم من العبودة ؛ كقوله : { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 22 ] . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . دل قول فرعون : { إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ } أن موسى أراد بقوله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } : الآية . ودل قوله : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أنه [ لعنه الله ] قد كان عرف أنه ليس بإله ، وعرف عبودة نفسه حيث طلب منه الآية على صدق ما ادعى من الرسالة ، ولو كان عنده أنه إله ، لكان قال لموسى : أنا الإله فمتى أرسلتك ، ولم يطلب منه الآية . وقوله - عز وجل - : { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } . قال أبو عوسجة الثعبان : الحيّة : قال : كل حيّة تسمى ثعباناً ، والثعابين جماعة . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الثعبان هي الحيّة الذكر . وقوله : { مُّبِينٌ } أي : مبين أنها حية ، وهو كما ذكر : { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] . { مُّبِينٌ } : لا يشك أحد أنها ليست بحيّة ، ويحتمل { مُّبِينٌ } أي : مبين أن ذلك التغيير والتحويل لا يكون إلا من الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } . ذكر نزع يده ولم يذكر من ماذا ، فهو ما ذكر في آية أخرى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [ النمل : 12 ] [ أي : من غير أذى ولا آفة ] ، وقال أهل التأويل : من غير برص ، ولكن عندنا : من غير سوء من غير أن تستقبح أو تستقذر ؛ لأن خروج الشيء عن خلقته وجوهره مما يستقذر ، فأخبر أنه لم يكن كذلك . فإن قيل لنا : ما الحكمة في إدخال يده جيبه على ما هي عليه وإخراجه إياها بيضاء من غير أن كانت كذلك قبل أن يدخلها ، وكذلك صيرورة العصا [ حية ] بعد ما طرحها على الأرض دون أن تصير حية وهي في يده قبل ذلك ؟ [ قيل ] - والله أعلم - : إنه إنما أراهم آيته بعد ما أخرج العصا عن سلطانه وتدبيره ؛ ليعلم أنها إنما صارت لا بتدبيره وتغييره ولكن بالله عز وجل ، وكذلك اليد صيرها آية بعدما غيبها عن بصره وتدبيره ؛ ليعلم أنها صارت كذلك لا به ولكن بالله عز جل والآية : هي التي تخرج عن وسع الخلق وتدبيرهم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } . وقال في آية أخرى : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } [ الشعراء : 34 ] ، يحتمل أن يكون فرعون قال للملأ : إن هذا كذا ، ثم قال الملأ لقومه : إن هذا لساحر عليم ، أراد والله أعلم - تلبيس ما أتى به موسى من الآية على قومه ، وأراد بقوله : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [ الشعراء : 35 ] إغراء قومه عليه . والسحر عندنا هو من آيات الرسالة ولو كان ما أتى [ به ] موسى سحراً كان ذلك من آيات رسالته ونبوته ؛ لأنه لا يستفاد إلا بعلم من السماء وخبر منها ، وكذلك هذه الحرف والمكاسب التي تكتسب في الخلق ؛ لأنه لا يعلم إلا بالوحي من السماء ، لكنه ليس بآية على الإشارة ، ولو كان ما أتى به سحراً لكان له آية ؛ لأن نشأ بين أظهرهم لم يروه اختلف إلى ساحر قط ولا عرفوا أنه تعلم ذلك من أحد ، فدل ذلك أنه من الآية ، لكنه أخرج ذلك عما عرفوا من السحر لما لا أحد يعرف أنه لم يختلف في ذلك ، ولا تعلم من أحد ، فأخرجه عن وسع السحرة وتدبيرهم ؛ ليعرف كل أحد أنه [ من ] آيات رسالته ونبوته لا السحر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } . كان موسى لا يريد أن يخرجهم من أرضهم ، ولكن - والله أعلم - كأنه قال فرعون لقومه : لو اتبعتم موسى وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه لأخرجتكم [ من أرضكم ] لكن أضاف ذلك إلى موسى لما كان هو سبب إخراجهم ، والله أعلم . أو يقول : يريد أن يذهب بعيشكم الطيب وراحتكم وتلذذكم بأنواع التلذذ ؛ لأنهم كانوا يستعبدون بني إسرائيل ، ويستخدمونهم ، ويستريحون هم وينعمون ، فيقول للقبط : يريد أن يذهب بذلك كله عنكم . وجائز أن يكون موسى لم يكن يريد أن يخرجهم من أرضهم ، ولكن يريد أن يخرجهم من دينهم الذي كانوا عليه ، ولكنه كان يغري قومه عليه . وقوله : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } . دل هذا القول من فرعون أنه كان يعرف أنه ليس بإله ولا رب ؛ لأنه لو كان ما يقول : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] لكان لا يطلب من قومه الأمر والإشارة في ذلك ، دل ذلك أنه كان يعرف عجزه وضعفه ؛ لكنه يكابر ويلبس على قومه ويموه بقوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } . وقوله : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } هذا الحرف حرف إغراء وتحريش عليه ، وقوله : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } هو حرف تقريب حيث جعل إليهم الأمر والإشارة ، وجعلهم من أهل مشورته . وقوله : { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } . هذا الحرف لا يقال ابتداء إلا أن يكون هنالك تقدم شيء ؛ فكأنه هم بقتله ؛ كقوله : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } [ غافر : 26 ] فقالوا له : { أَرْجِهْ } ، أي : أخره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق جميعاً ، كانوا يمنعون فرعون عن قتله . ألا ترى أنه قال : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [ غافر : 26 ] لو لم يكن منهم منع عن قتله لم يكن ليقول لهم : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [ غافر : 26 ] . وقوله : { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } . قال القتبي : أرجه وأخاه هارون ، يقول : احبسه ، أي : أخّره ، ومنه قوله : ترجي من تشاء ، ومنه سميت المرجئة . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } ولا تقتلهما { وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } أي : أرسل إلى المدائن الشرط ، يأتون من المدائن حاشرين ، أي : يحشرون عليك السحرة والناس . إلى هذا يذهب ابن عباس ، رضي الله عنه . وقوله : { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } لا تقتله حتى يأتوك بكل ساحر عليم ، أي : ليجتمع كل أنواع السحر [ عنده ] ليتبيّن سحره ، [ وإلا كان ساحر واحد كافياً ، ولكن أرادوا والله أعلم بقوله : { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } ليجتمع جميع أنواع السحر عنده لتبين سحره ] .