Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 113-122)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } : في المنزلة والقدر عندي ، هذا يدل أن همة الساحر ليس إلا الدنيا ؛ [ لأنهم طلبوا من فرعون الأجر والقدر والمنزلة عنده إنْ كانوا هم الغالبين ، ولا يجوز من همته الدنيا ] وما ذكر أن يكون له الرسالة بحال ، وهمّة الأنبياء كانت الدين وطلب الآخرة . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } . هذا ليس على إلقاء هذا ، وترك أولئك الإلقاء ؛ لأنه لو كان على إلقاء أحدهما لكان لا يتبين السحر من الآية ، لكن إلقاء الأول كأنهم قالوا : يا موسى إما أن تلقي أولاً أو نحن الملقون أول مرة ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } [ طه : 65 ] ، وقول موسى : { أَلْقَوْاْ } كأنه أمره ربه أن يأمر بذلك ؛ قال موسى : { أَلْقَوْاْ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } هذا يدل أن السحر إنما يأخذ الأبصار على غير حقيقة كانت له ، وهو كالسراب الذي يرى من بعيد ؛ كقوله : { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً … } [ النور : 39 ] الآية ، فعلى ذلك السحر يأخذ الأبصار ظاهراً ، فإذا هو في الحقيقة باطل لا شيء ، وكالخيال في القلوب لا حقيقة له ، وكان قصدهم بالسحر استرهاب الناس ، وتخويفهم به . ألا ترى أنه ذكر في آية أخرى : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] ، وقد ذكرنا أن ما جاء به الرسل لو كان سحراً في الحقيقة ، لكان ذلك حجة لهم في إثبات الرسالة ؛ لأن قومهم لم يروهم اختلفوا إلى ساحر قط ، فيدل ذلك أنهم إنما عرفوا ذلك بالله تعالى ، وهو كالأنباء التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] يخرج على وجهين : أحدهما : أخذ سحرهم بصره كما أخذ أعين الناس . والثاني : خاف أن سحرهم يمنع أولئك عن رؤية حقيقة ما جاء به . وقوله : { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } أي : أخذوا كقوله : { مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 15 ] ، أي : مأخوذ أعينكم . وقوله - عز وجل - : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } فيه أن موسى كان لا يلقي عصاه إلا بعد الأمر بالإلقاء ، وكذلك قوله : { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } [ البقرة : 60 ] و { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } [ الشعراء : 63 ] ونحوه ، كان لا يضرب بالعصا ، ولا يلقي إلا بعد الأمر بالإلقاء والضرب ؛ ليعلم أن في ذلك امتحاناً لموسى فيما يؤمر بالإلقاء على الأرض لتصير حية ، وفيما يأمره بالضرب بها الحجر والبحر ، ولله أن يمتحن عبده بما شاء من أنواع المحن ، وإلا كان قادراً أن يفلق البحر على غير الأمر بالضرب بالعصا ، وكذلك يفجر الحجر ، ويشقه على غير ضرب بالعصا ، وكذلك يصير العصا حيّة وهي في يده ، ولكن أمره بذلك كله - والله أعلم - امتحاناً منه إياه وابتلاء ، إذ هي دار محنة وابتلاء ؛ إذ في زمن موسى كان السحر هو الظاهر ، وكان الناس وقتئذ يعملون بالسحر ، فجاء موسى من الآيات على رسالته بنوع ما كانوا يعملون به ، ومن جنس ذلك ؛ ليعرفوا بخروجه عن وسعهم أن ذلك [ ليس بسحر ] ، ولكن آية سماوية ، وكذلك ما جاء عيسى من الآيات جاء بنوع ما كان يعمله قومه ، وهو الطب ، فجاء بنوع الطب ليعلموا أن بالله عرف ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } . قال القتبى : تلقف : تلتقم وتلقم ، اشتقاقه من اللقم والابتلاع . وقوله : { مَا يَأْفِكُونَ } قيل : ما يكذبون . قال الحسن : { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } حبالهم وعصيهم . وقيل : { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } ما جاءوا به من الكذب . وقوله - عز وجل - : { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ } . قيل : أي : ظهر الحق ، { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي : بطل ما عملوا من السحر . والثاني : { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : ترك السحرة العمل بالسحر إذ ظهر الحق لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } . أي : عند ذلك غلب السحرة ؛ لأنهم قالوا لفرعون في الابتداء : { إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } [ الأعراف : 113 ] ، فذكر هاهنا أنهم غلبوا عند ظهور الحق ، لا أنهم صاروا غالبين ، وقوله : { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } ليس غلبة القهر والقسر ، ولكن غلبة بالحجج والبراهين ، أي : غلبوا بالحجج والآيات . وقوله - عز وجل - : { وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } . قال بعض أهل التأويل : رجع السحرة لما غلبوا صاغرين مذللين . لكن نقول : رجع فرعون وقومه إلى منازلهم مذللين لا السحرة ؛ لأن السحرة قد آمنوا فلا يحتمل أن يوصفوا بالرجوع صاغرين مذللين ، وقد رجعوا مع الإيمان . وقوله : { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } اختلف فيه : قال بعضهم : [ قوله ] : { وَأُلْقِيَ } ، أي : أمروا بالسجود ، فسجدوا . وقال آخرون : قوله : { وَأُلْقِيَ } ، أي : لسرعة ما سجدوا ، كأنهم ألقوا ، والآية [ ترد ] على المعتزلة ؛ لأنهم ينكرون أن يكون لله تعالى في فعل العباد صنع ، وههنا قد أضيف الفعل إلى غيرهم بقوله : { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } دل أن لله في فعل العباد صنعاً . وهو أن خلق فعل السجود منهم . وقال جعفر بن حرب : يجوز أن يضاف الفعل إلى غير ، وإن لم يكن لذلك الغير في ذلك الفعل صنع ؛ نحو : ما يقال في السفر : إن هؤلاء خلفوا أولئك ، وهم لم يخلفوا أولئك في الحقيقة ، ولا صنع لهم في التخليف ، ثم أضيف إليهم فعل التخليف ، فعلى ذلك هذا . يقال : إن لهم في ذلك صنعاً ، وهو أنهم إذا لم ينتظروهم فقد خلفوهم ، فلهم في ذلك صنع ، فأضيف إليهم . أو أن يقال : إنهم لا يملكون تخليف هؤلاء فأما الله سبحانه وتعالى فهو قادر أن يلقيهم أي : بما يخلق منهم فعل السجود ، فأضيف الفعل إليه لذلك . وقوله - عز وجل - : { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } قال بعض أهل التأويل : إنهم لما قالوا : آمنا برب العالمين ، قال لهم فرعون : إياي تعنون ، فعند ذلك قالوا : لا ، ولكن ربّ موسى وهارون ، ولكن لا ندري هذا ، وموسى أول ما جاء فرعون ودعاه إلى دينه قال له : { إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 104 ] ، فلا يحتمل أن يشكل عليه قولهم : { آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أنهم إياه عنوا بذلك ، وجائز أن يكون آمنا بربّ العالمين الذي أرسل موسى وهارون رسولاً .